الأشعة الكونية عبارة عن جسيمات عالية السرعة -إلكترون أو نواة ذرية- تسافر عبر مجرة درب التبانة، متضمنة النظام الشمسي. تنشأ بعض هذه الجسيمات من الشمس، لكن أغلبها يأتي من مصادر خارج نظامنا الشمسي وتعرف باسم الأشعة المجرية الكونية (GCRs).

إنّ جسيمات الأشعة الكونية التي تصل إلى قمة الغلاف الجوي الأرضي تدعى بالأوليّات، واصطدامها بنوى الغلاف الجوي يسبب تشكّل الثّانويّات. حوالي 85% من الأشعة الكونيّة المجريّة هي بروتونات (نوى ذرات الهيدروجين)، وتقريبًا 12% منها هي جسيمات ألفا (نوى الهيليوم)، وما تبقى منها إلكترونات ونوى ذرّات أثقل، لأن أغلب أوليّات الأشعة الكونية تتأثر بشكل كبير بالحقل المغناطيسي الأرضي والحقل المغناطيسي بين الكواكب.

أغلب الجسيمات التي رُصدت بالقرب من الأرض تمتلك طاقة حركية تزيد عمّا يُقارب 1 GeV (غيغا إلكترون فولت أو مليار إلكترون فولت)، وهذه الطاقة تمثل طاقة تفوق 87% من سرعة الضوء.

الإشعاع الكوني

الإشعاع الكوني

إنّ عدد الجسيمات يتدنى سريعًا مع ازدياد الطاقة، ولكن في الحالات الفرديّة رُصدت جسيمات تصل طاقتها إلى 1020 (10 للأس 20) إلكترون فولت.
وبسبب انحرافها بتأثير الحقول المغناطيسية، فإنّ أساسيات الأشعة الكونيّة المجريّة تتبع مسارات معقدة وتصل إلى الغلاف الجوي الأرضي تقريبًا بشكل موحد من كافة الاتجاهات.

ونتيجة لذلك، لا يمكن استخدام جهة وصول الأشعة في تمييز مصادرها، وبدلًا من ذلك يمكن الاستدلال عليها من خلال وفرتها (أو شحنة طيفها).
ومن الممكن القيام بهذا من خلال مقارنة كمية الأشعة الكونية مع تلك المستنتجة طيفيًا للنجوم والمناطق بين النّجميّة.

إنّ كميات العناصر المختلفة ضمن نوى الإشعاع الكوني دُرِسَت بعناية للجسيمات التي تتراوح طاقتها بين 100 ميغافولت وعدة عشرات من الغيغافولت، كما قيست كمية النّظائر للعناصر التي تواجدت بكثرة في هذا الإشعاع. ومن خلال بيانات مماثلة كان من الممكن إعادة بناء معظم تاريخ رحلة جسيمات الإشعاع الكوني عبر مجرة درب التبانة.

إنّ عناصر الضوء، الليثيوم والبيريليوم والبورون نادرة عبر الكون، ولكنّها بشكل مفاجئ تكون وفيرة ضمن أساسيات الإشعاع الكونيّ المجريّ.
إنّه لشيء متفق عليه أنّ هذه النوى نتجت عندما تقسّمت نوى أساسيّة أثقل (كالكربون والأكسجين) خلال التصادمات مع الغاز بين النجمي الخفيف المكوّن بشكل أساسي من الهيدروجين.

لابدّ أنّ الأشعة الكونيّة المجريّة قد سافرت لمسافة 10 ملايين عام ضوئي لتخضع لما يكفي من التّصادمات بين النّجمية لتنتج هذه الكمية الملحوظة من النّوى الخفيفة. وإنّ المقياس الزمني لهذه الرحلة يعتمد بشكل جزئي على مراقبة نظائر مشعّة مشابهة للبيريليوم-10. إذ تملك هذه النواة المشعة نصف عمر يعادل 1.6 مليون عام، ويعتمد عدد الجسيمات المماثلة التي من الممكن أن تصمد لنرصدها من الأرض على مقدار المسافة الكليّة التي قطعتها.

بعد تصحيح الانقسام بين النجميّ، وُجد أنّ مكونات المصدر المستنتج تشبه نوعًا ما مكونات النظام الشمسي عامّة، وفي كل حال يوجد القليل من الهيدروجين والهيليوم واختلافات ملحوظة بين نظائر معينة. يُعتَقد أن الأشعة اللونيّة تمثل مزيجًا من مواد بين نجمية مُضافًا إليها مادة من نجوم متقدمة كالمستعرات النجمية وربما من نجوم ولف – رايت (Wolf-Rayet).

بتصادم أساسيات الأشعة الكونية مع الهيدروجين بين النجمي، نتجت الميزونات (غالبًا بيونات). وتمتلك هذه البيونات عمر نصف يقدر بمئتي مليون جزء من ثانية، وتضمحل إلى ميونات لتنتج إلكترونات ونيوترونات.

تسافر هذه الإلكترونات في مسارات حلزونية في الحقل المغناطيسي المجريّ، وبذلك تولد الإشعاع السينكروترونيّ، والذي رصد بوساطة مناظير راديويّة.

هناك توافق بين المشاهدات الراديويّة والكثافات المحسوبة، إذ رُصِد الإشعاع السينكروتروني من بقايا نجم مستعر مثل (كراب – نيبولا)، مؤكدين مطابقتها لتكون مصدر إشعاع كوني محتملة.

أنتجت الأشعة الكونية بين النجميّة أيضًا بيونات معتدلة كهربائيًّا والتي تتلاشى سريعًا لتعطي أشعة غاما مرتفعة الطاقة. يشير مسح أشعة غاما (الذي تم بواسطة الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض) إلى أنّ أشعة غاما قد تركّزت بشكل خاص في قرص مجرة درب التبانة وبتركيز أقل في الهالة المحيطة بها، تتوافق الكثافة المُقاسة لأشعة غانما بشكل عام بالقيم التي حُسِبَت.

بمعدل حياة يصل إلى 10 ملايين عام، يجب أن تُشحن الأشعة الكونيّة المجريّة بطاقة تقارب قيمتها 1041 (10 للأس 41) إرج في الثانية . إنّ انفجارات النجوم المستعرة يمكن أن تعطي طاقة مماثلة إذ تحدث هذه الإنفجارات كل حوالي 50 عام في المجرة. وتفاصيل عمليات المعالجة الداخلة في إنتاج الأشعة الكونية وتسارعها مازالت غير واضحة، ولكن يبدو أنّ تسارع الجسيمات من الممكن أن يحدث من انتشار أمواج الإنفجارات من المستعرات النجميّة.

رُصِد تباين بسيط بين الجسيمات ذات الطاقة العالية مثل تلك التي تملك طاقة أكبر من 1018 (10 للأس 18) إلكترون فولت. إنّ الحقل المغناطيسي المجري ليس بالقوة الكافية ليحجز جسيمات ذات طاقة عالية كهذه ضمن المجرة، ويُعتقَد أنها المكونات المجريّة الإضافية الوحيدة في النظم الكونية.

إضافة إلى إنّ هذه الجسيمات عالية الطاقة نادرة جدًا ويمكن رصدها فقط من خلال الأوبلة الهوائية الواسعة (EAS) التي تنتجها في الغلاف الجوي.
إن هذه الأوبلة قد تتكوَّن من مليارات الجسيمات الثانوية (أغلبها إلكترونات وميونات) والتي تصل لمستوى سطح الارض على مناطق تمتد لعدة كيلومترات مربعة.

تظهر هذه الجسيمات النشطة من الإنفجارات الشمسية حيث تُسرّع بواسطة الحقول المغناطيسية القوية، وأغلب هذه الجسيمات هي بروتونات.
مع تناقص في عدد النوى الثقيلة ونوى الهيليوم، ساهم رصد نسبة الهيليوم-أكسجين ضمن الجسيمات الشمسية النشطة في الدراسات المتعلقة بالشمس، وذلك لصعوبة تقدير كمية الهيليوم الشمسي بواسطة القياس الطيفي التقليدي.

كما أنّ طيف الطاقة للجسيمات الشمسية، بالمقارنة مع تلك في الأشعة الكونية المجرّيّة يتناقص عددها بسرعة اكبر مع ازدياد الطاقة بشكل عام، لكن هناك تنوع كبير في شكل الطيف من انفجار شمسي إلى أخر، ونادرًا ما تجتاز طاقة الطيف 10 غيغافولت. أجرِيَت الدراسات على الأشعة الكونية في أعماق الأرض وفي الفضاء الخارجي، والدراسات الرائدة على قمم الجبال ،إذ أنّ الجسيمات الثانوية فقط قابلة للرصد.

تمتلك بعض الميونات الثانوية طاقة عالية بحيث تكون قادرة على التوغل في الأرض لمسافة أكبر من 3.2 كم (ميلين)، ولدراسة الأشعة الكونية الأولية مباشرة، استُخدمت مناطيد تصل لارتفاعات عالية (عادًة تصل لارتفاع 37 كم (حوالي 120,000 قدم). يمكن للصواريخ أن تصل لارتفاعات أكبر ولكن مع حمولة أقل ولبضع دقائق، كما أنّ عمليات رصد الأشعة الكونية أجريت أيضًا من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض والمسابير بعيدة المدى.

منذ بدايات ثلاثينات القرن الماضي وحتى الخمسينيّات، لعبت الأشعة الكونية دورًا كبيرًا في الدراسات العلميّة للنّوى الذرية ومكوناتها، وكانت المصدر الوحيد للجسيمات عالية الطاقة. وقد اكتُشِفت المكونات دون الذرية قصيرة الحياة من خلال تصادمات الأشعة الكونيّة، إذ أنّ أسس حقل فيزياء الجسيمات كانت نتيجة لاكتشافات مماثلة في الواقع، بدءًا بالبوزيترونات والميونات. حتى ومع مجيء مسرعات الجسيمات القويّة في خمسينيّات القرن الماضي، استمر الباحثون في دراسة الأشعة الكونيّة، وإن كان على نطاق محدود، فذلك لأنها تحوي جسيمات لها طاقة ليس من السهل الحصول عليها ضمن بيئة المختبر.

اقرأ ايضًا
إذا المستعرات العظمى لم تُصدر الأشعة الكونية، فما هو مصدرها إذًا؟
كيف تستطيع تحويل هاتفك إلى كاشف للأشعة الكونية

ترجمة مصطفى عيد – تدقيق سهى يازجي

المصدر