اكتشاف المادة المضادة الرئيسية قد يساعدنا في حل لغز الوجود

7 ديسمبر 2025
8 مشاهدة
0 اعجاب

اكتشاف المادة المضادة الرئيسية قد يساعدنا في حل لغز الوجود

 

 

أصبح العلماء على بعد خطوة واحدة من فهم كيفية تجنَّبَ الكون كارثة المادة المضادة، إذ اكتشف علماء سيرن أدلةً مثيرة للاهتمام على وجود فرق جوهري في أسلوب تعامل الفيزياء مع المادة والمادة المضادة.

 

 

أكدت التجارب التي أُجريت في (مصادم الهدرونات الكبير - LHC ) وجود عدم تناظر بين أشكال المادة والمادة المضادة لجسيم يُسمى باريون.

 

 

إن هذا التأثير المعروف بانتهاك التناظر بين الشحنة والتكافؤ - CP violation لم يُكتشف سابقًا إلا في فئة أخرى من الجسيمات تُسمى الميزونات، لكن وجود دليل تجريبي على ذلك في الباريونات التي تشكّل معظم مادة الكون كان هدفًا طالما سعى إليه الفيزيائيون.

 

 

قالت شيوتينغ يانغ عالمة الفيزياء في سيرن المؤلفة الأولى للدراسة، في حديثها لموقع ساينس أليرت: «يوضح هذا أن الفروقات الدقيقة بين المادة والمادة المضادة توجد في نطاق أوسع من الجسيمات، ما يشير إلى أن القوانين الأساسية في علم الفيزياء تعامل الباريونات والباريونات المضادة على نحو مختلف».

 

وتابعت قائلة: «إنّ عدم التماثل بين المادة والمادة المضادة في الكون يتطلب وجود انتهاك لتناظر الشحنة والتكافؤ CP في الباريونات، لذا فإن هذا الاكتشاف يمثل خطوةً محورية في اختبار مدى اكتمال النظرية الحالية، واستكشاف ما إذا كانت هناك فيزياء جديدة كامنة في أماكن لم ننظر فيها بتمعّن من قبل».

 

 

للوصول إلى هذا الاكتشاف، حلّل الفريق نحو 80 ألف حالة اضمحلال جسيمات، وذلك باستخدام بيانات جُمعت في مصادم الهدرونات الكبير بين عامي 2011 و2018، وركز الباحثون على جسيمات تُسمى ( باريونات لامدا-بيوتي) ونظيراتها من المادة المضادة، للبحث عن أي فرق في نمط اضمحلالها.

 

 

 

في حال كان تناظر الشحنة والتكافؤ CP متماثلًا، فمن المفترض أن تتحلل جسيمات المادة والمادة المضادة إلى نواتج متطابقة، وإن كانت معكوسة. ومع ذلك، اكتشف الفريق فرقًا نسبيًا قدره 2.5% بين طريقتي الاضمحلال للمادة والمادة المضادة.

 

 

قالت يانغ: «قد يبدو هذا الرقم صغيرًا، لكنه يُعدّ ذا دلالة إحصائية كافية. لقد أظهر أن باريونات لامدا-بيوتي ومضاداتها لا يتحللان بالطريقة نفسها تمامًا، ما يُمثّل رصدًا لانتهاك تناظر الشحنة والتكافؤ في الباريونات».

 

الأهم من ذلك أن هذا الاكتشاف وصل إلى دلالة إحصائية مقدارها 5.2 سيغما، ما يعني أن احتمال كون هذا التأثير ناتجًا عن تقلبات عشوائية هو 1 من كل عشرة ملايين فقط.

 

 

 

لهذا الاكتشاف آثار كبيرة في الفيزياء، بل إنه يمسّ أسئلة وجودية مثل: «لماذا نحن هنا؟».

 

 

مع أن الاسم مخيف، فإن المادة المضادة ليست غريبة، إن الفرق الأساسي بينها وبين المادة العادية هو شحنتها المعاكسة، لكن هذا الفارق البسيط يعني أن التقاءهما يُفضي إلى فنائهما معًا في انفجار طاقة.

 

نظريًا، لم يكن على الانفجار العظيم أن يُفضّل أحدهما على الآخر، بل كان من المفترض أن يُنتج كميات متساوية من المادة والمادة المضادة، ولو حدث ذلك، لكان كل ما في الكون قد فُني في اللحظات الأولى من نشأته، وأصبح فضاءً خاويًا تمامًا.

 

لكن بما أن هذا لم يحدث، فإن هناك عاملًا مجهولًا قد تدخّل وأدّى إلى إنتاج مادة أكثر بقليل من المادة المضادة. وكل ما يرى اليوم من المجرات إلى حبات الرمل، هو من تلك الكمية الصغيرة التي نجت من الفناء المبكر.

 

في كون بسيط، إن ّعكس شحنة الجسيم والإحداثيات المكانية لجسيم –أي جعله مادة مضادة– يجب ألا يُغيّر من سلوكه وفقًا لقوانين الفيزياء.

 

يُعرف هذا المفهوم باسم تناظر الشحنة والتكافؤ CP ) وقد عُد في السابق ركيزةً ثابتة مثل حفظ الطاقة، إلا أن النموذج القياسي للفيزياء تنبّأ منذ منتصف القرن العشرين بوجود قدرٍ ما من انتهاك هذا التناظر.

 

 

تقول يانغ: « إن انتهاك تناظر الشحنة والتكافؤ CP هو أحد العناصر الأساسية اللازمة لتفسير عدم التماثل بين المادة والمادة المضادة، لكن يُقدّر الفيزيائيون أن مقدار هذا الانتهاك في الطبيعة يجب أن يكون أكبر بكثير مما يتنبأ به النموذج القياسي».

 

 

وأضافت: «يُشير هذا بقوة إلى وجود فيزياء جديدة تتجاوز النموذج القياسي، وتوفّر مصادر إضافية لانتهاك النسبة والتكافؤ. إن دراسة هذا الانتهاك في أنظمة مختلفة، بما في ذلك الباريونات، تُشكّل اختبارًا مهمًا للنموذج القياسي، وقد تُقدم مؤشرات على فيزياء جديدة خارجه».

 

على سبيل المثال، كان من المحتمل أن تُدفع المادة المضادة بالجاذبية بطريقة معاكسة، أي أنها تسقط إلى أعلى بدلًا من الأسفل، ولاختبار هذه الفكرة، أجرى علماء سيرن تجارب سقوط، ووجدوا أن المادة المضادة تسقط للأسفل مثل المادة العادية، لذا لا يوجد انتهاك للشحنة والتكافؤ في هذا السياق.

 

لكن الرصد الجديد يُظهر أن هناك شيئًا ما يتسبب في اختلاف أنماط الاضمحلال بين المادة والمادة المضادة. وهذه المصادقة التي طال انتظارها مثيرة لكنها غير كافية.

 

قالت يانغ: «إن انتهاك تناظر الشحنة والتكافؤ المُلاحظ في اضمحلال الباريونات – مثل النتيجة الجديدة من تجربة LHCb – يتوافق مع تنبؤات النموذج القياسي، لذا فهو لا يُقدم ما يكفي لحل لغز المادة والمادة المضادة بمفرده، لكنه يفتح نافذة جديدة لفهم سلوك انتهاك تناظر الشحنة والتكافؤ في قطاع الباريونات، الذي ظل غير مُستكشَف إلى حد كبير. يبحث الفيزيائيون عن مصادر جديدة لانتهاك تناظر الشحنة والتكافؤ تتجاوز ما يتنبأ به النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. وإن اكتشاف مثل هذه المصادر قد يقود إلى فيزياء جديدة كليًا».

 

 


المصادر:


الكاتب

أحمد حكيم

أحمد حكيم
مراجعة

باسل حميدي

باسل حميدي
تدقيق

نور حمود

نور حمود
ترجمة

أحمد حكيم

أحمد حكيم



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة