علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لفهم فيزياء الجسيمات
في عالم فيزياء الجسيمات، يسعى العلماء لكشف أسرار الكون. للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي دور متزايد الأهمية في تعميق الفهم لأساسيات مكونات المادة. من الركائز الأساسية في هذا المجال ما يُعرف بدوال توزيع البارتونات، وهي نماذج رياضية معقدة، ضرورية للتنبؤ بنتائج تجارب علم فيزياء الطاقة العالية التي تختبر النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات.
دوال توزيع البارتونات نماذج رياضية تساعد العلماء على فهم البنية الداخلية للبروتونات، وهي الجسيمات الموجودة في نواة الذرة، المكونة بدورها من جسيمات أصغر تُعرف بالكواركات والغلونات، ويُطلق عليها معًا اسم البارتونات. تحدد دوال التوزيع كيفية توزيع تلك البارتونات داخل البروتون، أي إنها تقدم خريطة لاحتمالية وجود هذه الجسيمات ومقدار الزخم الذي تحمله.
يمكّن ذلك العلماء من توقع نتائج تجارب علم فيزياء الطاقة العالية، مثل تلك التي تُجرى في مصادم الهادرونات الكبير، حيث تتصادم البروتونات لاكتشاف القوى والجسيمات الأساسية.
لكن تصميم هذه النماذج صعب للغاية بسبب تعقيدها وقلة البيانات التجريبية المتاحة، ما يبرز دور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، إذ يقدمان طرقًا جديدة لتحليل البيانات المعقدة التي تُجمع من منشآت تسريع التصادمات.
في مختبر أرجون التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، يقود علماء الفيزياء النظرية تيم هوبز وبراندون كريستين جهودًا رائدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مواجهة تحديات تصميم دوال التوزيع، بهدف تحسين دقتها وسهولة تفسير نتائج نماذج التعلم الآلي المستخدمة، هذا يعني أن العلماء يمكنهم بسهولة أكبر تحديد الأنماط والعلاقات ضمن هذه النماذج، ما يؤدي إلى استخلاص نتائج موثوقة.
«تتعامل فيزياء الجسيمات مع الجسيمات الأولية أو الأساسية، ينصب التركيز الحالي على البحث عن ثغرات في النموذج القياسي الذي اكتمل في سبعينيات القرن الماضي، الذي -رغم قوته- نعلم أنه غير مكتمل، بفضل إشارات من علم الكونيات، مثل المادة المظلمة».
يُعد تفكيك شفرات دوال توزيع البارتونات الجسر بين النظرية والبيانات. في دراسة حديثة نُشرت في مجلة فيزيكال ريفيو، قدّم هوبز وكريستين إطار عمل جديد يستخدم نماذج «المرمز-المفكك»، وهي نوع من الشبكات العصبية التي تبسط البيانات المعقدة إلى شكل أكثر قابلية للمعالجة، ثم تُعيد بناء البيانات الأصلية من هذا الشكل المبسط.
إن إعادة بناء دوال توزيع البارتونات هو شئ حاسم، لأنها تمكن العلماء من توقع سلوك الجسيمات في تجارب فيزياء الطاقة العالية، وتُلتقط الخصائص الرئيسية لهذه الدوال بواسطة لحظات ميلين، وهي تعبيرات رياضية تلخص توزيع هذه الجسيمات.
«يستخدم النموذج الذكاء الاصطناعي المولد لملء الفجوات وإعادة إنشاء الحالات الأولية». المقصود هنا المتغيرات الأولية أو التجهيزات المؤدية لها التي يجب ضبطها بدقة لتوصيف توزيع الكواركات والغلونات داخل البروتونات.
«درسنا كيفية استخراج دوال التوزيع من لحظات ميلين واستكشاف جميع الحلول الممكنة المختلفة».
يُحسّن هذا النهج دقة التنبؤات في علم فيزياء الجسيمات إذ يضمن توافق النماذج المعاد بناؤها مع البيانات الحقيقية، ما يجعل نماذج دوال التوزيع أدق، لا سيما في حسابات الشبكات الحاسوبية، وهي تقنية تتعمق في تعقيدات علم الكروموديناميكا الكمية، النظرية التي تصف القوة القوية التي تربط الكواركات والغلونات.
بدمج بيانات لحظات ميلين، يوفر إطار تفكيك شفرة نموذج بارتنين القياسي طريقة جديدة لدمج معلومات الشبكة في دراسات دوال التوزيع، معززًا الصلة بين النماذج النظرية والنتائج التجريبية.
في دراسة أخرى، كشف هوبز وكريستين عن إطار عمل آخر يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير، وهي أساليب مصممة لجعل طريقة اتخاذ قرارات نماذج الذكاء الاصطناعي أوضح.
يعتمد الإطار على نوع من الشبكات العصبية التي تستخدم ما يُعرف بالاختصارات لتحسين كفاءة التدريب، ما يسمح للشبكة بتجاوز بعض الطبقات، ومن ثم تسهل تدريب الشبكات العميقة دون فقدان المعلومات المهمة.
يُصنف هذا الإطار دوال التوزيع وفقًا للافتراضات النظرية المتضمنة وراءها، فهو لا يحدد فقط النموذج النظري الأنسب لمجموعة معينة من دوال التوزيع، بل يوضح أيضًا كيفية تأثير افتراضات معينة في سلوك هذه الدوال. وهذا يوفر رؤى قيّمة حول العوامل التي توجه قرارات الذكاء الاصطناعي، ما يساعد الباحثين على فهم تأثير المتغيرات النظرية المختلفة.
بتبني الأساليب المطورة في الأصل للتعرف على الصور، أنشأ الباحثون أداة فعالة وقوية لتحليل النماذج النظرية المعقدة في فيزياء الجسيمات.
«أعدنا توظيف أدوات من رؤية الحاسوب، وهذا يساعدنا على فهم كيفية تغيّر خصائص دوال التوزيع مع تغيّر الافتراضات النظرية المختلفة».
يمثل هذان الإطاران معًا تقدمًا كبيرًا في تطبيق الذكاء الاصطناعي في نظرية الجسيمات.
المصادر:
الكاتب
أحمد صبري عبد الحكيم
