هل اقشعر بدنك يومًا وشعرت بأن شخص ما يُراقبك، وإذا بك تستدير لترى كل شيء في مكانه؟ يعتمد الأمر على مكانك في العالم. ربما لم تتخيل أبدًا أن يكون ذلك حقيقيًا، أن تستشعر مليارات الأشياء وجودك كل يوم. إنها في كل مكان، متخفية غير بعيدة عن ناظريك، داخل التلفاز والثلاجة والسيارة والمكتب! تعرف هذه الأشياء عنك أكثر مما تتخيل، بل ينقل العديد منها معلوماتك عبر الإنترنت!

تمثل التطبيقات والخدمات النافعة التي أحدثتها الهواتف الذكية ثورةً، لكنّ المقابل كان باهظًا: التطفل وفقدان الخصوصية. مع انتشار الإنترنت إلى المنازل والمكاتب والمدن، أصبحت الخصوصية مهددة أكثر من أي وقتٍ مضى.

إنترنت الأشياء

صُمِمت أجهزتك وسيارتك ومنزلك لجعل حياتك أسهل، ولأتمتة المهام التي تؤديها يوميًا: فتح الإنارة عند دخول الغرفة وغلقها عند الخروج منها، وتذكيرك بأن الطماطم على وشك أن تفسد، وضبط درجة حرارة المنزل حسب الطقس خارجًا وحسب تفضيلات كل فرد من عائلتك.

لممارسة مهامها على هذا النحو المبهر، تستخدم تلك الأجهزة الإنترنت للدعم وربط البيانات. دون دعم الإنترنت، يمكن منظم الحرارة الذكي جمع البيانات عنك، لكنه لن يتوقع الطقس، فما بجعبته لا يكفي لمعالجة جميع المعلومات لتحديد الخطوة التالية.

ليست الأجهزة المنزلية وحدها التي تتصل بالإنترنت. أصبحت أماكن العمل ومراكز التسوق والمدن مؤتمتة وذكية، وللأجهزة الذكية في تلك الأماكن بعض المتطلبات المتشابهة.

يُستخدم إنترنت الأشياء بالفعل على نطاق واسع في النقل والخدمات اللوجستية والزراعة وأتمتة الصناعة. كان 22 مليار جهاز متصل بالإنترنت قيد الاستخدام حول العالم عام 2018، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى أكثر من 50 مليار بحلول عام 2030.

ما تعرفه هذه الأشياء عنك

تجمع الأجهزة الذكية مجموعة كبيرة من البيانات حول مستخدميها. فكاميرات المراقبة ووسائل الأمان الذكية هي في الواقع كاميرات وميكروفونات موزعة في منزلك، تجمع معلومات الفيديو والصوت حول وجودك وأنشطتك.

تستخدم أشياء مثل أجهزة التلفزيون الكاميرات والميكروفونات للتجسس على المستخدمين، وتتابع المصابيح الذكية نومك ومعدل ضربات القلب، وتتعرف المكانس الكهربائية الذكية على الأشياء الموجودة في منزلك وتحفظ كل شبر منه.

أحيانًا، تُسَوق خاصية المراقبة تلك بوصفها إحدى الميزات. مثلًا، يمكن لبعض أجهزة الراوتر أن تجمع معلومات عن أماكن وجود المستخدمين في المنزل، بل تنسق مع الأجهزة الذكية الأخرى لاستشعار حركة الأفراد.

يزعم المصنعون أن أنظمة اتخاذ القرار مؤتمتة وأنه ليس لبشر أن يطلع على بياناتك، لكن ليس هذا هو الحال دائمًا. يستمع العاملون بشركة أمازون مثلًا إلى بعض المحادثات مع أداة أليكسا. ويتولون مهمة تدوين المحادثة واستخراج الملاحظات قبل إدخالها في أنظمة اتخاذ القرار الآلية.

الحد من الوصول إلى البيانات الشخصية لأنظمة صنع القرار الآلي قد يعطي نتائج غير مرغوبة. وقد تكون أي بيانات خاصة شاركتها يومًا عبر الإنترنت عرضة للاختراق والسرقة، فقط قلة من الأجهزة المتصلة بالإنترنت حول العالم تُعد آمنة.

اعرف عدوك

في حالة بعض الأجهزة مثل مكبرات الصوت الذكية أو الكاميرات، بوسع المستخدم وقف تشغيلها حفاظًا على الخصوصية. لكن حتى مع كون هذا خيارًا ممكنًا، فإن فصل الأجهزة عن الإنترنت يحد من نفعها.

وليس ذلك خيارًا عندما تكون في مكان العمل أو مراكز التسوق أو المدن الذكية، فقد تكون عرضة للخطر وإن لم تمتلك أجهزة مماثلة.

بوصفك مستخدمًا، من المهم اتخاذ قرار حكيم، بالمفاضلة بين الخصوصية والراحة عند استخدام جهاز متصل بالإنترنت.

ليس الاختيار بهذه البساطة

أظهرت الدراسات أن من يمتلكون أدوات مساعدة شخصية بمنزلهم الذكي لا يحيطون علمًا بكم البيانات التي تجمعها الأجهزة، ومكان تخزين تلك البيانات، ومن يمكنه الوصول إليها.

سنّت حكومات عدة دول قوانين لحماية الخصوصية، لمنح الأشخاص مزيد من التحكم في بياناتهم، مثل النظام الأوروبي لحماية البيانات، وقانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا.

يمكنك مثلًا إرسال طلب وصول إلى موضوع البيانات إلى المنظمة التي تجمع بياناتك من أي جهاز متصل بالإنترنت. يتعين على المنظمات الاستجابة للطلب تحت مظلة القضاء في غضون شهر، لشرح أي نوع من البيانات تختص بجمعه وكيف تُستخدم تلك البيانات داخل المنظمة وهل تشاركها مع طرف ثالث.

إنقاذ ما تبقى من الخصوصية

اللوائح خطوة مهمة، ومع ذلك من المرجح أن يستغرق تنفيذها بعض الوقت لمواكبة العدد المتزايد من الأجهزة المتصلة بالإنترنت. في غضون ذلك يمكنك فعل عدة أمور للاستفادة من بعض مزايا الاتصال بالإنترنت دون المجازفة ببياناتك.

إذا كنت تمتلك جهازًا ذكيًا، فيمكنك اتخاذ خطوات لتأمينه وتقليل المخاطر على خصوصيتك.

تُقدم لجنة التجارة الفيدرالية اقتراحات حول كيفية تأمين أجهزتك المتصلة بالإنترنت: تحديث البرامج المثبتة على الجهاز بانتظام، والاطلاع على إعداداته لتعطيل أي مجموعة بيانات غير مرتبطة باستخدامك.

إذا كنت بصدد شراء جهاز متصل بالإنترنت، تعرف على البيانات التي يلتقطها والسياسة التي تتبعها إدارة بيانات الشركة المصنعة، واعتمد على المصادر المستقلة مثل خاصية تمييز «الاتصال غير الآمن» ضمن موزيلا فايرفوكس. باستخدام هذه المعلومات، يمكنك اختيار الحصول على جهازك الذكي التالي من شركة تأخذ خصوصية مستخدميها على محمل الجد.

أخيرًا، يمكنك التريث والتفكير: هل أنت حقًا بحاجة إلى أن تكون جميع أجهزتك ذكية؟

اقرأ أيضًا:

كيف تربح شركات الإنترنت من خدماتها المجانية؟

كيف تتحكم في الصلاحيات الممنوحة في تطبيقات هاتفك الذكي؟

ترجمة: عصماء عصمت

تدقيق: حسين الجُندي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر