طفل الفضاء الأول: مخاطر الحمل والولادة خارج الأرض
تتزايد التساؤلات حول قدرة الجسم البشري على التكيف في الفضاء مع تزايد خطط إرسال بعثات إلى المريخ. ولأن افتراض وجود نساء ضمن طاقم البعثات إلى المريخ منطقي، يأتي السؤال حول إمكانية حدوث الإخصاب والحمل بأمان في الفضاء، وماذا سيحدث لطفل الفضاء المولود بعيدًا عن الأرض؟
مبدأيًا تكفي رحلة الذهاب والإياب إلى المريخ للحمل والولادة، ناهيك بالبعثات المأهولة المحتملة، والتفكير بهذه الأمور بتلك الظروف مهم لأننا عادةً لا نستوعب المخاطر التي تواجهها ولادة طفل في هذا العالم أساسًا. فمثلًا، نسبة الأجنة التي تعيش مدة كافية لاستمرار الحمل والولادة لا تتعدى 66%، إذ تحدث معظم الخسائر في الأسابيع القليلة الأولى بعد الإخصاب، وغالبًا قبل أن تدرك المرأة أنها حامل، وذلك إما بسبب فشل النمو الصحيح للجنين أو عدم انغراسه بنجاح في جدار الرحم.
يُعد الحمل سلسلة من المراحل البيولوجية الهامة التي يجب أن تحدث بالترتيب الصحيح، ولكل منها فرصة نجاح محددة. وبوسعنا تقدير هذه الاحتمالات على الأرض باستخدام الأبحاث السريرية والنماذج البيولوجية، لكن البحث الأخير يدرس كيفية تأثر هذه المراحل نفسها بالظروف القاسية للفضاء وبين الكواكب.
الجاذبية الصغرى
تُعد الجاذبية جزءًا بسيطًا من الصورة، ويُقصد هنا حالة انعدام الوزن شبه التام خلال رحلات الفضاء، وقد تؤثر فيزيائيًا بإمكانية الإخصاب في الفضاء، لكنها على الأرجح لن تؤثر كثيرًا في استمرار الحمل بعد انغراس الجنين.
أما فيما يخص نمو الجنين، فهو ينمو أساسًا في ظروف تشبه الجاذبية الصغرى، لأنه يطفو في السائل الأمنيوسي المحايد للطفو داخل الرحم، ومعلقًا ومحميًا. وفي الواقع، يُعد السائل الأمنيوسي المحايد وسيلة يتدرب من خلالها رواد الفضاء على السير في الفضاء ضمن خزانات مياه مصممة لمحاكاة انعدام الوزن. بهذا المعنى، يُعد الرحم محاكيًا طبيعيًا للجاذبية الصغرى.
لكن في المقابل، ستكون الولادة ورعاية المولود الجديد أصعب وأعقد بكثير مع انعدام الجاذبية. ففي الفضاء، لا شيء يبقى ثابتًا وكل شيء يطفو حتى السوائل والبشر. إذ تساعد الجاذبية في الأرض في كل شيء، من تثبيت حركة الرضيع إلى رضاعته.
الإشعاع
خارج طبقات الأرض الواقية، يظهر تهديد أخطر وهو الأشعة الكونية، وهي جسيمات عالية الطاقة (نوى ذرية مجردة) تتحرك في الفضاء بسرعة تقارب سرعة الضوء. إنها ذرات فقدت جميع إلكتروناتها، ولم يتبقَّ منها سوى النواة الكثيفة من البروتونات والنيوترونات. عندما تصطدم هذه النوى العارية بجسم الإنسان، قد تُسبب تلفًا خلويًا خطيرًا.
نحظى بحماية من معظم الإشعاعات الكونية على الأرض بفضل الغلاف الجوي السميك للكوكب، وتغطية من المجال المغناطيسي للأرض تمتد من عشرات الآلاف إلى ملايين الكيلومترات (بحسب الوقت من اليوم)، أما في الفضاء، فيختفي هذا الدرع.
عندما يمر شعاع كوني عبر جسم الإنسان، فقد يصطدم بذرة، ويجردها من إلكتروناتها، ثم يصطدم بنواتها، ما يؤدي إلى تحلل البروتونات والنيوترونات، تاركًا وراءه عنصرًا أو نظيرًا مختلفًا.
قد يُسبب هذا ضررًا موضعيًا شديدًا، أي تدمير الخلايا الفردية أو أجزاء منها، بينما قد يبقى باقي الجسم سليمًا. أحيانًا يمر الشعاع دون أن يصطدم بأي شيء، ولكن إذا أصاب الحمض النووي، فقد يُسبب طفرات تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
حتى عندما تنجو الخلايا من الإشعاع، ما زال تحفيزه لاستجابات التهابية ممكنًا، ما يعني أن الجهاز المناعي يُبالغ في ردة فعله، مُطلقًا مواد كيميائية قد تُلحق الضرر بالأنسجة السليمة وتُعطل وظائف الأعضاء.
مخاطر الحمل
في الأسابيع القليلة الأولى من الحمل، تنقسم الخلايا الجنينية بسرعة، وتتحرك، وتُشكل أنسجةً وهياكلَ مبكرة. يجب أن يبقى الجنين حيًا طوال هذه العملية الدقيقة لكي يستمر نموه، ويُعد الشهر الأول بعد الإخصاب الفترة الأكثر عرضة للخطر.
قد تكون ضربة واحدة من شعاع كوني عالي الطاقة في هذه المرحلة قاتلة للجنين. لكن الجنين صغير جدًا، والأشعة الكونية نادرة نسبيًا مع إنها خطيرة. لذا فإن الإصابة المباشرة غير مرجحة، وإذا حدثت فمن المحتمل أن تؤدي إلى إجهاض غير ملحوظ.
ومع تقدم الحمل، تتغير المخاطر. وفور اكتمال الدورة الدموية المشيمية (نظام تدفق الدم الذي يربط الأم والجنين) بحلول نهاية الثلث الأول من الحمل، ينمو الجنين والرحم بسرعة.
من المرجح الآن أن يصيب الشعاع الكوني عضلة الرحم بسبب النمو الذي جعلها أكبر، ما قد يؤدي إلى انقباضات وربما ولادة مبكرة. ومع إن الرعاية المركزة لحديثي الولادة تحسنت كثيرًا، فإن ولادة الطفل مبكرًا ما زالت تزيد خطر حدوث مضاعفات، سيما في الفضاء.
لن يتوقف نمو الرضيع عند الولادة، فالطفل المولود في الفضاء سيستمر في النمو في ظل انعدام الجاذبية، ما قد يؤثر في ردود الفعل الوضعية وتنسيق الجسم، وهي الغرائز التي تساعد الطفل على تعلم رفع رأسه، والجلوس، والزحف، والمشي في النهاية، تعتمد كل هذه الحركات على الجاذبية. وبدون الإحساس بالاتجاه (اعلى وأسفل)، قد تتطور هذه القدرات بطرق مختلفة تمامًا.
ولأن دماغ طفل الفضاء يستمر في النمو بعد الولادة، فلا يزول خطر الإشعاع وقد يُسبب التعرض المطول للأشعة الكونية ضررًا دائمًا، ما قد يؤثر في الإدراك والذاكرة والسلوك والصحة على المدى الطويل.
إذن، هل يمكن ولادة طفل في الفضاء؟
نظريًا، نعم، فمهما كانت مخاطر الحمل والولادة على الأرض، ستتضاعف في الفضاء، لكنها ليست بالضرورة مُعيقة. ولكن إلى أن نتمكن من حماية الأجنة من الإشعاع، ومنع الولادة المبكرة، وضمان نمو الأطفال بأمان في ظل انعدام الجاذبية، يبقى الحمل في الفضاء تجربة عالية المخاطر لسنا مستعدين لخوضها بعد.
المصادر:
الكاتب
رؤى بستون

مراجعة
محمد حسان عجك

ترجمة
رؤى بستون
