أخناتون هو الفرعون والمصلح الديني الذي حكم مصر مدة سبعة عشر عامًا (1353-1335 ق.م)، وتمثل إصلاحه الديني بجعل قرص الشمس «آتون» مركز الحياة الدينية المصرية، ومحو اسم إله مصر الرئيسي «آمون» وزوجته «موت» من النصب والوثائق عبر الإمبراطورية المصرية.

كان اسم أخناتون عند تتويجه أمنحتب الرابع قبل أن يغيره في سنة حكمه السادسة إلى أخناتون الذي يحمل معنى قريبًا من «المُحسِن باسم آتون»، وبنى تكريمًا لإلهه الجديد عاصمةً جديدةً في أرض بكر وسط الصحراء تُسمى الآن «العمارنة»، اختار موقعها بحيث يحمل شروق الشمس فيها معنى رمزيًا «إذ تتكسر أشعة الشمس عند شروقها على المنحدرات المحيطة بالمدينة لترسم علامات هيروغليفية، إذا قرأناها وجدناها أخيتاتون وتعني أفق آتون، وهو اسم المدينة الجديدة».

سرعان ما كبرت مساحة أخيتاتون لتصبح نحو 12 كم2 ثم لم تلبث أن انهارت بعد وفاة أخناتون مباشرةً، إذ هُجِرت عاصمته مثلما أدانه خلفاؤه.

جدير بالذكر أن أخناتون تزوج نفرتيتي قبل تتويجه فرعونًا أو بعد ذلك بقليل، وكانت مكانتها عنده عظيمةً، حتى إنها صُوّرت في بعض المنحوتات بصورة مساوية لزوجها، ويظن البعض إنها كانت شريكته الفعلية في الحكم، إن لم تكن -في فترة ما- حاكمة مصر الوحيدة.

ولي عهد الإمبراطورية

حكم أبوا أخناتون؛ أمنحتب الثالث والملكة تي إمبراطوريةً امتدت من سوريا حتى الشلال الرابع على نهر النيل في السودان. وقد عُثِر سنة 1887 م في عاصمة أخناتون الجديدة على 350 لوحًا طينيًا مدونًا بالمسمارية الأكادية؛ لغة الدبلوماسية في ذلك العصر، وعُرفت تلك الألواح باسم رسائل تل العمارنة. تُظهر هذه الرسائل المراسلات الدبلوماسية التي تبادلها أخناتون مع أقرانه الملوك في غرب آسيا ومع الملوك التابعين الذين كانوا يوالون ملك مصر.

تشير الرسائل إلى تزايد نفوذ الإمبراطورية الحيثية -في تركيا الحالية- في عهد أخناتون، ومهاجمتهم للميتانيين الذين كانوا حلفاء لمصر، إضافةً إلى تعكيرهم صفو استقرار ممالك سوريا التابعة لمصر، إلى جانب شعوب العابيرو البدوية الذين أقلقوا ممالك فلسطين السورية.

أخناتون: معلومات وحقائق - الفرعون والمصلح الديني الذي حكم مصر مدة سبعة عشر عامًا - أمنحتب الرابع - رسائل تل العمارنة - الآلهة القديمة

يبدو أن أخناتون لم يقم بأي رد فعل على هذه التحركات، بينما لو كانت حدثت في عهد أحد أسلافه لأطلق حملةً عسكريةً -على الأرجح- ليعيد نفوذ مصر إلى ممالك غرب آسيا، ولهذا ينتقد بعض الباحثين المعاصرين أخناتون لتركيزه كل جهوده على أفكاره الدينية، مهملًا سمعة مصر الدولية التي بدأت بالتدهور.

التوجه نحو آتون

لم يكن قرص الشمس آتون وافدًا جديدًا على الديانة المصرية، لكن قرار أخناتون بجعله محورًا لها كان جديدًا. وقد قطع في إصلاحه الديني شوطًا كبيرًا إلى درجة تدنيسه لاسمي آمون وموت.

يُلاحظ أحد علماء المصريات أن أخناتون -منذ سنته الأولى في الحكم- أقام لآتون سلسلةً من المعابد في مجمع معابد الكرنك -قرب الأقصر- الذي كان قد خُصص لعبادة الإله آمون-رع، فيبدو أن أخناتون -حتى في تلك الفترة المبكرة من حكمه- كان لا يحبذ عبادة آمون.

كان اتجاه مجموعة معابد آتون نحو الشرق بينما واجه مجمع معابد الكرنك الغرب، حيث آمن المصريون القدماء بوجود العالم الأسفل، وهكذا أعطى أول مشروع إنشائي أقامه أخناتون ظهره لمعبد آمون، وربما يكون هذا دليلًا مبكرًا على سياسة أخناتون التي سيتبعها في باقي سنوات حكمه.

خطا أخناتون خطوةً أخرى بعد أن تولى الحكم بتسع إلى إحدى عشرة سنة، إذ غير صيغة لقب آتون الطويلة لتعني أنه الإله الأوحد، وليس الأعلى فقط.

وترافق ذلك مع بدء حملة لتدنيس اسمي آمون وموت إضافةً إلى آلهة أخرى، فراح أتباع أخناتون يُزيلون اسمي آمون وموت ويغيرون صيغ الجمع إلى المفرد عند الحديث عن الآلهة، ويبدو أن معابد الآلهة القديمة قد أغلقت -كما تخبرنا نقوش لاحقة- وسُرِّح كهنتها.

شملت هذه الحملة كامل الإمبراطورية المصرية فمُحي اسم آمون من الأرشيف الدبلوماسي وما يحتويه من رسائل ومن الجعلان التذكارية ومن رؤوس المسلات والأهرامات، وتوغلت الحملة بعيدًا في أرض النوبة حتى جبل البركل عند الشلال الرابع على مجرى النيل. ولم يكتف أخناتون بذلك بل أمر بتشويه اسمه القديم «أمنحتب» الذي كان يحمله حين تولى الحكم، بغضًا في آمون الذي يشكل المقطع الأول من ذلك الاسم.

لكن لم يستطع أخناتون حمل جميع المصريين على الاقتناع بنبذ آلهتهم القديمة والتمسك بآتون، إذ عثر علماء الآثار على رموز تلك الآلهة مثل بيس وتحوت حتى في موقع العاصمة الدينية الجديدة العمارنة، إضافةً إلى ذلك لوحظ أن قليلًا من المصريين فقط أضافوا اسم آتون إلى اسمائهم، بل أن النحات الملكي الذي نحت تمثال نفرتيتي الشهير(12) لم يغير اسمه تحوتمس بل احتفظ به رغم إنه يكرم الإله تحوت.

الفن الغريب: الغروتيسكي

ثار أخناتون على التقاليد الفنية مثلما ثار على التقاليد الدينية، فقبل عهده كان الفن المصري يصور الناس عمومًا والعائلة المالكة خصوصًا، وفق هيئة رسمية جامدة، ثم أتى أخناتون فتغير ذلك. إذ أصبحت الرؤوس تُصوّر في هيئة مخروطية والأطراف طويلة هزيلة، وبدأت العائلة المالكة تُرسم في لحظات أنسها على غير العادة، حتى أن هناك رسمًا يُظهر أخناتون وزوجته نفرتيتي يركبان عربة ويتبادلان القُبل تحت أشعة آتون.

حيّر تبدل الطراز الفني علماء المصريات، واحتاروا خصوصًا بشأن طريقة تصوير أجسام الأشخاص المشوهة. فيُروى أن الألماني هينريتش شيفر علق سنة 1931 قائلًا: «يجفل كل من يطلع على بعض هذه اللوحات والتماثيل لأول مرة بسبب بشاعة شكلها؛ ففيها يبدو رأس أخناتون كأنه يطفو فوق عنق نحيفة طويلة تتصل بصدر غائر، إلا أن هناك أنوثةً في هيئته، وتحت صدره تقابلنا بطن منتفخة وأفخاذ سمينة، أما ربلتا ساقيه فنحيفتان مثل ذراعيه الطويلتين».

لا ندري لِمَ اختار أخناتون تصوير نفسه والآخرين بهذه الطريقة، وظن البعض أنه كان مصابًا بتشوه جسدي حاد جعله يغير طراز الفن المصري لكن دراسة حديثة أجريت على مومياء (رقم KV 55) وجدت في وادي الملوك، يظن البعض أنها مومياء أخناتون، لا تُظهر علامات أي تشوه جسدي مهم عاناه صاحبها.

إن لم يكن أخناتون مشوهًا حقًا فيتوجب علينا البحث عن سبب نفسي جعله يختار هذا الطراز الفني، وهكذا تُنَبّهنا هذه الصور إلى فرادة أخناتون، فهو نسيج وحده بقلقه وعدم ثباته، يريدك أن تشعر بعدم الراحة لكنه يريدك أن تحبه في نفس الوقت؛ كما تُبين النقوش التي تُظهر وضعياته المسترخية وحبه الجلي لعائلته.

الجانب المظلم من تل العمارنة

ربما رغب أخناتون في حب الناس، لكن بصرف النظر عن ذلك فإن العمال الذين بنوا عاصمته الجديدة وسط الصحراء دفعوا ثمنًا باهظًا لذلك، فقد عانى عامة الشعب نقص التغذية وكثر موت صغارهم، حتى بمقاييس ذاك العصر.

لوحظ على الصغار نقص النمو وأظهرت عظامهم المُنقّرة نقص تغذيتهم، وقد يرجع سبب ذلك إلى اقتصار غذاء العامة على الخبز والجعة (البيرة) بصورة كبيرة، ولم يسلم البالغون من المعاناة إذ وُجِد أن ثلاثة أرباعهم عانوا الداء المفصلي التنكسي بسبب طول مدة شدّهم للأحمال الثقيلة، ووُجِد لدى ثلثيهم عظم مكسور واحد على الأقل.

موت أخناتون

يلف الغموض سنوات أخناتون الأخيرة، ولاحظ المؤرخون -حتى وقت قريب- اختفاء اسم زوجته نفرتيتي في السنة الثانية عشرة من عهده تقريبًا، وهو الوقت الذي بُنيت فيه آخر نصب أخناتون المهمة، وقد خمن المؤرخون أن يكون اهتمام أخناتون بنفرتيتي قد خبا أو ربما تغير اسمها لتشارك في حكم مصر مباشرةً، لكن اكتشافًا جديدًا غير كل ذلك إذ عُثِر على كتابة ترجع إلى السنة السادسة عشرة من عهد أخناتون -أي قبل وفاته بقليل- تذكر نفرتيتي بصفتها زوجة أخناتون الرئيسية

لم يعش دين أخناتون ولا عاصمته الجديدة بعده طويلًا، فخلال سنوات قليلة بعد وفاته سنة 1335 ق.م تقريبًا تربع على العرش ملك جديد هو توت عنخ آمون، الذي يظن كثير من الباحثين أنه ابن أخناتون.

كان اسم الملك الصبي الأول هو توت عنخ آتون قبل أن يُغير مقطعه الأخير إلى آمون تكريمًا لإله مصر الرئيسي الذي حاول أبوه محو ذكره، وفي عهد توت عنخ آمون رجعت مصر لمعتقداتها الدينية القديمة وعاد آمون وموت إلى مكانهما يترأسان مجمع الآلهة المصرية.

هُجرت عاصمة أخناتون خلال عقود قليلة بعد موته، وذُمَّ الملك المارق عند ذكره، بل أُهمل ذكره في بعض قوائم الملوك المصرية، وزاد توت عنخ آمون على ذلك بأن استنكر علنًا أفعال أخناتون في مسلة وجدت في الكرنك يُذكر فيها أن «معابد ومدن الآلهة الذكور والإناث، من إلفنتين -جزيرة الفيلة- وصولًا حتى مستنقعات الدلتا، كلها أصابها البلى، وأصاب أضرحتها الخراب، فأمست تلالًا يغطيها العشب النامي… لقد تجاهلت الآلهة هذه الأرض…»

كانت الرسالة واضحة: أهمل أخناتون الآلهة بانقلابه الديني، وبذلك أهانها، أما توت عنخ آمون وخلفاؤه فإنهم سيُعيدون الأمور إلى نصابها ويصلحون ما خربه «الملك المارق».

اقرأ أيضًا:

رمسيس الثاني

أبو سمبل.. المعبد الذي تحرك

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: رزوق النجار

المصدر