أشياء لا تعرفها عن نفسك. قد تساعدك مراقبة نفسك عن بعد على معرفة نفسك بشكل أفضل: كتابة مذكرات يومية، وتأمل الذات المستمر، وإجراء محادثات استكشافية (probing conversations) مع الآخرين، كلها تقاليد قديمة، ولكن يصعب تحديد إذا كانت هذه الأساليب تمكننا من معرفة أنفسنا. في الواقع، فإن القيام بأفعال معاكسة في بعض الأحيان -مثل التخلي- يوفر بعض المسافة أو الراحة. في عام 2013، راجعت إريكا كارلسون (Erika Carlson)، التي تعمل حاليًا في جامعة تورنتو، الأبحاث حول كون التأمل الواعي (mindfulness meditation) يحسن معرفة الشخص لذاته أم لا، وكيف.

وأشارت إلى أنه يساعد في التغلب على عقبتين كبيرتين؛ التفكير المشوه (distorted thinking) وحماية الأنا (ego protection). تعلمنا ممارسة اليقظة (mindfulness) أن نسمح لأفكارنا بالمرور بسلام دون أن نعتبرها جزءًا من هويتنا الأصلية. الأفكار، في نهاية المطاف، هي “أفكار فقط” وليست الحقيقة المطلقة. في كثير من الأحيان، يزيد الخروج من أنفسنا بهذه الطريقة ومراقبة ما يفعله عقلنا الوضوح لدينا.

قد يعزز اكتساب بصيرة حول دوافعنا اللا واعية صحتنا العاطفية. أظهر أوليفر س. شولثيس (Oliver C. Schultheiss) من جامعة فريدريش ألكساندر في إرلانجننورنبرغ (Friedrich Alexander University of ErlangenNürnberg) في ألمانيا أن إحساسنا بالسعادة يميل إلى الزيادة عندما تتطابق وتنسجم أهدافنا الواعية مع دوافعنا اللا واعية. على سبيل المثال، لا ينبغي لنا الالتزام بمهنة تمنحنا المال والقوة إذا كانت هذه الأهداف ذات أهمية ضئيلة بالنسبة لنا.

لكن كيف نحقق هذا الانسجام؟ عن طريق التخيل، على سبيل المثال حاول أن تتخيل، بأكبر قدر من الوضوح وبأقصى قدر ممكن من التفصيل، كيف ستكون الأمور إذا تحققت أمنية ترغب بها بشدة. هل سيجعلك ذلك حقاً أكثر سعادة؟ فنحن نستسلم غالبًا لإغراء وضع أهداف ضخمة دون مراعاة الخطوات والجهد الضروري لتحقيق هذه الأهداف الطموحة.

نعتقد في كثير من الأحيان أننا أفضل في فعل أحد الأشياء مما نحن عليه فعلًا، ولكن هناك أشياء لا تعرفها عن نفسك:

هل أنت على دراية بأثر داننغ كروغر (the Dunning Kruger effect)؟ يقترح هذا المبدأ أن الأشخاص الأقل كفاءة في أحد المجالات، أقل وعيًا بعدم كفاءتهم. تمت سُميَ التأثير على اسم دايفيد داننغ (David Dunning) من جامعة ميشيغان وجوستين كروجر (Justin Kruger) من جامعة نيويورك.

أعطى كل من دايفيد وجوستين الأشخاص المشتركين بالاختبار سلسلةً من المهام الإدراكية وطلبوا منهم تقدير مدى نجاحهم. قدّر في أحسن الأحوال، 25% من المشاركين أداءهم أفضل مما هو عليه (أو بشكل غير واقعي)؛ فقط بعض الناس قدروا أنفسهم بأقل مما يستحقون.

ربع الأشخاص الذين سجلوا أسوأ نتيجة في الاختبارات لم يلاحظوا ذلك، و بالغوا بشدة في قدراتهم المعرفية. هل من الممكن أن يكون التباهي والفشل وجهان لعملة واحدة؟

تسلط مثل هذه الاختبارات الضوء على سمة عامة للإدراك الذاتي؛ يميل كل واحد منا إلى التغاضي عن أوجه النقص الإدراكية لديه، وهذا ما حاول الباحثون تأكيده. وفقًا لعالم النفس أدريان فيرنهام (Adrian Furnham) من جامعة كوليدج لندن، فإن الارتباط الإحصائي بين معدل الذكاء (IQ) المدرك والواقعي، في المتوسط، هو 0.16 فقط -والذي يُعتبَر ارتباطًا ضعيفًا. بالمقارنة، إذ إن الارتباط بين الطول والجنس حوالي 0.7.

فلماذا توجد هذه الهوة الكبيرة بين تصوراتنا وأدائنا الفعلي؟ ألا نرغب جميعًا في تقييم أنفسنا بشكل واقعي؟ نعم، بالتأكيد فذلك سيوفر علينا الكثير من الجهد الضائع وربما القليل من الإحراج. الجواب، على ما يبدو، هو أن ”تضخيم تقديرنا لأنفسنا (inflation of selfesteem)“ بشكل معتدل له فوائد معينة.

وفقًا لدراسة أجراها عالِمَا النفس شيللي تايلور (Shelley Taylor) من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وجوناثون براون (Jonathon Brown) من جامعة واشنطن، فإن نظرتنا الوردية للواقع تزيد إحساسنا بالسعادة وتحسن أداءنا.

الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، من ناحية أخرى، يميلون إلى أن يكونوا واقعيين بقسوة في تقييمهم الذاتي. يبدو أن الصورة الذاتية المزخرفة تساعدنا في التغلب على مصاعب الحياة اليومية.

يتعرض الناس الذين يقللون من أهميتهم بشدة للإخفاق بشكل متكرر:

على الرغم من امتلاك معظمنا آراء إيجابية مفرطة حول نزاهتهم أو ذكائهم، يعاني بعض الناس من مشكلة معاكسة؛ هم يستخفون بأنفسهم وبجهودهم. قد يحفز اختبار الازدراء والاستخفاف في مرحلة الطفولة والمرتبطين غالبًا للتعرض للعنف والإساءة، إلى هذا النوع من السلبية – والذي قد يحد بدوره من إنجازات الناس، ما يؤدي إلى انعدام الثقة واليأس وحتى الأفكار الانتحارية. بالنسبة للبعض يعتبر الذكاء واحد من أشياء لا تعرفها عن نفسك.

أشياء لا تعرفها عن نفسك: مراقبة نفسك والتقليل من أهميتك

قد يبدو منطقيًا الاعتقاد بأن الأشخاص الذين يمتلكون صورةً ذاتيةً سلبيةً هم فقط الأشخاص الذين يبحثون عن التعويض. ومع ذلك، اكتشف علماء النفس الذين يعملون مع ويليام سوان (William Swann) من جامعة تكساس في أوستن (the University of Texas at Austin) أن العديد من الأفراد المتشككين بأنفسهم يبحثون عن تأكيد لصورتهم الذاتية المشوهة.

وصف سوان هذه الظاهرة في دراسة عن الرضا في الزواج. فاستجوب الأزواج عن نقاط القوة والضعف الخاصة بهم، والطرق التي تقدم لهم شعورًا بالدعم والتقدير من شريكهم، وقدر رضاهم في زواجهم. وكما هو متوقع، أولئك الذين يمتلكون موقف أكثر إيجابية تجاه أنفسهم وجدوا رضى أكبر في علاقاتهم وتلقوا الثناء والتقدير من شريكهم، لكن أولئك الذين انتقدوا أنفسهم شعروا بالأمان عندما أكد شريكهم صورتهم السلبية، ولم يطلبوا الاحترام أو التقدير. على العكس من ذلك، أرادوا سماع وجهة نظرهم عن ذاتهم: “أنت غير كفؤ”.

واستند سوان في نظريته حول تأكيد الذات على هذه النتائج. تقول النظرية أننا نريد أن يرانا الآخرون بالطريقة التي نرى بها أنفسنا. وفي بعض الحالات، يحرض الناس الآخرين للرد عليهم بشكل سلبي لإثبات عدم جدارتهم. هذا السلوك ليس بالضرورة مساوٍ للماسوشية، إنه من أعراض الرغبة في التوازن؛ إذا كان رد فعل الآخرين تجاهنا يؤكد صورتنا الذاتية، فالعالم يسير بشكل جيد.

وبالمثل، فإن الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم فاشلين سيتابعون طريقهم إلى عدم النجاح، ويساهمون بإخفاقهم بشكل فعّال، ولذلك سيغيبون عن الاجتماعات، ويتجاهلون بشكل متكرر القيام بالعمل المتوجب عليهم ويدخلون بشجارات مع رؤسائهم في العمل. تتناقض مقاربة سوان مع نظرية “Dunning and Kruger” في المبالغة بالتقدير. لكن غالبًا فإن كلا المعسكرين على حق: من المؤكد أن الغرور المفرط هو أمر شائع، لكن قد تكون الصور الذاتية السلبية شائعةً أيضًا.

اقرأ أيضًا:

هل ”حقيقتك“ مجرد خرافة؟! هل نخلِق باستمرار ذكريات زائفة لتحقيق الهوية التي نريدها!

كيف تتخلص من السعي الدائم نحو استحسان الآخرين؟

الأشخاص الذين يملكون عددًا كبيرًا من الأصدقاء على الفيسبوك لديهم صفات مثيرة للإهتمام

ثلاثون طريقة علمية تؤثر بها طفولتك على نجاحك كشخص بالغ

ترجمة: إياد رشيد الشاعر

تدقيق: آية فحماوي

المصدر