في حين كان العالَم يتصدى لجائحة فيروس كورونا المستجد، عمل الباحثون بجد في معهد علم الفلك في جامعة هاواي لدراسة الهالة الشمسية، التي تمثل الغلاف الجوي الخارجي للشمس ، وتمتد في الفضاء بين الكواكب.

تتكون الرياح الشمسية من تدفق الجسيمات المشحونة المشعة من سطح الشمس، وتمتد هذه الرياح لتملأ النظام الشمسي بأكمله، وتنجم خصائص الهالة الشمسية عن المجال المغناطيسي المعقد للشمس، الذي يتكون في باطن الشمس ويمتد نحو الخارج.

صور عالية الدقة للهالة الشمسية، تُظهر اللوحات العلوية الضوء المرئي (معكوس اللون)، أما اللوحات السفلية فتُظهر شكل المجال المغناطيسي، ويمكن رؤية التفاصيل الدقيقة، التي قيست كميًا للمرة الأولى، في جميع أنحاء الهالة

صور عالية الدقة للهالة الشمسية، تُظهر اللوحات العلوية الضوء المرئي (معكوس اللون)، أما اللوحات السفلية فتُظهر شكل المجال المغناطيسي، ويمكن رؤية التفاصيل الدقيقة، التي قيست كميًا للمرة الأولى، في جميع أنحاء الهالة

أجرى بينجامين بو -أحد خريجي معهد علوم الفلك- دراسةً جديدة، نُشرت في مجلة الفيزياء الفلكية، استخدم فيها ملاحظات الكسوف الشمسي الكامل، لقياس أبعاد هالة المجال المغناطيسي بدقة مكانية أعلى، وعلى مساحة أكبر من أي وقت مضى، إذ نستطيع رؤية الهالة بسهولة أكبر خلال الكسوف الكلي، أي عندما يكون القمر تمامًا بين الأرض والشمس، حاجبًا سطح الشمس المضيء.

حولت التطورات التقنية المهمة في العقود الأخيرة الكثير من التركيز إلى عمليات الرصد الفلكي للأطوال الموجية الضوئية، التي لا نستطيع الوصول إليها من الأرض، وإلى تلسكوبات الرصد الأرضية الضخمة، مثل (تلسكوب دانيال ك. إينوي الشمسي) في ماوي، ورغم هذه التطورات، فلن نستطيع دراسة بعض خصائص الهالة إلا في أثناء الكسوف الشمسي الكامل.

بناءً على ذلك، قادت شادية حبال، الخبيرة في أبحاث الهالة الشمسية، مجموعةً من (مطاردي الكسوف)، قاموا بعمليات رصد علمية لكسوف الشمس على مدار أكثر من 20 عامًا، إذ سافر فريق (أدلة الرياح الشمسية) حول العالم لملاحقة الكسوف الشمسي الكلي، ناقلين الأجهزة العلمية الحساسة على متن الطائرات والمروحيات والسيارات وحتى الخيول، للوصول إلى الموقع الأمثل. وقد أدت عمليات رصد كسوف الشمس إلى اكتشافات مذهلة، وأماطت اللثام عن بعض أسرار العمليات الفيزيائية التي تشكل الهالة.

أوضح بو: »رُصدت الهالة الشمسية في الكسوف الكلي للشمس طوال أكثر من قرن، لكن لم تُستعمل صور كسوف الشمس سابقًا لتحديد بنية المجال المغناطيسي، ولقد علمتُ أننا سنستطيع استخراج الكثير من المعلومات، من طريق تطبيق تقنيات معالجة الصور الحديثة على بيانات كسوف الشمس».

تتبَّع بو نمط توزيع خطوط الحقل المغناطيسي للهالة، باستعمال آلية التتبع التلقائي المطبقة على صور الهالات، التي التُقطت خلال 14 كسوفًا، على مدى العقدين الماضيين، وقد أتاحت هذه البيانات الفرصة لدراسة التغيرات في الهالة، خلال دورتي الشمس المغناطيسيتين، التي تستغرق كل منها 11 عامًا.

وجد بو أن نمط خطوط هالة المجال المغناطيسي منتظمة بدقة، إذ تظهر بنية هذه الخطوط ضمن مقاييس الحجم التابعة لحدود دقة الكاميرات المستعملة في عمليات الرصد، وقد رأى أن النمط يتغير بمرور الوقت، ولقياس هذه التغيرات، قاس زاوية المجال المغناطيسي بالنسبة إلى سطح الشمس.

انطلق حقل الهالة مباشرةً تقريبًا من الشمس بالقرب من خط الاستواء والقطبين، خلال فترات النشاط الشمسي الأدنى، في حين خرج بزوايا متنوعة عند خطوط العرض الوسطى. أما خلال النشاط الشمسي الأقصى، فقد كانت هالة المجال المغناطيسي أقل انتظامًا بكثير، وأكثر إشعاعًا.

علق بو قائلًا: »توقعنا حدوث تغيرات خلال الدورة الشمسية، لكننا لم نتوقع مطلقًا مدى امتداد حقل الهالة ودقته، لذا يجب على النماذج المستقبلية شرح هذه الخصائص لنفهم هالة المجال المغناطيسي بوضوح«.

تتحدى هذه النتائج الافتراضات الحالية المستخدمة في نماذج الهالة، إذ تفترض غالبًا أن هالة المجال المغناطيسي نصف قطرية، وتتجاوز 2.5 مثل نصف قطر الشمس، وبدلًا من ذلك، وجدت النتائج أن هالة المجال غالبًا ليست نصف قطرية، حتى 4 أضعاف نصف قطر الشمس على الأقل.

يترتب على هذا العمل تأثيرات إضافية في مجالات أبحاث الطاقة الشمسية الأخرى، متضمنةً تكوين الرياح الشمسية المؤثرة في مجال الأرض المغناطيسي، ويمتد تأثيرها إلى الأرض، فقد تسبب انقطاع التيار الكهربي مثلًا.

قال بو: »تُعَد هذه النتائج ذات أهمية خاصة في تشكل الرياح الشمسية، إذ تُظهر أن الأفكار الرائدة حول نموذج تشكل الرياح الشمسية ليست مكتملة، لذلك نستطيع تحسين قدرتنا على توقع الطقس الفضائي ومقاومة مخاطرة».

يخطط الفريق لرحلات الكسوف الشمسي المقبلة، ومن المقرر أن تكون الرحلة القادمة إلى أمريكا الجنوبية، في شهر ديسمبر من هذا العام.

اقرأ أيضًا:

ما هي الرياح الشمسية؟

كيف أكد الكسوف الكلي للشمس صحة نظرية آينشتاين قبل مئة سنة ؟

ترجمة: حمزة البدارنة

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر