الأعداد السحرية في الفيزياء النووية: آلياتها ودورها في استقرار النوى الذرية
لماذا تتحلل بعض العناصر في دقائق، في حين تدوم عناصر أخرى مليارات السنين؟ قد تُحدث أعداد سحرية معينة للجسيمات النووية فرقًا كبيرًا. تبدو بعض الذرات مستقرة، في حين يبدو بعضها الآخر مفككًا. من المرجح أن يدوم الرصاص-208 إلى الأبد، في حين يبقى النظير الاصطناعي التكنيشيوم-99 لساعات فقط. يكمن الفرق في بنية نواة الذرة، إذ تجعل أعداد سحرية معينة للجسيمات النووية بعض النظائر مقاومة للتحلل الإشعاعي خصوصًا.
فما هذه الأعداد السحرية؟ ولماذا هي مميزة جدًا؟
يختلف استقرار النوى الذرية اختلافًا كبيرًا باختلاف عدد الجسيمات النووية التي تحتويها، مثل الرصاص-208 والكالسيوم-40 الموجودين منذ نشأة الأرض. تُعرف هذه النظائر بالنظائر البدائية، ومن المرجح أن تبقى حتى نهاية الزمان. عناصر أخرى مثل الأوغانيسون-294 والتينيسين-294 تُفقد في لحظة بسبب الاضمحلال الإشعاعي، بنصف عمر عابر يبلغ 0.89 و0.80 ميلي ثانية فقط على التوالي.
يبدو أن هذا الاستقرار مرتبط جزئيًا بكتلة الذرة، إذ تُثبت العناصر الأثقل أنها أقل استقرارًا. لاحظ العلماء في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي أن العديد من العناصر الأخف وزنًا تحتوي أيضًا على نظائر مشعة؛ إذ يخضع كل من الكربون-14 والبوتاسيوم-40 للاضمحلال الإشعاعي ببطء، وهما مسؤولان عن جزء كبير من الإشعاع الخلفي للكوكب.
من المثير للاهتمام أن هؤلاء العلماء لاحظوا أن أعدادًا محددة جدًا من البروتونات والنيوترونات تُنتج على ما يبدو نوى مستقرة بشكل غير عادي، وأصبحت هذه القيم تُعرف باسم الأعداد السحرية.
قال ديفيد جينكينز، عالم الفيزياء النووية في جامعة يورك في المملكة المتحدة: «الأرقام السحرية هي 2، 8، 20، 28، 50، 82، و126. إذا أخذنا أخفها -بروتونان ونيوترونان- فهي نواة ذرة الهيليوم، ونحن نعلم أنها مزيج مستقر للغاية من البروتونات والنيوترونات»
لعبة الأغلفة
تنبعث نوى الهيليوم -المعروفة أيضًا بجسيمات ألفا- تلقائيًا من ذرات أثقل وأقل استقرارًا في أثناء تحللها النووي. قال جينكينز: «إذا فكرت في الأمر، ستجده غريبًا جدًا. إذا كانت الذرة ستتحلل، فلماذا لا تفقد البروتونات أو النيوترونات واحدة تلو الأخرى؟ السبب هو أن جسيم ألفا مستقر للغاية، ويرتبط ذلك بفكرة الأعداد السحرية»
تشمل النوى السحرية الأخرى الأكسجين-16 (ثمانية بروتونات وثمانية نيوترونات)، والكالسيوم-40 (20 بروتونًا و20 نيوترونًا)، والرصاص-208 (82 بروتونًا و126 نيوترونًا)، وهو أثقل عنصر مستقر معروف.
اقترح الفيزيائيون نموذج الغلاف النووي لفهم هذه الملاحظات الغريبة، والذي يُقارن بين الأغلفة الإلكترونية المستخدمة لتفسير السلوك الكيميائي للذرات. شرح جينكينز قائلًا: «كانت الفكرة أن البروتونات والنيوترونات توجد في أغلفة، وتشبه إلى حد ما الإلكترونات في الذرة، وأن الإثارات النووية تتضمن قفز البروتونات والنيوترونات صعودًا وهبوطًا بين تلك الأغلفة».
تتميز هذه الأغلفة النووية مثل نظائرها الإلكترونية بقيم طاقة ثابتة تُعرف بالحالات الكمومية، ويكون النظام في أوج استقراره عندما تمتلئ هذه الأغلفة بالكامل. السبب الدقيق وراء ذلك هو مزيج معقد من عوامل ميكانيكا الكم، لكن يُعتقد أن القوة النووية القوية -التفاعل الأساسي الذي يربط البروتونات والنيوترونات معًا في النواة- أعلى من المتوقع لكل جسيم في الأغلفة المكتملة.
إن الأعداد السحرية هي ببساطة أعداد الجسيمات اللازمة لملء كل غلاف من هذه الأغلفة النووية، مع مستويات منفصلة للبروتونات والنيوترونات. يمكن للنظائر الفردية أن تكون سحرية منفردة، بعدد سحري من البروتونات أو النيوترونات –مثلًا، النظير البدائي الحديد-56، أو سحرية مزدوجة، بعدد سحري من البروتونات والنيوترونات، مثل الأكسجين-16 والرصاص-208.
قال جينكينز إن هذه الأنظمة السحرية المزدوجة نادرة، لكنها تمتلك بعض الخصائص الكمومية المثيرة للاهتمام. وأوضح قائلًا: «تتميز أنظمة السحر المزدوج بتوزيع كروي للمادة والشحنة، نواة مستديرة تمامًا. إن معظم النوى مشوهة وتدور ولها بنية مختلفة تمامًا»
لا أحد يعلم إلى أي مدى سيمتد هذا النموذج. يبلغ عمر النصف للقصدير-100 -أثقل نواة سحر مزدوج، بـ 50 بروتونًا و50 نيوترونًا - 1.2 ثانية فقط، في حين لم يُصنّع عنصر الأونبيهكسيوم، وهو العنصر السحري التالي بعد الرصاص. لذلك يبقى السؤال مطروحًا ومفاده: هل ستكون هذه الزيادة في الاستقرار السحري كافيةً للسماح للعلماء بإضافة صف ثامن إلى الجدول الدوري؟
المصادر:
الكاتب
محمد الشرقاوي
