أحيانًا يُستلهم اختراع جديد من الصدفة البحتة، إذ يُقال: «ما أن يُقفل بوجهك باب حتى يُفتح آخر»، ويُنسب ذلك خطأ لمخترع الهاتف ألكسندر غراهام بيل، ولكن بعبارة أخرى: حتى الإخفاق والوصول إلى طريق مسدودة قد يقود إلى اكتشاف عظيم. وإن أردت أدلة على صحة هذه الحكمة المأثورة، إليك الاختراعات السبعة أدناه التي أدهشت حتى مبتكريها.

البنسلين

لقد كان البنسلين المضاد الحيوي الأول في العالم، وحال دون ملايين الوفيات من العدوى والمرض، لكنه كان نتيجة ثانوية عرضية لمكان العمل الفوضوي، إذ عاد عالم الجراثيم ألكسندر فليمينغ إلى لندن من إجازته عام 1928 ليكتشف نمو العفن على أحد أطباق بتري في مختبره نتيجة تلوث غير مقصود، ولما تفحّصه من كثب لاحظ أن المنطقة المحيطة بالعفن كانت خالية من البكتيريا.

أطلق فليمينغ على عصارة العفن القاتلة للبكتيريا هذه اسم البنسلين، وذلك على اسم سلالة من الفطور تعرف بالمكنسية المعينة (بنسلينيوم نوتاتيوم)، ونشر ورقة بحثية حول اكتشافه هذا عام 1929، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان لهذا الًاكتشاف أي فائدة عملية إذ كان من الصعب تنقيته وجعله مستقرًا.

اطّلع كيميائيو جامعة أكسفورد في العقد التالي على أبحاث فلمينغ، واستأنفوا مشروع تحويل البنسلين إلى دواء قابل للاستعمال، واختُبر لأول مرة على مريض عام 1940، وبدأ بعدها استخدامه الواسع عام 1942، وهو حاليًا المضاد الحيوي الأكثر شيوعا في العالم.

كاشفات الدخان

يُعد كاشف الدخان اليوم مألوفًا في المنازل وأماكن العمل ما جعله غير ملفت للانتباه، لكنه اختراع أنقذ ملايين الأرواح، إذ خفّض امتلاك كاشف دخان فعال في المنزل خطر الموت بالحريق إلى أكثر من النصف، ويعود الفضل في ذلك إلى الفيزيائي السويسري والتر جيغر.

ففي ثلاثينيات القرن العشرين كان جيغر يحاول اختراع جهاز استشعار لرصد الغاز السام، وبدلًا من ذلك سجّل الجهاز الدخان المنبعث من سيجارته، وهو الاكتشاف الذي قاد إلى اختراع كاشفات الدخان الحديثة، فقد بدأ تركيب كاشفات الدخان في الأماكن الصناعية منذ الخمسينيات، لكن كلفتها العالية حالت دون انتشار استخدامها في المنازل، وفي عام 1977 بيع أكثر من 12 مليون كاشف دخان بفضل التقدم التكنولوجي الذي خفّض الكلفة كثيرًا، أما اليوم فمن كل عشرة منازل تحوي تسعة على كاشفات الدخان.

القماش اللاصق (فليكرو)

لم يتعمد المهندس السويسري جورج دي مسترال اختراع مشبك التثبيت القماشي الذي شاع استخدامه لاحقًا في المركبات الفضائية، لكنه في 1941 عاد من نزهة برفقة كلبه، فلاحظ أن كلاهما مغطى بأشواك دقيقة من نبات شوكي خشن اسمه (اللزيق-cocklebur)، ولاحظ لدى تفحصه من قرب أن أهدابه الناتئة كانت على شكل خطاطيف صغيرة التصقت بعُرى ثيابه وفراء كلبه.

بدأ بمحاولة صنع قماشه الخاص المكون من الخطاطيف والحلقات، واستغرق 10 سنوات من السعي والتجريب، وفي عام 1955 سجّل براءة اختراع الفيلكرو (الاسم الذي دمج كلمتين فرنسيتين Velours و Crochet أي المخمل والخطاف)، وخلافًا لهذا اللقب كان الاختراع مصنوعًا من النايلون.

وقد تأخر عالم الموضة في استغلال هذا الاختراع، لكن وكالة ناسا كانت السباقة في استخدامه لصنع بدلات رواد الفضاء وباقي التجهيزات داخل المركبة الفضائية، وفي الحقيقة احتضنته ناسا بشغف لدرجة أن الكثير من الناس يظنون أنه من اكتشافها. أما اليوم فيُستعمل القماش اللاصق على نطاق واسع في تصميم الملابس وأجهزة الرعاية الصحية والسيارات والطائرات، وبعد عقود من البحث نجح العلماء أخيرًا بجعله صديقًا للبيئة و قابلًا للتحلل عام 2021.

الديناميت

يشعر الكثير من المخترعين بالغبطة عقب تحقيق اكتشافاتهم غير المتوقعة، لكن اختراع الديناميت له قصة أخرى، فقد أرعب المسار غير المألوف الذي أدى إلى اكتشافه أحد مخترعيه الذي لم يرغب بأن توضع هذه المكونات المتفجرة موضع الاستعمال على الإطلاق.

اخترع الكيميائي الإيطالي اسكانيو سوبريرو النيتروغلسرين عام 1847، وذلك بجمع الغليسرول بحمضي النيتريك والكبريتيك لينتج مزيجًا متفجرًا أكثر قوة من البارود وأقل استقرارًا.

كان سوبريرو معارضًا لاستعماله، لكن زميله في المختبر ألفريد نوبل رأى إمكانية الاستفادة منه في صنع متفجرات وأسلحة مدرّة للأرباح. إذ اخترع الديناميت عام 1867 بجعل النيتروغلسرين أكثر استقرارًا بإضافة مسحوق السيليكا له، وقد تسببت التجارب قبل ذلك بتفجير معمله مرتين.

يُذكر نوبل الآن بصورة أفضل بالجائزة التي أسسها وتحمل اسمه، ولكن الثروة التي وهبها لمؤسسة الجائزة كانت قد جُمعت من بيع سلاح الحرب الذي سُجلت باسمه براءة اختراع.

قاد اكتشاف سوبريرو إلى ابتكار نوبل وهو الشيء الذي لم يتعمده وشعر بعميق الأسف بسببه، وقال عنه: «عندما أفكر بكل الضحايا الذين قُتلوا في انفجارات النيتروغلسرين ودماره المرعب الذي سيستمر غالبًا في المستقبل، فإنني أشعر بالخزي نوعًا ما لأني مُكتشفه».

مانعات تخثر الدم (الوارفارين)

يمتلئ تاريخ الابتكارات الدوائية بالاكتشافات التي حدثت صدفة، مثل الفياغرا الذي هدفه علاج ارتفاع ضغط الدم، والفاليوم الذي كان النتيجة العرضية لفشل محاولة صنع أصبغة نسيجية. لكن الوارفارين مميع الدم الشائع كان لم يُكتشف في المختبر، بل في حقل حيث كانت الماشية تموت بسبب مرض غامض.

كانت الماشية والأغنام التي ترعى تبن البرسيم الحلو المتعفن في عام 1920 تعاني نزيفًا داخليًا، وحتى الحيوانات السليمة، نزف الكثير منها حتى الموت بسبب عمليات بيطرية بسيطة. فأعلن الطبيب البيطري الكندي فرانك سكوفيلد أن التبن المتعفن يحتوي على مضاد تجلط يمنع الدم من التخثر.

وفي عام 1940 قاد عالم الكيمياء الحيوية كارل لينك فريقًا من علماء من جامعة وسيكنسون لعزل المركب المانع للتخثر في التبن المتعفن، وسُجلت براءة اختراع مشتق فعال من المركب باسم الوارفارين (وذلك تكريمًا لمؤسسة أبحاث خريجي جامعة وسيكنسون WARF التي مولت تطويره).

استُعمل الوارفارين سمًا للجرذان قبل علاج النوبات القلبية والسكتات الدماغية والجلطات الدموية، ففي عام 1948 أُجيز استعماله مبيدًا للقوارض بينما تأخر استعماله في العلاجات السريرية حتى منتصف الخمسينيات، وكان الرئيس دوايت أيزنهاور من أوائل المرضى الذين عولجوا به إثر النوبة القلبية التي أُصيب بها عام 1955.

أعواد الثقاب

وفقًا لتشارلز داروين كان اكتشاف النار هو الإنجاز البشري الأكثر أهمية بعد اختراع اللغة، وقد استمرت محاولات تطويرنا لطرائق إشعالها وقتًا طويلًا، فقبل ابتكار الثقاب الاحتكاكي استُخدم الصوان والصلب أو المثقاب اليدوي (تحريك عصا مغزلية مدببة داخل حفرة خشبية)، وكانت كلتا الطريقتين تحتاجان جهدًا كبيرًا.

اعتمد الثقاب بداية على المواد الكيميائية، ومن الأمثلة ثقاب بروميثوس 1829، وهو عبارة عن قارورة زجاجية تحوي حامض الكبريتيك ملفوفة في ورقة تُشعَل بسحق الزجاجة، وفي نفس الفترة كان الصيدلاني البريطاني جون والكر يجري تجاربه على المواد الكيميائية، وعندما حكّ بالصدفة عصًا مغلفة بجدار موقده اشتعلت بها النيران ما ألهمه فكرة جديدة، وفي عام 1827 بدأ يبيع ثقاب كونغريفز في صيدليته الذي أسماه تيمنًا بأحد مخترعي الصواريخ.

لقد كان ثقاب والكر عبارة عن عصا من الورق المقوى مغلفة بمزيج من كلورات البوتاسيوم وكبريتيد الأنتيمون التي كانت تشتعل فور حكّها بقطعة من ورق السنفرة، ومع أن اختراع والكر أصبح شائعًا على الفور، فقد قرر ألّا يسجل براءة اختراع، ونتيجةً لذلك بدأ آخرون بتقليد تصميمه وبيع منتجاتهم ما حجب دوره بوصفه المخترع، ولكن بعد وفاته عام 1859 اعتُرِف بفضله بوصفه مخترع أول عود ثقاب احتكاكي.

كوكاكولا

كان تاريخ المشروبات الغازية الشهيرة بكوكاكولا حافلًا بالغرابة، ففي 1866 كان الصيدلاني الأمريكي جون بيمبرتون يحاول صنع مسكّن للألم بعد تعرضه لإصابة شديدة في الحرب الأهلية جعلته مدمنًا على المورفين، فكان يأمل بكبح ذلك باختراع بديل فعال خالٍ من الأفيون، فاحتوى منتجه الأول باسم نبيذ بيمبرتون الفرنسي مع الكوكا على الكحول مع أوراق نبتة الكوكا (التي تحوي الكوكائين) إضافة إلى جوز شجرة الكولا الغني بمادة الكافيين المنشطة.

كان نبيذه الفرنسي رائجًا إلى أن سادت حركة الاعتدال المناهضة للكحول في ولاية جورجيا عام 1886، فكان عليه تطوير بديل خالٍ من الكحول، فاستبدل النبيذ بشراب السكر، وبينما كان يتلاعب بالصيغة خلط مزيجه صدفة بماء مكربن، وقرر بعد تذوقه تسويق شرابه بوصفه مشروبًا فوارًا لا بوصفه علاجًا، وأسماه كوكاكولا على اسم مكوناته.

لسوء الحظ ساءت صحة بيمبرتون وزاد اعتماده على المورفين، ومات فقيرًا بعد سنتين فقط من اختراعه، وبحلول ذلك الوقت كان قد باع أسهمه لشريكه التجاري آسا غريغز كاندلر الذي حول كوكاكولا إلى واحدة من أكثر الشركات نجاحًا في أمريكا. وتجدر الإشارة أننا لا نجد المكونات اﻷولى في الوصفة الحديثة.

اقرأ أيضًا:

ستة اختراعات من زمن الحرب العالمية الثانية غيرت العصر الحديث

اختراعات يونانية قديمة

ترجمة: مرهف علم الدين

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر