إذا اقترح عليك المهندس المعماري نظامًا كلاسيكيًا لأعمدة شرفة منزلتك، لا داعي للتفكير مطولًا، إنها فكرة جيدة. يضم النظام المعماري مجموعة من القواعد أو المبادئ لتصميم المباني، بنحو مشابه لقواعد البناء الحالي. توجد خمسة أنظمة كلاسيكية -ثلاثة إغريقية ونظامين رومانيين- تشكل أنماط الأعمدة التي نستعملها في العمارة حتى اليوم.

في العمارة الغربية، يشير وصف «كلاسيكي» إلى أنه من الحضارات القديمة، الإغريقية أو الرومانية ، فالنظام المعماري الكلاسيكي هو نهج تصميم المباني الذي نشأ في اليونان وروما خلال ما نسميه الفترة الكلاسيكية للعمارة، بين 500 قبل الميلاد و500 بعد الميلاد. أصبحت اليونان مقاطعة تابعة لروما عام 146 قبل الميلاد، لذلك توصف الحضارتان معًا بالكلاسيكية.

خلال هذه الفترة الزمنية، أُنشئت المعابد والأبنية العامة المهمة وفقًا لخمسة أنظمة مميزة، يستعمل كل منها قواعد وأنواعًا محددة من الأعمدة -القاعدة والعمود والقمة- ونمط مدماك مختلف فوق العمود. نمت شعبية النظام الكلاسيكي خلال عصر النهضة، حين كتب المهندسون المعماريون -مثل جياكومو باروزي من فيغنولا- عنها واستعملوا هذه التصاميم.

كتب جياكومو دا فيغنولا عام 1563: «في الهندسة المعمارية، ترمز كلمة نظام إلى تكوين من نمط معين، من قاعدة وعمود ومدماك، إضافةً إلى الزخرفة. يعني النظام ترتيبًا مثاليًا ومنتظمًا لجميع أجزاء التكوين، بعكس الخلط أو التشوش».

النظام الإغريقي في العمارة:

عند دراسة التسلسل الزمني اليوناني القديم، فإن ذروة الحضارة الإغريقية تُعرف باليونان الكلاسيكية، عام 500 قبل الميلاد تقريبًا. طور الإغريق القدماء المبدعون ثلاثة أنظمة للعمارة باستعمال ثلاثة أنماط مختلفة من الأعمدة.

أقدم الأعمدة الحجرية كانت من النظام الدوريكي، تيمنًا بالهندسة المعمارية التي شوهدت أول مرة في المنطقة الدورية غرب اليونان. بالمقابل، طوّر البناة في منطقة أيونا شرق اليونان نمطهم الخاص من الأعمدة، وهو ما يعرف بالنظام الأيوني.

الأنظمة الكلاسيكية ليست فريدة في كل منطقة، لكنها سُميت تيمنًا بالمنطقة التي شوهدت فيها أول مرة.

النظام اليوناني الأحدث والأكثر زخرفة، وربما الأشهر حاليًا، هو النظام الكورنيثي، الذي شوهد أول مرة في المنطقة الوسطى من اليونان، كورنيث.

العمارة الرومانية:

ألهمت الهندسة المعمارية التقليدية في اليونان القديمة تصميم الأبنية للإمبراطورية الرومانية، وقد استمرت الأنظمة المعمارية الإغريقية في الهندسة المعمارية الرومانية، وأضاف المهندسون المعماريون الرومان تغييراتهم الخاصة، بتقليد نمطين من الأعمدة الإغريقية.

يتميز النظام التوسكاني، الذي شوهد أول مرة في منطقة توسكان في إيطاليا ببساطته الكبيرة، وهو أكثر انسيابية من النظام اليوناني الدوريكي، ويمكن الخلط بسهولة بين القمة والعمود في العمارة الرومانية بعمود إغريقي كورنيثي، لكن المدماك العلوي مختلف كثيرًا.

إعادة اكتشاف النظام الكلاسيكي:

كان يمكن أن تفقد الأنظمة الكلاسيكية من الهندسة المعمارية في التاريخ، لولا كتب عنها المهندسون المعماريون الأوائل. وثّق المهندس المعماري الروماني ماركوس فيتروفيوس -القرن الأول قبل الميلاد- الأنظمة الإغريقية الثلاثة والنظام التوسكاني في أطروحته الشهيرة «عشرة كتب في الهندسة المعمارية».

تعتمد الهندسة المعمارية على ما يسميه فيتروفيوس «الاستقامة»: كمال الأسلوب الذي ينتج عندما يقوم العمل بوضوح على مبادئ معتمدة.

اختار الإغريق أنظمة معمارية معينة لتكريم الآلهة الإغريقية. جاء في كتاب فيتروفيوس الأول: «معابد مينيرفا ومارس وهرقل هي دوركية، لأن القوة الذكورية لهذه الآلهة تجعل النعومة غير ملائمة تمامًا لمنازلهم. أما في معابد فينوس وفلورا وبروسيرباين وسبرينغ ووتر والحوريات، فسيكون للنظام الكورنيثي أهمية بالغة، لأن هذه الآلهة رقيقة، لذلك فإن الخطوط النحيلة والزهور والأوراق والزخرفة الحلزونية هي الأنسب في هذه المواضع. أما النظام الأيوني فهو الأنسب لمعابد جونو وديانا وبوخوس الأب، للحفاظ على المكانة الوسطى لهذه الآلهة، لذلك فالأنسب المزج بين قوة النظام الدوريكي ورقة الكورنيثي».

في ذروة عصر النهضة، في القرنين 15 و16، تجدد الاهتمام بالعمارة الإغريقية والرومانية، إذ تُرجمت كتب فيتروفيوس. بعد أكثر من 1500 سنة من كتاب «دي أركيتيكتورا»، تُرجم من اللاتينية والإغريقية إلى الإيطالية، وكتب المعماري الإيطالي في عصر النهضة «جياكومو دا فيغنولا» بحثًا مهمًا، شرح فيه بدقة أنظمة العمارة الخمسة الكلاسيكية، نُشر عام 1563. كان بحث جياكومو بعنوان «أنظمة العمارة الخمسة» مهمًا للبناة في أوروبا الغربية، وقد طور أساتذة عصر النهضة أنماطًا جديدًا من العمارة الكلاسيكية، مثل النمط النيوكلاسيكي المعروف اليوم، المختلفة عن أنظمة العمارالأنظمة الكلاسيكيةة الكلاسيكية الصارمة.

حتى إن لم تتبع الأبعاد والخواص بنحو صارم، توحي الأنظمة الكلاسيكية بنمط معماري معين كلما استُخدمت. إن كيفية تصميم أبنيتنا لا يختلف كثيرًا عن معابد العصور القديمة، وقد يعلمنا استعمال فيتروفيوس للأعمدة أي أعمدة نستعملها اليوم على شرفاتنا.

اقرأ أيضًا:

العمارة في عصر النهضة

عصر النهضة الإيطالي

ترجمة: علي باسم يوسف

تدقيق: حسين جرود

المصدر