يواجه الجميع أوقاتًا عصيبة وأخرى سعيدةً، وتُعد تقلبات المزاج أمرًا طبيعيًا وليست خارجةً عن المألوف. ولكن عند الأشخاص الذين يعانون اضطراب ثنائي القطب، فإن التغيرات الشديدة في المزاج مشكلة مختلفة تمامًا.

تقول عالمة النفس لورين ألكساندر: «يوجد فرق كبير بين اضطراب ثنائي القطب وتقلبات المزاج اليومية، فالأشخاص الذين يعانون اضطراب ثنائي القطب تكون لديهم نوبات الاكتئاب والهلوسات أكثر حدةً وتؤثر في حياتهم اليومية كثيرًا، مقارنةً مع تقلبات المزاج التي تحدث طبيعيًا ويشعر بها الجميع».

اضطراب ثنائي القطب هو حالة صحية نفسية مزمنة تسبب تغيرات جذرية في المزاج وتؤثر في مستويات الطاقة والسلوك. ولهذه الحالة تسميات أخرى مختلفة، مثل أمراض الهوس الاكتئابي أو الاكتئاب الهَوَسي.

توجد أربعة أنواع من الاضطراب ثنائي القطب:

  •  اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول.
  •  اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني.
  •  اضطراب دوروية المزاج.
  • الاضطرابات ثنائية القطب الأخرى المحددة وغير المحددة والاضطرابات ذات الصلة.

تُعد اضطرابات ثنائية القطب من النوع الأول والثاني أكثرها شيوعًا.

اضطراب دوروية المزاج هو نوع خفيف من اضطراب ثنائي القطب المتعارف عليه، لكن يظهر مع أعراض أقل حدة. وتتشابه أعراض اضطراب ثنائي القطب غير المحدد مع الأنواع الأخرى المختلفة من اضطرابات ثنائي القطب. ولكن في كلتا الحالتين، قد لا تظهر لدى المرضى أعراض الإصابة باضطراب ثنائي القطب جميعها.

سُئلت الدكتورة ألكساندر عن اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول والثاني وكيف تتشابه هذه الحالات وكيف تختلف؟

ما اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول؟

يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول نوبات شديدة ودائمة من الاكتئاب والهوس. ولكن ما بين حالة الاكتئاب والهوس؛ يدخل المريض بحالة معروفة باسم «حسن المزاج الطبيعي» (euthymia) التي تشمل تحسنًا في طاقة الحياة والمشاعر والعواطف. وهذه الحالة تحدث في كل من اضطرابي ثنائي القطب من النوع الأول والثاني.

تقول الدكتورة ألكساندر: «يدخل كل شخص في دورة من هذه الحالات بطريقة مختلفة عن الآخر. فبعض الناس يتنقلون بسرعة من مرحلة الاكتئاب إلى الهوس ولا يدخلون في حالة حسن المزاج. على عكس الآخرين الذين يدخلونها لبعض الوقت. إن اضطراب ثنائي القطب متغير جدًا بالنسبة لتسلسل هذه الدورة».

يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول فترات اكتئاب تستمر مدة أسبوعين على الأقل، ونوبة واحدة من الهوس تستمر مدة أسبوع وقد تتطلب دخول المستشفى.

يضيف الدكتور ألكساندر: «إن الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول غالبًا ما يجدون صعوبةً في الحفاظ على علاقاتهم المهمة أو الاستمرار في العمل بسبب اضطراب حالتهم النفسية».

مرحلة الاكتئاب في اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول

يعاني الأشخاص في هذه المرحلة سوء المزاج، وفقدان الاهتمام بمعظم الأنشطة، والشعور بأنهم عديمو القيمة، وتغيرات سلبية في المزاج والسلوك. يختلف الاكتئاب عن الشعور بالإحباط أو الحزن، فهو حالة مستمرة قد تكون منهكة.

يقول الباحثون: «إن الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب يقضون وقتًا أطول في مرحلة الاكتئاب مقارنةً مع مرحلة الهوس أو الهوس الخفيف».

مرحلة الهوس في اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول

إضافةً إلى نوبات الاكتئاب، يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب نوبات متكررةً من الهوس.

الهوس هو حالة يكون فيها المزاج مرتفعًا للغاية ومستوى طاقة الجسم عاليًا. قد يبدو الشخص مبتهجًا أو سريع الانفعال أو مندفعًا. قد يجعل الهوس الناس يشعرون بأنهم لا يُقهَرون. قد يشارك الأشخاص الذين يعانون الهوس في سلوكيات مليئة بالمخاطر، مثل المقامرة أو القيادة بتهور أو إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات غير المشروعة.

أيضًا، قد يواجه الشخص في مرحلة الهوس انفصالًا عن الواقع (الذهان). إذ قد تكون لديه أوهام غريبة؛ مثل الاعتقاد بأن الحكومة تراقبه أو رؤية أو سماع أشياء غير موجودة. قد يكون لدى بعض الأشخاص الذين يعانون الهوس ثقةً كبيرةً بالنفس ويعتقدون أنه بإمكانهم الانضمام إلى الدوري الأميركي لمحترفي كرة السلة NBA مع عدم وجود خبرة سابقة أو معرفة بقواعد كرة السلة. أو قد يعتقدون أنهم يستطيعون اكتشاف علاج للسرطان، مع أنهم لا يملكوا أي تدريب طبي أو علمي.

قد تكون أعراض الهوس خطيرةً ومهددةً للحياة. غالبًا ما يدخل الأشخاص الذين يعانون الهوس إلى المستشفى خلال نوبة الهوس. وذلك لأن الهوس قد يزيد من احتمالية الانخراط بالسلوكيات الخطرة التي تؤدي إلى الإصابة بالأذى. أحيانًا، قد ينخرط الأشخاص الذين يعانون الهوس في أعمال غير قانونية ويُنقلوا إلى المستشفى بعد القبض عليهم. في بعض الحالات، يساعد الأصدقاء والعائلة أحبائهم المصابين بالهوس عبر تشجيعهم لالتماس العناية الطبية الطارئة بسبب أفكارهم أو سلوكياتهم غير العقلانية.

ما اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني؟

في عام 1994، أصبح تشخيص اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني منفصلًا عن الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول. يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني نوبات اكتئاب تستمر مدة أسبوعين على الأقل، ولكنهم لا يعانون الهوس. وبدلًا من ذلك، فإنهم يعانون فقط نوبات الهوس الخفيف. كما هو الحال مع الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول، قد يدخل المرضى حالة حسن المزاج الطبيعية في أثناء دورة المرض بين حالات الاكتئاب والهوس الخفيف. أو في بعض الحالات قد لا يدخلون في هذه المرحلة.

قد يحصل الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني على عمل ثابت ويحافظون على علاقات صحية طويلة المدى مقارنةً مع الأشخاص المصابين بالنوع الأول.

مرحلة الاكتئاب في اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني

يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب النوع الثاني نوبات اكتئاب تستمر اسبوعين على الأقل. وتكون نوبات الاكتئاب مزمنة أو منهكة مقارنة مع النوبات من النوع الأول.

مرحلة الهوس الخفيف في الاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني

لا يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني نوبات الهوس الكبيرة. بدلًا من ذلك، فإنهم يعانون دورات من الاكتئاب والهوس الخفيف.

تشبه نوبات الهوس الخفيف نوبات الهوس الشديد ولكنها ليست خطرة. قد يشعر الشخص بالنشاط أو السعادة أو الإثارة بطريقة غير طبيعية. قد يعاني الأشخاص المصابون بالاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول نوبات من الهوس الخفيف، إضافةً إلى الاكتئاب والهوس الشديد.

إن الأشخاص الذين يعانون الهوس الخفيف لا تظهر عليهم أعراض الذهان؛ مثل الأوهام أو الهلوسة. وقد يخاطرون أو يتخذون قرارات متسرعة، ولكنهم لا يصلوا لمرحلة نوبة الجنون. على سبيل المثال، قد يستثمرون تجاريًا بتهور، أو يشترون الكثير من المنتجات عديمة النفع دون سبب واضح، أو يعيدون طلاء منزلهم بالكامل.

قد تكون نوبات الهوس لدى الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول خطيرةً جدًا وواضحة. من ناحية أخرى، لا تحدث نوبات الهوس الخفيف في العادة كثيرًا. قد لا يلاحظ البعض أنها موجودةً أو أنها تشكل عبئًا على حياتهم؛ لذا فهم لا يلجؤون إلى الطبيب للعلاج. غالبًا ما يتشابه تشخيص اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني بالاكتئاب، وعند البدء بظهور الأعراض قد يدفعهم ذلك لالتماس العناية الطبية.

علاج اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول والثاني

يؤثر اضطراب ثنائي القطب في حياة الأشخاص بجميع أنواعه. ولكن قد يساعد العلاج في تحسين نمط الحياة. عادةً، يُعالَج اضطراب ثنائي القطب بمزيج من العلاج النفسي لدى مختص وبالأدوية.

من الشائع أن يواجه الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب صعوبة في الالتزام ببرنامج العلاج. خصوصًا خلال فترات الهوس أو الهوس الخفيف، فقد يعتقد الشخص بأنه ليس بحاجة إلى علاج.

تقول الدكتورة ألكساندر:«عندما يدخل المريض مرحلة الهوس قد يقول «هذا رائع، ربما لست بحاجة إلى الدواء بعد الآن لأنني أصبحت بحالة جيدة»، ولكن أحيانًا يكون الأشخاص أكثر عرضةً للإصابة بأذية شديدة في نوبات الهوس».

قد يتسبب التوقف عن تناول الدواء حدوث آثار جانبية شديدة، ويؤدي إلى نوبات من الهوس والاكتئاب، لذا من المهم الاستمرار في اتباع خطة العلاج كاملة.

تشير الدكتورة ألكساندر إلى أن التفكير في الانتحار لدى الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب قد يحدث في أثناء نوبات الاكتئاب والهوس.

تقول الدكتورة ألكساندر: «قد يفكر الكثير من الأشخاص بالانتحار خلال مرحلة الاكتئاب، ولكن يجب الإشارة إلى أن حالات الانتحار شائعة أيضًا خلال مرحلة الهوس. وذلك لأن الهوس يُعزز شعور الاندفاع. وقد يشعر الناس بالبؤس الشديد في أثناء نوبة الهوس، على الرغم من مظهرهم السعيد الذي يظهرونه للآخرين».

يجب الحصول على الرعاية الفورية في المواقف الطارئة، مثل أفكار إيذاء النفس أو الآخرين أو الشعور بالهلوسة أو الأوهام.

تقول الدكتورة ألكساندر:«يجب تشجيع الأشخاص على علاج اضطراب ثنائي القطب وتوعيتهم بضرورة الالتزام مدى الحياة، وقد يستغرق الأمر وقتًا للعثور على خطة العلاج المناسبة. قد يساعد الانخراط مع مجموعات الدعم الموثوقة في الالتزام ببرنامج العلاج».

اقرأ أيضًا:

الاضطراب ثنائي القطب Bipolar disorder

دراسة تظهر علاقة بين تعاطي الماريجوانا وظهور أعراض الاضطراب ثنائي القطب

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: أسعدالأسعد

مراجعة: نغم رابي

المصدر