الأعداد الأولية أحد أكثر المواضيع الأساسية في الفرع الرياضيّ المسمى نظرية الأعداد، وهي أعدادٌ قابلةٌ للقسمة الصحيحة على نفسها وعلى الواحد.

على سبيل المثال، الرقم سبعة هو رقمٌ أولي طالما أن هناك باقٍ لحاصل قسمته على أي رقمٍ آخر غيره أو غير الواحد.

الرقم ستة ليس أوليًا، إذ يمكن تقسيمه على نفسه وعلى الأثنين، والحصول على رقمٍ صحيحٍ وهو ثلاثة.

أحد أسباب أهمية الأعداد الأولية في نظرية الأعداد، أنها بطريقةٍ معينةٍ بمثابة أحجار الأساس للأعداد الطبيعية.

تنص النظرية الأساسية للحساب -التي يشير اسمها إلى أهميتها- إلى أنه يمكن تحليل أي رقمٍ إلى مجموعةٍ فريدةٍ من الأعداد الأولية، مثال:

12 = 2×2×3، 50= 5×5×2، 69 = 3×23.

إذن، دراسة الأعداد هو بمثابة دراسة خصائص الأعداد الأولية.

على مدى ألف عام، اكتشف علماء الرياضيات القليل فقط عن الأعداد الأولية، وواحدةٌ من أكثر براهين عالم الرياضيات اليوناني إقليدس شهرة، تُظهر أن هناك عددًا لانهائيًا من الأعداد الأولية.

الفكرة الأساسية للبرهان هي أنه إذا كان هناك عددٌ محدودٌ من الأعداد الأولية، وكانت لدينا قائمةٌ بتلك الأعداد الأولية، يمكننا إضافة واحدٍ إلى حاصل ضربهم، وبالتالي إنتاج رقمٍ جديدٍ لا يقبل القسمة على أيٍّ من الأعداد الأولية في تلك القائمة.

ذلك الرقم سيكون إما عددًا أوليًا ليس في قائمتنا، أو سيكون له قاسمٌ أوليّ ليس ضمن قائمتنا. وفي كلتا الحاليتين، يتعارض ذلك مع فكرة محدودية الأعداد الأولية، وبالتالي لابد من وجود عددٍ لا نهائيٍّ منها.

في القرن التاسع عشر، أثبت علماء الرياضيات مبرهنة الأعداد الأولية، بمعلومية بعض الأرقام الطبيعية الكبيرة، تعطي النظرية تقديرًا تقريبيًا لعدد الأرقام الأولية الأصغر من العدد المعطى، وتصبح الأعداد الأولية أكثر ندرةً بين الأعداد الكبيرة وفقًا لصيغةٍ رياضيةٍ تقريبية معينة.

على الرغم من كل الأشياء التي نعرفها عن الأعداد الأولية، فهناك الكثير من الحدسيات الخادعة البسيطة حول الأعداد الأولية التي لم تُثبت صحتها أو دحضها.

وهذا بعضٌ من تلك الحدسيات:

حدسية التوأم الأولي

التوأم الأولي هو زوجٌ من الأعداد الأولية يقع بينهما رقمٌ واحد

مثال: الرقمان 5،7 ، 11 و13، 29 و31.

حدسية (التوأم الأوليّ – twin primes) تنص على أن هناك عددًا لانهائيًا من أزواج التوأم الأولية بين الأعداد اللامحدودة من الأعداد الأولية.

يعتقد معظم علماء الرياضيات أن هذه الحدسية يجب أن تكون صحيحة، ففي حين أن الأعداد الأولية تصبح أكثر ندرةً كلما صارت الأعداد أكبر تصاعديًا، فإن خبرة علماء الرياضيات النظرية وبديهيتهم في الأعداد الأولية تقترح أن أزواج التوأم الأولية يجب أن تظهر من وقتٍ لآخر، على الرغم من هذا، لم تُثبت الحدسية أو تُدحض.

بعد أن بقي سؤالٌ مفتوحٌ بكل معنى الكلمة لعدة قرون، في ربيع عام 2013، حقق عالم الرياضيات (يتانغ شانغ- Yitang Zhang) في جامعة (نيو هامبشاير- New Hampshire)  تقدمًا مفاجئًا في حل المشكلة، حصل من خلاله على زمالة (Genius MacArthur) في سبتمبر 2014.

في حين مازالت الحدسية غير مثبتةٍ في حد ذاتها، اخترع تشانغ أسلوبًا جديدًا أظهر أن هناك عددًا لا نهائيًا من أزواج التوأم الأولية، وزاد عدد الأرقام بينهم عن سبعين مليونًا، رقمٌ ضخم!، لكنه بمثابة أول قيدٍ محددٍ على المسافات بين الأعداد الأولية التي اكتُشفت.

في خريف عام 2013، نجحت مجموعةٌ كبيرةٌ من علماء الرياضيات بالاعتماد على عمل تشانغ في الحصول على نتائج مماثلة وقيودٍ أصغر تم إيجادها بشكلٍ تعاوني، وأثبت في النهاية أن هناك العديد من أزواج الأعداد الأولية بينهم 246 رقمًا على الأكثر.

حدسية جولدباخ:

هذه مشكلةٌ أخرى، تنص على أنه يمكن كتابة أيُّ عددٍ زوجيٍّ أكبر من الرقم 2 على صورة حاصل جمع عددين أوليين.

ينطبق هذا بالتأكيد على الأرقام الصغيرة

مثال: 4 = 2 + 2،  8 = 5 + 3،  20 = 13 + 7

ولكن لم تُثبت الحدسية لجميع الأعداد الزوجية.

وقد استطاع باحثون مسلحون بحواسيب القرن الحادي والعشرين والبرامج المصممة بشكلٍ جيدٍ من التحقق من الحدسية للأرقام الزوجية حتى الرقم 4 كوينتليون (4,000,000,000,000,000,000).

هذا دليلٌ جيدٌ جدًا على صحة الحدسية، ولكن في الرياضيات، لا يكفي أن نقول إن الحدسية صحيحةٌ لجميع الأرقام، إذا أثبتت صحتها لجميع الأرقام الأصغر من حدٍّ معينٍ أو رقمٍ معين، وحتى وإن كان كبيرًا بشكلٍ غير معقول.

الأعداد الأولية القلوبة:

(العدد القلوب- Palindromic number) هو عددٌ أو كلمةٌ يمكن قراءتها بنفس الشكل حتى لو عُكس ترتيب الأرقام أو الحروف، مثال كلمة رادار أو الرقم 191.

وبالمثل، الأعداد الأولية القلوبة هي أعدادٌ أوليةٌ يمكن قراءتها بنفس الشكل إذا تم عكس ترتيبها.

أحد الأعداد الأولية القلوبة المميزة هو (عدد بيلبيجور الأولي- :(Belphegor’s Prime 1000000000000066600000000000001، وهو عبارةٌ عن الرقم 1 متبوعًا ب 13 صفرًا ثم 666 ثم 13 صفرًا آخر ثم نهاية الرقم 1.

كما هو الحال مع حدسية التوأم الأولي، فإنه من غير المعروف حاليًا إذا كان هناك عددٌ لا حصر له من الأعداد الأولية القلوبة أو المتناظرة، ومع ذلك، النشاطات البحثية فيما يتعلق بالحدسية الأخيرة أقل نشاطًا مقارنةً بالتوأم الأولي.

معضلةٌ مثل حدسية جولدباخ والتوأم الأولي تعتمد فقط على بنية وتوزيع الأعداد الأولية بحد ذاتها.

ولكن حدسية الأعداد الأولية القلوبة تعتمد على نظام الأعداد التي يتم استعمالها، فإن الأعداد القلوبة في النظام الثنائي تختلف كليًا عنها في النظام العشري.

علي سبيل المثال، العدد الأولي 31 في النظام الثنائي يُكتب 11111، فهذا العدد قلوبٌ في النظام الثنائي، ولكنه ليس قلوبًا في النظام العشريّ.

في حين أن علماء الرياضيات يدرسون الأعداد الأولية القلوبة، توصلوا إلى أن  تلك الأعداد الأولية نادرةٌ بين الأعداد القلوبة بغض النظر عن نظام الأرقام المستخدم، إن مجهوداتٍ أكبر مكرسةٌ في نظرية الأعداد في المشكلات التي تركز في الغالب على خصائص الأعداد الأولية المستقلة عن طريقة تمثيلها.

فرضية ريمان:

إن فرضية ريمان هي إحدى مشكلات جائزة الألفية، وهي مجموعةٌ من أهم المشكلات غير المحلولة في الرياضيات، ترافق حلَّ واحدةٍ من هذه المشاكل جائزةٌ قدرها مليون دولار أمريكي.

تتضمن فرضية ريمان امتدادًا لنظرية الأعداد الأولية المذكورة أعلاه، تعطي هذه النظرية صيغةً رياضيةً للعدد التقريبي للأعداد الأولية الأصغر من عددٍ كبيرٍ معين.

تعطي فرضية ريمان نتيجةً أكثر تحديدًا، حيث تقدم صيغةً توضح مدى دقة ناتج صيغة النظرية السابقة.

ربط عالم رياضيات القرن التاسع عشر العظيم (بيرنهارد ريمان- Bernhard Riemann) قيود هذه الدقة بدالةٍ خاصةٍ على مستوى الأعداد المركبة.

تنص فرضية ريمان على أن جميع النقاط على مستوى الأعداد المركبة تقع على خطٍ معينٍ في المستوى، عندما تساوي تلك الدالة صفر، إذا كان الأمر كذلك، فستكون قيود الدقة صحيحةً أيضًا.

كما هو الحال مع المعضلات الأخرى في هذه القائمة، هناك قدرٌ لا بأس به من الأدلة العددية لفرضية ريمان، ويعتقد معظم الرياضيين أنها صحيحة.

اختبر الرياضيون مليارات النقاط المساوية للصفر في هذه الدالة، ووجدوا أن جميع النقاط تقع على هذا الخط.

و كبقية المعضلات الأخرى التي نظرنا إليها، لا يوجد حتى الآن إثباتٌ كاملٌ على الفرضية. في كل هذه الحالات، وفي حين اعتقاد معظم الرياضيين أن هذه الحدسيات صحيحة، وهناك القليل من الأدلة التجريبية عليها، يستمر البحث عن إثباتٍ كامل.

هذا السلوك الوسواس -من جانب علماء الرياضيات على ما يبدو- يرجع جزئيًا إلى أن الإثبات المؤكد الجازم هو أحد الأهداف الرئيسية للرياضيات.

ولكن، ولأن أي إثباتٍ سواءً لحدسية التوأم الأوليّ أو فرضية ريمان، من المحتمل أن يتضمن تقنياتٍ وأفكارًا رياضيةً جديدةً جذريًا، ويحتمل أن يؤدي إلى طرقٍ جديدةٍ للبحث وأفكارٍ لاستكشافها.

في الرياضيات، غالبًا ما تكون رحلة البحث عن إثباتٍ مثيرةٌ للاهتمام، على الأقل بنفس قدر إيجاد النتيجة نفسها.


  • ترجمة: يوسف مصطفى
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر