ما اعتقدنا أنه قد يمثل عملية الإخماد في تشكل النجوم لا يبدو الآن أنه كذلك! تشير بيانات جديدة من تلسكوب هابل الفضائي إلى أن التدفق المادي الفلكي القوي والرياح النجمية المتدفقة من النجوم الصغيرة لا يُتوقع امتلاكها تأثيرًا لإخماد عملية النمو النجمي، ما يمثل معضلةً كبيرة لنماذجنا الخاصة بتكوين النجوم.

تُعد ولادة النجم عملية طويلة جدًا بالنسبة إلى المقاييس الزمنية البشرية، الأمر ليس كأن بإمكاننا الجلوس ومشاهدة تشكل نجم صغير منذ البداية حتى اكتماله، ما يمكننا فعله هو العثور على مجموعة من النجوم في مراحل مختلفة من عملية التشكل، وترتيب المراحل كأحجية.

يتضمن النموذج الأكثر شيوعًا المراحل التالية: أولًا، عليك البدء بمجموعة كثيفة جدًا من المواد في سحابة من الغاز الجزيئي بين النجمي البارد.

بتوافر الكثافة الكافية، ينهار تكتل المواد إثر جاذبيته ليشكل نجمًا أوليًا، ويبدأ بالدوران، ما يسبب تشكل المادة الموجودة في السحابة المحيطة في قرص يتدفق إلى النجم المتنامي، مثل تدفق الماء في المصرف، بقوة جذب هائلة لا يمكن إيقافها.

30% فقط من كتلة السحابة الأولية ينتهي بها المطاف في النجم.

حتى الآن، كان تفسيرنا أنه مع نمو النجم، يبدأ بإنتاج رياح نجمية قوية، إضافةً إلى تفاعل المادة التي يجذبها النجم مع مجاله المغناطيسي، وتتدفق على طول خطوط المجال المغناطيسي إلى القطبين، إذ تُدفع في الفضاء على شكل نفثات بلازما قوية.

يؤدي الدفع الخارجي المشترك لهاتين القوتين، ما يُعرف باسم التغذية النجمية الراجعة، إلى نحت تجويف أكبر في السحابة الجزيئية حول النجم، ما يحرمه المواد اللازمة لمزيد من النمو، وتحديد الكتلة النهائية للنجم، أو هذا ما اعتقدناه.

في دراسة أجريت على 304 نجم أولي في منطقة سحابة الجبار الجزيئية، لم يجد علماء الفلك أي دليل على أن تجاويف التدفق الخارجي تنمو بثبات مع نمو النجم بسرعة.

قال الفلكي نولان هابل من جامعة توليدو: «في أحد نماذج التكوين النجمي، إذا بدأت بتجويف تدفق خارجي صغير، إذ يصبح النجم الأولي أسرع نموًا، فإن التدفق الخارجي له يخلق تجويفًا أكبر باستمرار، حتى يتسرب الغاز المحيط به في النهاية، تاركًا نجمًا منعزلًا».

«تشير بياناتنا إلى عدم وجود نمو تدريجي، من ثم فإن التجاويف لا تنمو حتى تدفع كل الكتلة في السحابة. لذلك، لا بد من وجود عملية أخرى تتخلص من الغاز الذي لا ينتهي به المطاف في النجم».

تطلبت الدراسة بيانات من عدة تلسكوبات. أجرى مرصد هيرشل الفضائي ومقراب سبيتزر الفضائي عمليات مسح لسحابة أوريون الجزيئية، لوضع مرجع لمئات النجوم الأولية، بناءً على ضوء هذه النجوم في عمليات المسح، رتب هابل وفريقه النجوم الأولية حسب العمر.

بعد ذلك، رصد الفريق منطقة السحابة المحيطة بالأشعة القريبة من تحت الحمراء باستخدام تلسكوب هابل الفضائي.

لا يخترق الضوء المرئي سحابة نجم أولي، لكن الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء يمكنها ذلك، إضافةً إلى أن عمليات رصد الأشعة تحت الحمراء تشكل أداة ممتازة لإلقاء نظرة من كثب على المناطق المليئة بالسحب.

في هذه الحالة، ينعكس ضوء النجم المتشكل عن حدود التجويف، ما يتيح لعلماء الفلك تحديد حجمه.

اكتشاف غير متوقع لمرصد هابل يغير فهمنا لآلية تشكل النجوم - بيانات جديدة رصدها العلماء من تلسكوب هابل الفضائي - التدفق المادي الفلكي

نتج عن هذا العمل الشاق مرجع للنجوم الأولية وتجاويفها، مصنفةً حسب العمر، واتضح أن النجوم الأولية الأكبر عمرًا لا تحتوي على تجاويف أكبر.

قال الفلكي توم ميغيث من جامعة توليدو: «وجدنا في نهاية مرحلة النجم الأولي، إذ يكون النجم قد جمع معظم الغاز من السحابة المحيطة به، أنه ما زال يوجد عدد من النجوم الشابة تمتلك تجاويف ضيقة إلى حد ما».

«هذه الصورة التي لا تزال شائعة حول ما يحدد كتلة النجم وما يوقف تدفق الغاز هو أن تجويف التدفق الخارجي المتزايد يسرب كل الغازات، ما يُعد شرطًا أساسيًا لنموذجنا حول آلية تشكل النجوم، لكن لا يبدو أنها تناسب بياناتنا».

مع احتمال أن الرياح النجمية و التدفق المادي الفلكي يؤدي دورًا في تكوين النجوم، فإن هذا الدور لا يبدو أساسيًا كما كنا نعتقد، وربما كان للتدفقات الخارجية الأبطأ والأكثف دور مشابه، لكنها تستغرق وقتًا أطول لطرد التجويف. لا يمكن التحقق من ذلك دون المزيد من عمليات الرصد، ما سيمثل خطوتنا التالية.

لا شك أن علماء الفلك سيتطلعون أيضًا إلى نمذجة ومحاكاة تشكل النجوم، لمحاولة تحديد الآليات الأخرى التي قد تؤدي إلى وقف النمو بمساهمة أقل بكثير من التغذية النجمية الراجعة.

اقرأ أيضًا:

هل تكتسب الأرض والمجموعة الشمسية ومجرة درب التبانة كتلةً أم تفقدها؟

كيف تتشكل النجوم ؟

اكتشاف تلسكوب هابل يشير إلى مشكلة خطيرة في فهمنا للمادة المظلمة

ترجمة: حمزة البدارنة

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر