يحدث الاستحواذ أو الاندماج بين شركتين عادة لاستغلال فوائد التآزر، وتعريفه أن يكون ناتج اجتماعهما أفضل من الجمع البسيط لناتج كل منهما منفردًا. لكنه أمر صعب، وسنوضح في هذا المقال الفوائد المتوقعة والعوائق الممكنة، مع أربعة أمثلة للاندماج في التاريخ الحديث.

تتضمن عمليتا الاستحواذ والاندماج جملة من المزايا أبرزها:

  •  تنويع عروض المنتجات والخدمات.
  •  زيادة القدرة الإنتاجية.
  • زيادة الحصة السوقية.
  •  الاستفادة من الخبرات التشغيلية والبحث والتطوير.
  •  الحد من المخاطر المالية.

إذا نجح الاندماج ترتفع قيمة الشركة، لأن المستثمرين يتوقعون تحقيق التآزر، ما يسهم بدوره في تحقيق توفير في تكاليف الكيان الاقتصادي الجديد أو زيادة إيراداته.

لكن المسؤولين التنفيذيين يواجهون باستمرار عقبات كبيرة بعد إتمام الصفقة، فقد تحول الاختلافات الثقافية وحروب النفوذ دون التنفيذ الأمثل لخطط ما بعد الاندماج، وقد يحدث ما يؤدي إلى تدهور قيمة حملة الأسهم وتراجع سعر أسهم الشركة بعد إتمام الصفقة، مثل تغير الأنظمة ومختلف العمليات، وتراجع قوة العلامة التجارية للشركة، والمبالغة في تقدير قيمة التآزر، وعدم الإلمام بنموذج عمل الشركة المُستهدَفة، أي المُستحوَذ عليها.

قد يؤدي فشل صفقات الاندماج أو الاستحواذ إلى تبعات كارثية، مثل تسريح جماعي للموظفين، والتأثير سلبًا في مكانة العلامة التجارية، وانخفاض نسب الولاء لها، وخسائر في الإيرادات، وزيادة التكاليف، وقد تنتهي بإيقاف أعمال الشركة.

يُنصح عند إتمام صفقة الاندماج أن تتضمن نصًا يضمن بقاء الإدارة الحالية للشركة المُستهدَفة فترة معينة، لضمان سهولة الانتقال والتكامل، لأنها أدرى بأعمالها، ما يساعد على نجاح الاندماج.

1- سكة حديد نيويورك المركزية وسكة حديد بنسلفانيا

شهد عام 1968 اندماج سكة حديد نيويورك المركزية وسكة حديد بنسلفانيا، لتشكلا معًا شركة بن المركزية التي أصبحت سادس أكبر شركة في أمريكا، وبعد عامين فقط فوجئت بورصة وول ستريت بتقديم الشركة طلب الحماية من الإفلاس، لتغدو أكبر شركة تعلن إفلاسها في تاريخ أميركا آنذاك.

تجمع شركتا السكك الحديدية علاقة تنافس صناعي شديدة، إذ تعود جذورهما إلى القرن التاسع عشر، وقررت إدارة الشركتين دمج أعمالهما في محاولة يائسة لمواكبة التغيرات الصناعية الجائرة.

عمومًا، تمتعت شركات السكك الحديدية التي تعمل خارج شمال شرق الولايات المتحدة باستقرار بسبب شحن السلع لمسافات بعيدة. في حين شهدت منطقة الشمال الشرقي المكتظة بالسكان -التي تركز على الصناعات الثقيلة وسبل الشحن المائي- تدفقًا أكثر تنوعًا في الإيرادات، وفي حين لبت السكك الحديدية المحلية حاجات السفر اليومية، وأسفار المسافات الطويلة، وخدمات الشحن السريع، والشحن بالجملة، فإن هذه الخدمات توفر أعمال النقل لمسافات أقصر، ما يؤدي إلى تدفقات نقدية متذبذبة بمخاطر أعلى.

تراكمت هذه المشكلات على مدار عقد، إذ ازداد توجه المستهلكين والشركات التجارية إلى السيارات والشاحنات واستخدام الطرق السريعة الواسعة المبنية حديثًا، وازدادت ساعات العمل بسبب خدمات النقل لمسافات قصيرة ما زاد بدوره من كلفتها، إضافة إلى الضوابط الحكومية الصارمة في تقييد تغيير شركات السكك الحديدية للنسب التي تفرضها على الركاب ومتعهدي الشحن، ما جعل خفض التكاليف الذي سينتج عن الاندماج يبدو الوسيلة الوحيدة للتأثير الإيجابي في المحصلة النهائية، لكن تراجع الخدمة أدى إلى خسائر فادحة في أعداد العملاء.

تُعد شركة بن المركزية مثالًا نموذجيًا على الظن بأن خفض التكاليف في مجال عمل مقيد هو المخرج الوحيد، لكن ساهمت عوامل أخرى في زوالها، مثل قصر النظر وضعف التخطيط طويل الأجل بالنيابة عن مجلسي إدارة الشركتين، والتفاؤل الزائد بالتغيرات الإيجابية لعملية الاندماج، وتعارض ثقافتي الشركتين، والتنازع على مناطق النفوذ، وسوء تنفيذ خطط دمج العمليات والنظم المختلفة للشركتين.

2- شوفان كويكر وسنابل

نجحت شركة شوفان كويكر في إدارة شركة جاتوريد التي تحظى بشعبية واسعة، فظنت أنها تستطيع تكرار النجاح بعقد صفقة مع شركة سنابل للمشروبات المعلبة، وفي 1994 نالت سنابل 1.7 مليار دولار مع إن وول ستريت حذرت من أن القيمة أقل من ذلك بمليار، إضافةً إلى هذه الزيادة في سعر الشراء، كسرت الإدارة قانونًا أساسيًا لعمليات الاندماج والشراء، وهو التحقق من الإلمام بكيفية عمل الشركة المُستهدَفة إلى جانب استقطاب قيمة مضافة محددة في المهارات والخبرات المتمرسة.

في غضون 27 شهرًا، باعت شوفان كويكر «سنابل» لشركة قابضة مقابل 300 مليون دولار فقط، وهي خسارة قدرها 1.6 مليون دولار عن كل يوم ملَكتها فيه، وبحلول وقت التصفية بلغت إيرادات سنابل 500 مليون دولار تقريبًا، في حين كانت تحصّل 700 مليون دولار وقت الاستحواذ.

ظنت إدارة شوفان كويكر أنها تستطيع استغلال علاقاتها مع المتاجر الكبرى وكبار تجار التجزئة، لكن نصف مبيعات سنابل تقريبًا كانت من قنوات فرعية، كمتاجر البقالة ومحطات الوقود والموزعين المستقلين، وواجهت إدارة الاستحواذ صعوبات في تسويق منتجات سنابل، وأدى اختلاف ثقافتي الشركتين إلى حملة تسويقية كارثية لمنتجات سنابل، إذ أطلقها مديرون لم يراعوا السمات الخاصة للعلامة التجارية، وتحولت إعلانات سنابل من شعبيتها المعهودة إلى توجيهات تسويقية لا تناسب العملاء.

كانت إدارة شركة شوفان كويكر تتخبط مرتبكة أمام هذه التحديات، في حين أطلقت شركتا كوكاكولا وبيبسي العملاقتان جملة منتجات جديدة لتبتلعا حصة سنابل في سوق المشروبات.

من الغريب أن لهذه الصفقة الخاسرة جانبًا إيجابيًا، إذ تمكنت شركة الاستحواذ من تعويض مكاسب رأس المال بخسائر هذه الصفقة، فاستردت مبلغًا قدره 250 مليون دولار من ضرائب الأرباح الرأسمالية التي دفعتها في صفقات سابقة، لكنها لم تعوض أضرار قيمة الأسهم التي سببتها صفقة سنابل.

3- أميركا أونلاين وتايم وارنر

تعد صفقة اندماج أميركا أونلاين مع تايم وارنر من الصفقات الأكثر خسارة على الإطلاق، إذ اندمجت شركة وارنر كوميونيكيشنز مع شركة تايم عام 1990، وفي 2001 استحوذت أميركا أونلاين على شركة تايم وارنر وبلغت قيمة الصفقة 165 مليار دولار أميركي في صفقة هي الأكبر حينها. وسعى المسؤولون التنفيذيون في كلتا الشركتين إلى الاستفادة من تقارب وسائل الإعلام مع الإنترنت.

بعد فترة وجيزة انفجرت فقاعة الدوت كوم، ما تسبب بانخفاض حاد في قيمة أميركا أونلاين، وأبلغت الشركة في 2002 عن خسارة فادحة بلغت 99 مليار دولار هي أكبر خسارة سنوية صافية في التاريخ، سببها الإساءة إلى السمعة السوقية الجيدة للشركة.

وتزامن ذلك مع انطلاق سباق جني إيرادات من التسويق عبر الإنترنت، لكن أميركا أونلاين فوتت تلك الفرصة وغيرها بسبب خضوعها لقيود مالية داخلية، وبوصفها رائدة في مجال الاتصال الهاتفي عبر الإنترنت، سعت للتعاون مع قسم التلفزيون الكابلي في تايم وارنر نظرًا إلى تحول التوجهات المستقبلية إلى الاتصال واسع النطاق فائق السرعة، لكن تقلص عدد المستخدمين لإنترنت الاتصال الهاتفي جعل تايم وارنر تلتزم مع خدماتها الخاصة من مزود خدمة الإنترنت رود رانر التابع لها بدلًا من خدمات أميركا أونلاين.

وفشلت الشركة الموحدة بمختلف قنواتها ووحداتها التجارية في تنفيذ المحتوى المتقارب بين وسائل الإعلام والإنترنت، وقد أدرك المسؤولون التنفيذيون في أميركا أونلاين عجزهم عن ترجمة إلمامهم النظري بالإنترنت إلى خبرات ملموسة في إدارة تكتل إعلامي بتسعين ألف موظف، ثم تسببت ثقافة تايم وارنر الداخلية واتجاهها المسيّس في نشوء تحديات أكبر لتحقيق التآزر المرتقب، وفي 2003 وسط تداعيات الاندماج من عداوات داخلية وصورة مزعزعة أمام الإعلام، تخلت تايم وارنر عن الاسم التجاري لأميركا أونلاين وتبنت اسم تايم وارنر، في حين بيعت أميركا أونلاين لفيرايزون في 2015 مقابل 4.4 مليار دولار.

4- سبرينت و نيكستل كوميونيكيشنز

استحوذت شركة سبرينت في أغسطس 2005 على الحصة الكبرى من أسهم نيكستل كوميونيكيشنز بشراء قيمته 35 مليار دولار، واندمجت الشركتان في كيان واحد أصبح ثالث أكبر مزود للاتصالات بعد إيه تي آند تي وفيرايزون. وقبل الاندماج شملت أعمال سبرينت تزويد الأسواق الاستهلاكية التقليدية بالاتصالات الهاتفية المحلية واللاسلكية وبعيدة المدى، في حين تمتعت نيكستل بقاعدة عريضة من عملاء الشركات، وموظفي البنى التحتية وقطاع النقل والخدمات اللوجستية، ويعزى ذلك في المقام الأول إلى ميزات هواتفها كخدمة الضغط والتحدث، وأملت الشركتان أن الاندماج سيحقق قاعدة عملاء مشتركة أضخم، ويدفع عجلة النمو عبر عمليات البيع وتقديم الخدمات.

وبعد عملية الاندماج بفترة وجيزة، غادر عدد كبير من المديرين التنفيذيين والمستوى المتوسط في شركة نيكستل نظرًا إلى اختلاف ثقافتي الشركتين وعدم توافقهما، إذ غلبت البيروقراطية على أعمال سبرينت وكانت لها سمعة سيئة في خدمة العملاء جعلتها بأعلى نسبة ترك في المجال كله، في حين كان نموذج نيكستل أقرب إلى ريادة الأعمال ومراعاتها لمتطلبات العملاء. فخسرت الشركة حصتها السوقية لإنها لم تلتزم بعوامل النجاح الحساسة لهذا المجال السلعي، إضافةً إلى توقع العملاء خدمات أكثر مقابل أموالهم في فترة هيمنة التراجع الاقتصادي الكلي.

أدت المخاوف الثقافية إلى تفاقم مشكلات التكامل بين مختلف الوظائف التشغيلية، إذ وجب على موظفي نيكستل التماس الموافقة من الموظفين الأعلى في سبرينت قبل تنفيذ الإجراءات التصحيحية، وأسهمت قلة الثقة وغياب أسس التفاهم إلى رفض هذه التدابير أو سوء تنفيذها. في بداية الاندماج، احتفظت كلتا الشركتين بمقر عمل منفصل، ما زاد من صعوبة التنسيق بين المديرين التنفيذيين للطرفين.

تركزت جهود الطاقم الإداري والموظفين ومواردهم على إنجاح الاندماج، حين برزت تحديات تشغيلية وتنافسية، إذ تتطلب الديناميات التكنولوجية للاتصالات اللاسلكية والإنترنت تكاملًا سلسًا بين الشركتين والتنفيذ الممتاز للاندماج في خضم التغيير السريع، في حين بدت نيكستل أكبر وأكثر اختلافًا من أن ينجح اندماجها مع سبرينت.

وخضعت سبرينت لضغوط تنافسية شديدة فرضتها شركة إيه تي آند تي -التي استحوذت على شركة سينغولار- وشركة فيرايزون وشركة آبل الشهيرة بهواتف آيفون، وتزامن ذلك مع انخفاض العائد النقدي للعمليات التشغيلية وارتفاع متطلبات الإنفاق الرأسمالي. فاتخذت الشركة تدابير عدة لخفض التكاليف وسرحت موظفين، سنة 2008 حددت في بند الأضرار اللاحقة بالسمعة مبلغًا هائلًا بلغ 30 مليار دولار أميركي ليكون رسومًا تدفع مرة واحدة، وانخفض تقييم أسهمها كثيرًا، وبهذا لم يحقق الاندماج الذي كلف 35 مليار دولار نتائجه المرجوة.

الخلاصة

عند التفكير في إبرام صفقة، يجب على الأجهزة الإدارية في كلتا الشركتين استعراض جميع الحواجز التي تحول دون تحقيق القيمة المتوقعة لحاملي الأسهم بعد إتمام الصفقة، وتشمل:

  •  الاختلافات بين ثقافتي الشركتين قد تؤدي إلى فشل تنفيذ الخطط الموضوعة بعد الاندماج.
  •  بعد الاندماج، تظهر الحاجة إلى تسريح بعض الموظفين نتيجة تكرار الجهود، ما يدفع بعضهم إلى اتخاذ إجراءات تعسفية لحماية وظائفهم، ما يصرفهم عن مساعدة مرؤوسيهم على تحقيق التآزر.
  •  اختلافات نظم العمل والعمليات التشغيلية قد تجعل التكامل عملية صعبة ومضنية.

يجب على المديرين في كلا الكيانين تعزيز التواصل وتكريس العمل بعد الاندماج خطوة بخطوة، والانتباه إيضًا إلى العلامة التجارية للشركة المُستهدَفة وقاعدة عملائها، إذ يخاطر كيان الاندماج بفقدان عملائه إذا فشلت إدارة الاندماج عن تلبية احتياجات العملاء.

وأخيرًا، يجب على المسؤولين التنفيذيين بالشركة المستحوِذة تجنب دفع مبالغ طائلة للشركة المُستهدَفة، فكثيرًا ما ينفق المستثمرون الذين يتلقون عمولة والراغبون بالاندماج من أموالهم لإتمام الصفقة، ومع وجوب الاعتراف بجهودهم، لا يبرر ذلك عدم الإنصاف لمستثمري المجموعة القابضة إذا فشلت الصفقة أو دفعت مبلغًا يفوق الأرباح المرجوة من الاستحواذ.

اقرأ أيضًا:

اندماج الشركات متعددة الأنشطة

الاستحواذ على الأسهم

ترجمة: بشرى عيسى

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر