العصبونات البندولية – تخيّل أن جسمك بكل فعالياته له صلة بالدماغ عبر الجهاز العصبي! الآن تعال معي لندخل إلى مسرح الدماغ لنرى ما الذي يحصل بداخله؟ يوجد داخل هذا المسرح موسيقيون وحضور؛ عندما يبصر الموسيقي الحضور كاملًا فأنه يستعد لبدء العزف، يوجد دائمًا قائد للفرقة يُنظم عزف الموسيقيين، يوقفهم أو يعطيهم الأوامر متى وكيفما يريد، فمثلًا يخبرهم بأن يكرروا صوتًا معينًا لمرات عدة أو يسكتوا.

الآن لنتعرف على الأشخاص الحقيقيين في مسرح الدماغ:

الحضور هم الإشارات الكهربائية ((electrical signals، أما الموسيقيون فهم الخلايا العصبية (Neurons)، وعزف الخلايا العصبية هو تولّد جهد كهربائي داخلها (Action potential) وذلك عند استلامها للإشارات الكهربائية. لكن من يلعب دور القائد للموسيقيين؟

كان الاعتقاد السابق أن الخلايا العصبية تولد إيقاعًا تردده 40 دورة في الدقيقة، تُسمى بإيقاعات غاما، ومقابل كل دورة يتولد جهد كهربائي يحفز الخلايا العصبية. لكن ما اكتُشف قبل أيام من قبل علماء الأعصاب في جامعة براون أن من يقوم بهذا الدور ليس إيقاعات غاما بل خلايا أخرى هي العصبونات البندولية (Metronome Neurons) وهذه الخلايا أيضًا لها إيقاعات بتردد 40 دورة في الدقيقة.

إذن ما الاختلاف بينهما؟ وكيف اكتشفوا خطأ الفرضية السابقة؟

لم ينوِ كل من كريس مور عالم الأعصاب في جامعة براون وطالبة الدكتوراه هيونغ شين دراسة شيء يدعى العصبونات البندولية؛ بل أرادا فقط دراسة تأثير الإحساسات على إيقاعات غاما. استخدمت شين آلة دقيقة لتحريك شوارب القوارض ببطء مع تسجيل نشاط العصبونات في منطقة الإحساس الخاصة بالشوارب في الدماغ. ما كان مميزًا في بحثهما أنهما نظرا إلى نشاط الخلايا بشكل منفصل بدلًا من حساب معدل النشاط العصبي الكلي.

عند النظر الى الأعصاب بشكل منفرد وجدا ثلاثة أنواع من الأعصاب:

النوع الأول، أعصاب تنشطت بصرف النظر عن لمس الشوارب أو عدمه وهذه تجاهلها العلماء السابقون ولكن اتضح أنها خلايانا الجديدة. أما النوعان الآخران تنشطا بشكل عشوائي؛ إذ أن بعضها تغيرت مع لمس الشوارب وأخرى لا. بالإضافة إلى ذلك وجدت شين أن العصبونات البندولية في منطقة اللمس من الدماغ كانت متزامنة مع بعضها؛ أي أن جميعها بإيقاع موحد.

لكن ما الأمر الغريب الذي جعلهم يستبدلون العصبونات البندولية بإيقاعات غاما؟

الفرق الدقيق أن العصبونات البندولية لا تتأثر بالإحساسات الخارجية على العكس من إيقاعات غاما التي تؤثر عليها الإحساسات مسببة زيادة تردداتها مع زيادة هذه الإحساسات؛ أي أنها لا تنظِّم بل تُنظَّم؛ هذا يجعل العصبونات البندولية أَولى بتنظيم نشاط بقية العصبونات.

كخطوة أخرى، يعتزم كل من مور وشين دراسة أمور مثل وجود العصبونات البندولية في كل من البدائيات والإنسان، هل هي موجودة في أماكن أخرى من الدماغ؟ وهل يمكن التحكم بها من خلال الهندسة الجينية من أجل زيادة إحساس القوارض؟

كما ويظل السؤال قائمًا حول آلية تنظيم هذه العصبونات البندولية لنشاط الخلايا العصبية الاخرى.

على الرغم من الاكتشاف الحديث لها، فيمكن للعصبونات هذه أن تدخل ضمن دراسة العديد من الأمراض مثل التوحد، والشيزوفرينيا، وفرط الحركة، وتشتت الانتباه لدى الأطفال، من الممكن فهم هذه الأمراض كنتيجة لخلل في هذه العصبونات البندولية. وهذه النتائج تحتاج الى أبحاث أعمق في هذا المجال.

دُعم البحث من قبل المعاهد الوطنية للصحة (منحة R01NS045130) ومعهد كارنيي لعلوم الدماغ والزمالة من برنامج فولبرايت.

اقرأ أيضًا
https://ibelieveinsci.com/?p=55596
بمساعدة ربع مليون من محبي ألعاب الفيديو، اكتشاف ستة أنواع جديدة من الخلايا العصبية

ترجمة: جعفر قيس
تدقيق: علي قاسم
مراجعة: براءة ذويب

المصدر