يزيد الكافيين من تعقيد الدماغ في أثناء النوم ويوجهه للوصول إلى حالة حساسة وحرجة. أظهرت دراسة جديدة أن تناول جرعة معتدلة من الكافئين قد تبدل نشاط الدماغ في أثناء النوم، إذ تزيد من تعقيداته وتدفع أنظمته العصبية للارتقاء إلى حالة معالجة عالية الكفاءة، خاصة لدى الشباب في أثناء النوم العميق.
يؤدي استهلاك الكافئين إلى تقليل الترابط الزمني بعيد المدى، ويسبب أيضًا زيادة تعقيد الدماغ، خاصة في أثناء مرحلة النوم عديمة الحركات العينية السريعة.
قيمت دراسة حديثة نشرت في مجلة (كميونيكيشن بيولوجي) تقارير تخطيط كهربية الدماغ (EEG) لفهم تأثيرات الكافيين في الدماغ، لاسيما في أثناء النوم.
علاقة الكافيين بصحة الدماغ وأساس حدوث النوم
قد يبدي الكافيين تأثيرًا مزعجًا في جودة النوم عن طريق زيادة زمن الدخول في النوم وتقليل كفاءته. والعكس بالعكس، فقد أظهرت الأبحاث أيضًا أن للكافيين خصائص حماية عصبية، خاصة ضد مرض باركنسون. لذلك، فإن تأثير الكافيين في الصحة معقد للغاية.
ونظرًا للاستهلاك الواسع للمنتجات التي تحتوي على الكافيين، فمن الضروري فهم تأثيراته الدماغية في أثناء النوم عبر مختلف الفئات العمرية.
يُؤخر الكافئين بداية مرحلة نوم حركة العين السريعة ويجعل جودة الاستيقاظ أسوأ. يؤدي نقص النوم إلى ضعف الوظائف الدماغية المرتبطة بالنوم ويسبب مشكلات صحية أخرى مثل زيادة الوزن ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية إضافةً إلى الاكتئاب.
ومع التقدم المشجع في الأبحاث، فإن المعرفة الحالية حول الآليات التي يُغير بها الكافئين من ديناميات الدماغ في أثناء النوم ما تزال في مراحلها الأولى.
هناك تأثيرات مباشرة عبر إشارات الأدينوزين، إضافةً إلى مجموعة من التأثيرات الثانوية في أنظمة الناقلات العصبية الأخرى، وتفاعلات معقدة تؤدي إلى تنوع آثار الكافيين في وظيفة الدماغ وتركيبة النوم. إضافةً إلى أن هذه التفاعلات قد تؤثر في التوازن ما بين الاستثارة العصبية وتثبيطها، التي تؤدي دورًا رئيسيًا في آلية معالجة الدماغ للمعلومات في مراحل النوم المختلفة.
حول الدراسة:
أجرت الدراسة تقييمًا مفصلًا لتأثيرات الكافيين في الإشارات الكهربائية للدماغ في أثناء النوم، وركزت خصوصًا على مدى تعقيد الدماغ و حدّه الحرج.
فُصلت المكونات الدورية وغير الدورية في طيف EEG لتحسين نتائج الدراسات الحالية حول التحليل الطيفي للطاقة.
أظهرت دراسة سابقة أن الكافيين يزيد من أنتروبي الدماغ في أثناء اليقظة، لكنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت هذه التأثيرات تمتد أيضًا إلى إشارات EEG في أثناء النوم. قيّمت الدراسة أيضًا ما إذا كانت التغيرات الناتجة عن الكافئين في نوم الموجة البطيئة (SWS) وزيادة مراحل النوم أخف، فعلى سبيل المثال، تؤدي N1 وN2 إلى زيادة التعقيد في EEG في مرحلة نوم حركة العين غير السريعة.
أشار الباحثون إلى أن بعض الزيادات الملحوظة في تعقيد الدماغ قد تكون جزئيًا نتيجة تحويل الكافيين نسبة مراحل نوم حركة العين غير السريعة لتصبح أخف، ما يزيد من صعوبة فصل التأثير المباشر في ديناميات الدماغ عن تأثيراته غير المباشرة عن طريق التغييرات في تركيب النوم.
ستكشف الدراسة أيضًا كيف يؤثر العمر على نحو متفاوت في تأثيرات الكافيين في الدماغ، إذ يقل معدل مستقبلات الأدينوزين مع التقدم بالعمر، ما يقلل الوقت المستغرق في النوم العميق.
جُمعت بيانات تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG) في أثناء النوم من 40 مشاركًا صحيًا تحت ظروف تناول الكافيين (200 ملغ)، والدواء الوهمي في أثناء ليلتين غير متتابعتين. واستُخلصت مقاييس الانتروبي، وقياسات التعقيد، والكثافة الطيفية للطاقة (PSD) من بيانات الـ EEG.
استُخدمت أيضًا المعرفة الآلية (ML) والإحصاءات الاستنتاجية على نحو منفصل لتحليل نوم حركة العين غير السريعة ونوم حركة العين السريعة.
نتائج الدراسة:
فيما يتعلق بالتغيرات الناتجة عن الكافيين في تذبذبات تخطيط كهربية الدماغ، لوحظت انخفاضات ذات دلالة إحصائية في الطاقة في نطاقات التواتر ألفا، وثيتا، ودلتا في أثناء نوم حركة العين غير السريعة. بالنسبة لنطاقي دلتا وثيتا، شمل ذلك القنوات الجدارية والمركزية. لوحظت زيادة واسعة أيضًا في طاقة بيتا عبر القنوات الجدارية والجبهية التي قد تُعزى إلى ارتفاع مستويات حمض غاما أمينوبيوتيريك GABA، بينما انخفضت طاقة ثيتا في القنوات القذالية والجدارية والصدغية في أثناء نوم حركة العين السريعة.
حصل الباحثون على أدق ارتباط بين النوم المتعلق بالكافيين والدواء الوهمي بواسطة جهاز تخطيط الدماغ (EEG)، وذلك باستخدام خاصية إنتروبي العينة الطيفية على أنها ميزة في أثناء نوم حركة العين غير السريعة. يشير الاتفاق العام بين نتائج ML على فترة زمنية واحدة ونتائج الأفراد إلى حساسية الخصائص المختارة لتأثير الكافيين وصحة النتائج.
حقق مصنف الحرج العشوائي (RF)، المدرَّب على جميع الميزات المستخرجة، دقة تصنيف أعلى بشكل ملحوظ في أثناء نوم حركة العين غير السريعة مقارنةً بنوم حركة العين السريعة. وقدمت أيضًا مقاييس التعقيد والأهمية المرتبطة بالحساسية أداءً أفضل بكثير من الميزات الطيفية في تصنيف عينات الكافيين والدواء الوهمي في أثناء مرحلة نوم حركة العين غيرالسريعة. إن توزيع الميزات المصنفة حسب الأهمية في أثناء نوم حركة العين السريعة ظهرت أكثر تنوعًا وأقل تنظيمًا.
أثر الكافئين في المكون اللادوري من الطيف:
عُزي التغير في سلوك التدرج لطيف EEG إلى تعديل التشابه الذاتي لـ EEG، الذي قد يكون مرتبطًا بالتبدل في الحدية العصبية. تشير الفروقات الملحوظة بين القوة الطيفية المصححة وغير المصححة إلى أن المكون اللادوري للطيف قد يكون سمة محتملة للـ EEG تتغير بتأثير الكافيين. تؤكد الدراسة أن تصحيح المكون اللادوري يكشف عن تأثيرات الكافئين في النشاط الدماغي الإيقاعي التي قد تُفقد بدون ذلك، ما يبرز أهمية فصل هذه المكونات في تحليل الـ EEG.
أظهرت جميع مقاييس تعقيد الـ EEG زيادة ثابتة تحت تأثير الكافئين. وأظهر كل من أُس التدرج لتحليل التموجات (DFA) وميل النشاط اللادوري انخفاضًا ثابتًا، ما يشير إلى الانتقال نحو الحالة الحرجة.
مع أن التغيرات التي أحدثها الكافيين في إشارات الدماغ كانت واسعة وبارزة في أثناء نوم حركة العين غير السريعة، فقد لوحظ تأثير أضعف اقتصر على المناطق القذالية في أثناء نوم حركة العين السريعة.
أثرَ الكافئين كثيرًا في أثناء نوم حركة العين غير السريعة في عدة ميزات لـ EEG لدى البالغين الشباب (20-27 سنة) والمتوسطين في العمر (41-58 سنة).
كانت التأثيرات أكثر وضوحًا لدى الفئة العمرية الأصغر سنًا. ومع ذلك، كانت التغيرات الناتجة عن الكافئين في نوم حركة العين السريعة مهمة فقط لدى الفئة العمرية الأصغر سنًا، وتأثرت ميزات محددة مثل أنتروبيا العينات (SampEn)، وأنتروبيا الطيفية (SpecEn)، وتعقيد ليمبل-زيف (LZc)، وأس التدرج لتحليل التقلبات DFA.
لم تُظهر الدراسة فروقات عمرية كبيرة في تأثير الكافيين في أثناء نوم حركة العين غير السريعة، لكن لوحظت فروقات واضحة مرتبطة بالعمر في أثناء نوم حركة العين السريعة. ما يشير إلى أن التغيرات المرتبطة بالعمر في كثافة مستقبل الأدينوزين قد تقلل من تأثير الكافيين في نوم حركة العين السريعة لدى البالغين في منتصف العمر.
ناقش المؤلفون أيضًا أن التحول الملحوظ في أنماط نشاط الدماغ يعكس حركة نحو نظام حدّي و حافة الفوضى، إذ يُظن أن الدماغ يكون أكثر حساسية وتكيفًا وكفاءة في معالجة المعلومات.
الاستنتاجات
أظهرت هذه الدراسة أن تناول الكافئين أدى إلى زيادة ملحوظة في تعقيد (EEG)، خاصة في أثناء نوم حركة العين غير السريعة. يؤثر الكافيين أيضًا في الدماغ تأثيرًا يسمح له بمعالجة المعلومات بكفاءة أكبر.
مقارنةً بالفئة العمرية المتوسطة، أظهر البالغون الأصغر سنًا استجابة أكبر على نحو ملحوظ لزيادة أنتروبيا الدماغ عند تناول الكافيين في أثناء نوم حركة العين السريعة.
كانت التأثيرات أكثر انتشارًا في مرحلة نوم حركة العين غير السريعة مقارنة بمرحلة نوم حركة العين السريعة. ومع ذلك، يحذر المؤلفون من أن هذه النتائج تستند إلى دراسات على بالغين أصحاء، وقد تختلف تأثيرات الكافيين في الأفراد الذين يعانون اضطرابات في النوم أو حالات عصبية تنكسية. وأيضًا يجب تفسير النتائج ضمن سياق التغيرات المباشرة وغير المباشرة في بنية النوم.
اقرأ أيضًا:
ماذا تقول أحدث الدراسات عن الكافيين؟ هل هو مفيد أم سيء للصحة؟
ماذا يحدث عند التوقف عن استهلاك الكافيين؟
ترجمة: رغد شاهين
تدقيق: نور حمود
مراجعة: باسل حميدي