درسنا في طفولتنا أن العالم له ثلاثة أبعاد فيزيائية. هذا صحيح، في حالات كثيرة، لكنه يتجاهل شيئًا مذهلًا للغاية، العالم الغريب ثنائي الأبعاد من المواد النانوية، مثل الجرافين، المادة المدهشة.

تعتبر المواد الذرية -المواد التي لا يتجاوز سمكها ذرة واحد- مواد ثنائية الأبعاد وموجدة في بعدين، لكن الجرافين وأشباهه من المواد ذات الطبقة الواحدة تعتبر ثلاثية الأبعاد، أي موجودة في أبعادٍ ثلاثة، حتى وإن كان سمكها لا يتجاوز الذرة الواحدة، وهيكليته تلك تضفي عليه جميع أنواع القوى الغربية.

وُجدت في الجرافين قوة هائلة جدًا، وأيضًا له قابلية توصيل عاليةً جدًا، وتصبح الأمور أكثر غرابةً عندما يُكوّن الجرافين صداقات، فوجود صفائح مكدسة من الجرافين -المادة ثنائية الأبعاد- على صورة شطيرة ثلاثية الطبقات، كشف نوعًا نادرًا من الحوامل المغناطيسية.

في دراسة جديدة بقيادة الفيزيائيين من جامعة كامبريدج، أنتج العلماء التأثير المغناطيسي نفسه من مادة مختلفة ثنائية الأبعاد تسمى ثلاثي سلفيد فسفور الحديد (FePS3).

رسم توضيحي للبنية المغناطيسية لثلاثي سلفيد فوسفور الحديد (FePS3)، وهي مادة ثنائية الأبعاد تخضع للانتقال من عازل إلى معدن عند ضغطها.

رسم توضيحي للبنية المغناطيسية لثلاثي سلفيد فوسفور الحديد (FePS3)، وهي مادة ثنائية الأبعاد تخضع للانتقال من عازل إلى معدن عند ضغطها.

ثلاثي سلفيد فسفور الحديد FePS3 ليس مثل الجرافين -الذي يتكون من طبقة واحدة من ذرات الكربون- ولكن غالبًا ما يطلق عليه اسم «الجرافين المغناطيسي»، بسبب قدراته الغامضة ذات الأبعاد والطبقات الرقيقة جدًا.

وجدت دراسةٌ سابقة أجراها بعض الباحثين أنه عند تعرض الطبقات المهشمة من FePS3 إلى مستوى ضغط عالٍ، فإن المادة تتحول من عازلة، تعوق تدفق الإلكترونات، إلى حالة معدنية موصلة للإلكترونات.

لكن الباحثين لم يفهموا تحديدًا ما وراء السلوك المغناطيسي لهذا «الجرافين المغناطيسي» تحت الضغط، كما كان من المتوقع أن تتوقف الخصائص المغناطيسية لـ FePS3 في الحالة المعدنية.

وعبر عالِمُ فيزياء الكم ماثيو كوك: «يبقى اللغز محيرًا، مع وجود المغناطيسية».

«عدم وجود تقنيات تجريبية قادرة على فحص الآثار المغناطيسية في هذه المادة تحت ضغط عالٍ جدًا أوجب على فريقنا الدولي أن يطور التقنيات الجديدة ويختبرها، لجعلها ممكنة».

وفقًا للبحث الجديد، FePS3 يحتفظ بخصائصه المغناطسية تحت ضغط عالٍ للغاية، بسبب نوع من المغناطيسية المكتشفة حديثًا التي ما تزال موجودة خلال المرحلة المعدنية.

يوضح الباحث والفيزيائي البارز سيدهارت ساكسينيا، رئيس فريق في مختبر كافنديش في كامبريدج: «لدهشتنا، وجدنا أن المغناطيسية ما تزال باقية وتزداد قوة، على عكس المتوقع، لأن الإلكترونات الحديثة التي تجوب بحرية في مادة موصلة حديثًا لا يمكن أن تظل حبيسة ذرات الحديد الأم، ما يولد لحظات مغناطيسية هناك ما لم يكن التوصيل آتيًا من مصدر غير متوقع».

في حين أننا لم نحصل بعد على جميع الإجابات على ما يحدث هنا، خلال الضغط، يبدو أن دوران الإلكترونات في المادة هو مصدر المغناطيسية، ويمكن ضبطها اعتمادًا على مقدار الضغط الذي يتعرض له FePS3.

تتناقض النتائج مع الملاحظات السابقة حول كيفية تصرف هذه المواد، لكن تشير المفاجآت الموجودة هنا إلى أننا قد نكون قادرين على تعديل الجرافين المغناطيسي وأمثاله أكثر من ذلك، يُحتمل العثور على المواد التي تدعم التوصيل الفائق، بسبب هذه الأشكال الغريبة من المغناطيسية التي لم نفهمها بعد.

تقول ساكسينا: «نحن لا نعرف بالضبط ما يحدث على المستوى الكمي، ولكن في نفس الوقت، يمكننا التعديل عليه. إنها مثل المجهولات الشهيرة. لقد فتحنا بابًا جديدًا لخصائص المعلومات الكمومية، ولكننا لا نعرف بعد ماهية تلك الخصائص».

اقرأ أيضًا:

خاصية فريدة للجرافين توفر طاقة نظيفة لا محدودة

التمويه بالمواد الكمومية قد يخفيك عن كاميرات الأشعة تحت الحمراء!

ترجمة: محمد أيمن زيدان

تدقيق: محمد أبو دف

المصدر