قد تبدو الطريقة التي تتصرف بها الأشياء في ظروف الجاذبية الصغرى -أو ما يعرف بانعدام الجاذبية- أكثر وضوحًا لنا بعد المغامرات العديدة التي خاضها البشر في الفضاء خلال أكثر من خمسين عامًا. لكننا لم نكن دومًا متيقنين بشأن تأثير الفضاء في بعض الأشياء كالنار وديدان البلاناريا أو حتى النباتات، ويعد إجراء التجارب الطريقة الوحيدة التي تساعدنا على إيجاد أجوبة لتلك الأسئلة المشوقة. هذا ما قادنا إلى إجراء العديد من التجارب في الفضاء منها الرائع ومنها المزعج، بل الأحمق في أحيان أخرى.

دفع بدلة الفضاء خارج غرفة معادلة الضغط:

يبدو الفيديو من أعلى جزءًا من كابوس ما، إذ تطفو بدلة الفضاء حرة طليقة دون وجود ما يثبتها، وتتحرك مبتعدة عن محطة الفضاء الدولية ليحيط بها السواد العظيم.

قد تشعر بالارتياح عند معرفتك بعدم تعرض أي شخصٍ للأذى خلال هذه التجربة، فالبدلة المستخدمة كانت محشوة بمجموعة من الملابس القديمة ومزودة بجهاز إرسال لاسلكي.

تكمن الفكرة في استخدام بدلات الفضاء القديمة أقمارًا صناعية. أُطلقت البدلة الأولى بوصفها القمر الصناعي SuitSat-1 وأُعلنت رسميًا باسم AMSAT-OSCAR 54 في 3 شباط 2006، ونجحت التجربة جزئيًا فقط، وتختلف التقارير حول ذلك، إذ زعمت وكالة ناسا أن جهاز الإرسال توقف بعد وقت قصير من إطلاقه، في حين أعلنت روسيا أن آخر إرسال وصل بعد أسبوعين من الإطلاق، إذ استلمت آخر إشارة مؤكدة في تاريخ 18 شباط.

بقي SuitSat-1 عدة أشهر في مدار صامت، قبل أن يدخل الغلاف الجوي للأرض ويحترق في 7 أيلول 2006.

المطرقة والريشة:

في أواخر القرن السادس عشر أسقط العالم غاليليو غاليلي كرتين غير متماثلتين في الكتلة من أعلى برج بيزا المائل في إيطاليا، وعندما وصلتا إلى الأرض في نفس الوقت، واجه وجهات النظر التقليدية بمحاولة توضيح أن الكتلة لا تأثير لها في تسارع الجاذبية، فبصرف النظر عن الكتلة يجب أن تسقط جميع الأشياء بالسرعة ذاتها، وإن كانت تلك الأشياء مطرقة وريشة.

ومن الصعب إثبات ذلك على الأرض بسبب مقاومة الهواء، ولكن بعد ما يقارب 400 عام أعاد تلك التجربة إنسان يقف على سطح القمر.

في 2 آب 1971 حمل ديفيد سكوت -قائد مركبة أبولو 15- مطرقة جيولوجية في إحدى يديه، وريشة صقر في يده الأخرى، ورفعهما إلى ارتفاع نحو 1.6 متر عن الأرض ومن ثم أسقطهما، ونظرًا لوجود رائد الفضاء في الأساس في فراغ، سقط الجسمان في حالة تزامن دون مقاومة الهواء.

كتب رائد الفضاء في وكالة ناسا جو ألين: ضمن إطار دقة الإطلاق المتزامن روقب الجسمان ليخضعا إلى نفس التسارع ويضربا سطح القمر في وقت واحد. تلك نتيجة توقعتها نظرية راسخة، وتعد تلك نتيجة مطمئنة، بالنظر إلى كل من عدد المشاهدين الذين شهدوا التجربة وحقيقة أن رحلة العودة إلى الوطن استندت بدقة إلى صحة النظرية التي يجري اختبارها.

وما تزال المطرقة والريشة هناك في الأعلى.

قرص فوار في قطرة ماء:

في حالة انعدام الجاذبية إذا قمت برش القليل من المياه من فوهة ما فإنها تبقى هناك بشكل نقط متأرجحة في الفراغ.

وقد ينتج عن ذلك الكثير من المرح، إذ تضمنت التجارب والعروض التوضيحية فرقعة بالونات مملوءة بالمياه في محطة الفضاء الدولية وفي مذنب القيء، يشير مذنب القيء إلى برنامج تقدمه وكالة الفضاء ناسا إلى رواد الفضاء ويمثل طائرة تقوم برحلات مكافئة لخلق فترات قصيرة من السقوط الحر. ومن التجارب التي أجريت أيضًا ربط قطرة من الماء بفقاعة كبيرة داخل مكبر صوتي لمراقبة الاهتزازات، ووضع كاميرا نوع GoPro -المتينة والمقاومة للماء- في الفقاعة المائية لتصويرها من الداخل «وسترغب في الحصول على نظارات مجسمة ثلاثية الأبعاد».

سنة 2015 لون رائد الفضاء سكوت كيلي قطرة ماء باستخدام ملونات الطعام، ثم أدخل أقراصًا فوارة وشاهدها تذوب وتطلق الغازات في المياه، وصور ما حدث باستخدام كاميرا 4k الجديدة الخاصة بالمحطة الفضائية، حتى تتمكن من رؤية ما يشبه «تكاثر» الطحالب الفضائية الذي يظهر بوضوح شديد.

النار في الفضاء:

النار -مثل الماء- تسلك سلوكًا مختلفًا في ظروف الجاذبية الصغرى. لحسن الحظ، كان حريق محطة مير الفضائية عام 1997 حدثًا وحيدًا لم يتكرر حتى الآن، لكن العمل والبحث في كيفية تصرف النار في ظروف انعدام الجاذبية قد يساعد في التخطيط للسلامة من الحرائق من أجل المهام المستقبلية طويلة الأمد مثل المهمة المأهولة إلى المريخ والقاعدة الدائمة على القمر، وقد يساعد في تحسين بروتوكولات السلامة من الحرائق الموجودة هنا على الأرض أيضًا.

للوصول إلى هذه الغاية تدرس مجموعة من المشاريع البحثية حاليًا ما يحدث للنيران في الفضاء، إذ تتحرى تجارب حرق المواد الصلبة وإذابتها على متن محطة الفضاء الدولية خصائص الاحتراق لمجموعة واسعة من أنواع الوقود في ظروف انعدام الجاذبية، ويمكن استخدام البيانات الناتجة عن هذه التجارب لبناء نماذج أكثر تعقيدًا لفهم التفاصيل الدقيقة للاحتراق في جاذبية الأرض.

يبحث العلماء الموجودون على متن المركبة الفضائية Cygnus المخصصة للشحن -تُستخدم Cygnus لنقل إمدادات الطاقم ومعدات التجارب العلمية والاحتياطية إلى المحطة الفضائية- في كيفية تصرف اللهب في ظل ظروف مختلفة للمركبة الفضائية في تجارب السافير، وهي سلسلة من ثلاث تجارب لضمان سلامة المركبات الفضائية من الحرائق، ويبحث تحقيق Flame Design التابع لوكالة ناسا إنتاج السخام «الهباب» والسيطرة عليه.

كل ما سبق ممتع ومفيد بالتأكيد لكن فيه أيضًا شيئًا من الجنون الجميل، ونراهن أن بعض رواد الفضاء افتعلوا انفجارًا ليلعبوا بالنار في الفضاء.

عناكب الفضاء:

سنة 2011 بدأ العلماء في البحث عن أجوبة للسؤال الملح: هل تستطيع العناكب التكيف مع الرحلات الفضائية؟ لذلك أرسلوا اثنين من العناكب «إيزمرالدا وغلاديس» من فصيلة حائك النسيج الذهبي ومكثا على متن المحطة الدولية مدة 45 يومًا.

احتُفظ بهما في مسكن جيد (هل تستطيع تخيل بقاء العناكب طليقة على متن مركبة فضائية؟) مزود بشروط الإضاءة المناسبة لمحاكاة دورة الليل والنهار، ويمكن التحكم بالرطوبة ودرجة الحرارة وتوفير نظام غذائي صحي من ذباب الفاكهة.

تمكن كلا العنكبوتين من التكيف جيدًا، إذ استمرا هناك بغزل شباكهما واصطياد الطعام، وفي نهاية كل يوم أكل العنكبوتان النساجان شباكهما لاستعادة البروتين ثم أعادا غزلها من جديد في الصباح، واستمرا بالقيام بتلك العملية في موعدها الصحيح، وهو أمرٌ مثير للاهتمام إذ تغزل أصناف مختلفة أخرى من العناكب النساجة شباكها في أي وقت تختاره خلال اليوم.

لكن لم يكن كل شيء طبيعيًا، ففي ظروف الجاذبية الصغرى غزلت العناكب شباكها بطريقة مختلفة «أكثر تسطحًا واستدارة»، مقارنة بالبنى ثلاثية الأبعاد غير المتماثلة التي اعتادت العناكب نسجها على الأرض.

عاد العنكبوتان إلى الأرض بعد نهاية إقامتهما في الفضاء، لكن ماتت إيزميرالدا خلال رحلة العودة بعد أن عاشت حياة العنكبوت الطبيعية، أما غلاديس وبعد العودة إلى الأرض تبين أنها ذكر وأُعيدت تسميتها لتصبح غلادستون.

السلاحف تدور حول القمر:

بالعودة إلى ستينيات القرن الماضي قبل أن يصل البشر إلى القمر، لم يكن واضحًا بعد التأثير الجسدي المحتمل لدى الاقتراب من القمر، لذلك سنة 1968 أرسل برنامج الفضاء السوفييتي سلحفاتين روسيتين في رحلة حول مرافق الأرض «القمر».

في الحقيقة لم يرسلوا السلاحف فقط، بل تضمنت الرحلة ذباب الفاكهة وديدان الطحين وبذورًا ونباتات وطحالب وبكتيريا، وأُرسلت أيضًا دمية مزودة بأجهزة استشعار للإشعاع. نظرًا إلى عدم تشابه أي من الكائنات الحية المرسلة مع البشر، ووفقًا لتقرير عام 1969، اختيرت السلاحف للقيام بهذه الرحلة لسهولة تثبيتها وربطها نسبيًا.

وفي 2 أيلول 1968 وُضع رائدا الفضاء من الزواحف -دون اسم- على متن مركبة الفضاء Zond-5 ولم يتلقيا الغذاء بعد ذلك التوقيت لحين عودتهما. أُطلقا في الفضاء بتاريخ 15 أيلول 1968 ليعودا بعدها في تاريخ 21 أيلول في المحيط الهندي، وعادا أخيرًا إلى موسكو في 7 تشرين الأول.

تضمنت رحلتهما 7 أيام من التحليق في الفضاء وعدة أيام في المناطق الاستوائية -تضمنت التمايل والمراوغة في المحيط في أثناء انتظار استرجاعهما- والعودة إلى روسيا، وفي النهاية أمضيا 39 يومًا من دون طعام.

حُرمت السلاحف «المضبوطة والمشتركة في التجربة» التي بقيت على الأرض من الطعام نفس الفترة الزمنية، وكشفت مقارنة بين مجموعتي السلاحف أن أي تغييرات طرأت على الحيوانات التي ارتادت الفضاء كانت في الغالب ناتجة من الجوع، وبدرجة أبسط من الضمور المرتبط برحلات الفضاء.

نُفذت مهمات أخرى للسلاحف، إذ حملت المركبة Zond 7 السلاحف في رحلة للفضاء، وسنة 1975 نقلت المركبة الفضائية Soyuz 20 سلحفاة مدة 90 يومًا، وحلقت سلحفاتان في محطة الفضاء Salyut-5 سنة 1976.

أشجار القمر:

وكما كنا لا نعلم تأثير الفضاء في الحيوانات، كنا نجهل آثاره في النباتات أيضًا، لهذا السبب عُدت حمولة مهمة أبولو 14 التي بدأت في 31 كانون الثاني 1971 غريبة بعض الشيء إذ تضمنت 500 بذرة.

أراد علماء دائرة الغابات الأمريكية معرفة هل ستنمو بذور الأشجار التي طارت في ظروف الجاذبية الصغرى وتعرضت للإشعاع الفضائي وتنبت لتبدو مثل البذور التي لم تغادر الأرض قط؟

ضمت الحاوية خمسة أصناف من بذور الأشجار وهي:

  •  شجرة صنوبر الأرض الطينية «صنوبر تيدا».
  •  شجرة السيكوات أو شجرة كاليفورنيا ذات الخشب الأحمر.
  •  الجميز الأمريكي.
  •  تنوب دوغلاس.
  •  شجرة العنبر السائل.

رافقت البذور طيار مركبة القيادة ستيوارت روسا في رحلته عبر 34 مدارًا للقمر قبل العودة إلى الأرض، لتُزرع لاحقًا تلك البذور ويُعتنى بها وتنمو وتصبح شجيرات جنبًا إلى جنب مع شجيرات التجربة التي لم تغادر الأرض يومًا، ومن المدهش أنه لم يكن هناك فرق واضح بين المجموعتين.

بحلول عام 1975 أصبحت أشجار القمر -كما كانت تُعرف- كبيرة بما يكفي لتزرع لذلك شُحنت ونُقلت إلى أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية، ووفقًا لموقع ناسا فعدد أشجار القمر الذي أُحصي حتى اليوم هو أقل من 100 شجرة، ومن هؤلاء ظل 57 عند كتابة هذا التقرير.

هذا يعني احتمال وجود مئات من أشجار القمر مختبئة في أنحاء الولايات المتحدة، وهي بقايا مفقودة منذ أن أرسل حب استطلاعنا بذورًا صغيرة لتتنقل في جميع أنحاء الفضاء معتقدين أن هذا أمرٌ جميل.

اقرأ أيضًا:

أغرب الظواهر الكونية تم حلها من قِبَل علماء الفضاء

رحلات أبولو للقمر -برنامج أبولو- نظرة عامة عن رحلة أبولو 11

ترجمة: فاطمة طاهر أحمد

تدقيق: رزان حميدة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر