إذا كانت الذرات في معظمها فراغًا.. فلماذا لا يمكننا المرور عبر الجدران؟

25 أكتوبر 2025
14 مشاهدة
0 اعجاب

إذا كانت الذرات في معظمها فراغًا.. فلماذا لا يمكننا المرور عبر الجدران؟


إذا كان معظم حجم الذرة فراغًا، فكيف تبدو بعض المواد صلبة؟ يفسر مبدآن فيزيائيان ذلك.


نرى في بعض الأفلام أبطالًا يخترقون الجدران كما لو كانوا أشباحًا، مثل شخصية فيچن من سلسلة أفلام أفنچرز أو هاري بوتر عند دخوله للرصيف 9¾. يبدو الأمر في تلك الأفلام غاية البساطة. لكن في الواقع، أي محاولة لتجربة ذلك ستنتهي غالبًا بكدمة في أنفك والكثير من علامات الاستفهام.


لماذا لا نستطيع المرور عبر الجدران فعليًا؟ فاللبنات الأساسية للمادة هي الذرات، والذرات يتكون معظم حجمها من فراغ. وفي مركز الذرة توجد النواة، وهي صغيرة للغاية، أصغر مئة ألف مرة من حجم الذرة ككل، وتدور الالكترونات حولها بمسافة بعيدة عنها نسبيًا. ومع ذلك، نشعر بأن الأجسام من حولنا صلبة ومتماسكة، كيف؟


السر يكمن في مبدئين أساسيين في الفيزياء يجعلان من المرور عبر المواد الصلبة مستحيلًا: تنافر الشحنات الساكنة، ومبدأ استبعاد باولي.


وفقًا لنموذج الفيزياء الكلاسيكية، تتكون الذرة من نواة تضم البروتونات والنيوترونات، وتتحرك حولها الإلكترونات. يؤدي التجاذب بين الشحنة الموجبة للبروتونات والسالبة للإلكترونات إلى بقاء الذرة متماسكة.


لكن في ميكانيكا الكم، لا يتحرك الإلكترون في مدار دائري منتظم، بل يُشكّل ما يُعرف بسحابة الاحتمالية: منطقة ضبابية تُعبّر عن الأماكن التي يُحتمل أن يوجد فيها الإلكترون. قال رحيم هشماني طالب الدكتوراه في الفيزياء بجامعة ويسكونسن-ماديسون: «هذه السحابة ليست شيئًا يتحرك بذاته. بل هي توزيع يوضح المواضع الأكثر احتمالًا لوجود الإلكترون».


تجعل هذه السحابة من الطبقة الخارجية للذرة غشاءً سالب الشحنة. «إذا حاولت المرور عبر جدار، فإن ذرات جسمي ستواجه ذرات الجدار، وستتنافر معًا بسبب شحناتها المتشابهة».


هذا ما يُعرف بالتنافر الكهرومغناطيسي، وهو شبيه بما يحدث عندما تحاول تقريب القطبين المتماثلين لمغناطيس، إذ يتنافر كل منهما مع الآخر. فعند محاولة المرور عبر جدار، تتفاعل إلكترونات ذرات الجسم مع إلكترونات ذرات الجدار من خلال المجالات الكهرومغناطيسية، هذه القوى هي التي تمنع الذرات من التداخل معًا، وهي السبب وراء كون المواد الصلبة تظل متماسكة وتبدو صلبة.


لكن ماذا لو دُفعت الذرات لتتقارب أكثر من اللازم؟


هنا يأتي دور مبدأ استبعاد باولي. الذي ينص على أن بعض الجسيمات، وتُعرف بالفرميونات، لا يمكنها أن تتشارك الحالة الطاقية نفسها أو أن توجد في المكان الفيزيائي نفسه في الوقت نفسه. تعد الإلكترونات من الفرميونات، ولهذا يمكن استخدام المصطلحين بالتبادل في هذا السياق.


«عندما تبدأ سُحب الإلكترونات بالاقتراب من بعضها، قد تتداخل، أي أن قد يحاولا إلكترونين شَغْل الحيّز الفيزيائي نفسه. لكن وفقًا لمبدأ استبعاد باولي، فإن هذا غير مسموح».


كِلا المبدأين –مبدأ استبعاد باولي والتنافر الكهرومغناطيسي– يمنعان الذرات من شَغْل الحيز الفيزيائي نفسه. ودونهما، لم تكن المواد الصلبة لتحافظ على شكلها كما نعرفها. أما في الحالة الغازية والسائلة للمادة، فللذرات حرية حركة أكبر بسبب المساحة الأكبر بين الذرات، لكن القوانين نفسها تظل قائمة: فهي تمنع الذرات من التداخل معًا، وليس من الحركة.


مع ذلك، حتى وإن بدا مرور جسم عبر آخر أمرًا مستحيلًا، فإن ميكانيكا الكم تطرح دائمًا احتمالًا مثيرًا: فمن الناحية التقنية، توجد فرصة ضئيلة جدًا لحدوث ذلك.


فالجسيمات مثل الإلكترونات لا تسلك سلوك مشابه للكرات الصلبة الصغيرة، بل تُظهر أيضًا سلوكًا موجيًا، ويمكن لهذه الموجات أحيانًا أن تتمدد لتمر عبر الحواجز الفيزيائية.


لنفترض أن موجة تمثل جسيمًا اصطدمت بجدار، أي حاجز لا يمتلك الجسيم طاقة كافية لعبوره. في حالة الميكانيكا الكلاسيكية، سيرتد الجسم ببساطة. أما في حالة ميكانيكا الكم فالأمر مختلف، فالموجة لا تتوقف فجأة، بل تبدأ التناقص أُسّيًا عند الاصطدام بالحاجز. ولو كان الجدار رفيعًا بما فيه الكفاية، قد توجد فرصة ضئيلة للموجة أن تعبر إلى الناحية الأخرى. ولما كانت الموجة تُعبّر عن احتمالية وجود الجسيم في مكان ما، فهذا يعني احتمالًا ضئيلًا جدًا أن يظهر الجسيم في الناحية الأخرى من الجدار. تُعرف هذه الظاهرة باسم النفق الكمومي.


مع ذلك، فإن احتمال مرور شخص كامل عبر جدار يساوي تقريبًا واحدًا مقسومًا على عشرة مرفوعة للقوة عشرة، مرفوعة بدورها للقوة ثلاثين. وإذا أدخلت هذا الرقم في آلة حاسبة، ستقرب تلقائيًا الرقم إلى صفر. إذ لا توجد آلة على الكوكب قادرة على إظهار نتيجة مختلفة عن الصفر. لتدرك بذلك مدى ضآلة هذه الاحتمالية.


«هذا هو أقرب ما يمكن أن يكون للصفر، لكنه ليس صفرًا مطلقًا. الاحتمال ضئيل إلى حد لا يمكن تصوره، لدرجة أنني واثق تمامًا من أنه لن يحدث حتى على مدى عمر الكون».

 



المصادر:


الكاتب

محمد اسماعيل

محمد اسماعيل
ترجمة

محمد اسماعيل

محمد اسماعيل
تدقيق

أكرم محي الدين

أكرم محي الدين



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة