تسبّب غزو الاتحاد السوفييتي أفغانستان عام 1979 في بداية حرب أهلية طاحنة دامت تسع سنوات وساهمت بصورة كبيرة في انهيار الاتحاد السوفيتي لاحقًا.

في ليلة الميلاد من العام 1979، بدأ الاتحاد السوفيتي غزو جارته الجنوبية أفغانستان التي تقع في آسيا الوسطى. بداية أنزل طلائع جنوده في المدن الأفغانية الرئيسية، وبعد مدة قليلة أرسل فرقه البرية السيّارة على طول الحدود.

في غضون أيام، سمّمت أجهزة المخابرات السوفييتية (الكي جي بي) -التي اخترقت القصر الرئاسي الأفغاني- الرئيسَ ووزراءه؛ ما ساعد على بدء انقلاب مدعوم من موسكو وتنصيب القائد بابراك كرمال التابع لها.

نجمت عن هذا الغزو حرب أهلية طاحنة دامت تسع سنوات.

في بداية العام 1989، انسحبت آخر القوات السوفييتية عابرة الجسر المُسمَّى «جسر الصداقة». كان الصراع قد أزهق أرواحَ ما يُقدَّر بمليون مدنيّ وما يقارب 125 ألف محارب أفغاني وسوفييتي وغيرهم من المقاتلين.

تسببت الحرب في دمار لحق بأفغانستان وبالاتحاد السوفيييتي أيضًا، إذ تلقى اقتصاد الاتحاد السوفييتي ومكانته القومية ضربة عنيفة. ساهمت هذه المصيبة العسكرية لاحقًا في انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه.

إذن لماذا أقدمت موسكو على ذلك؟

كانت أفغانستان تتمتع بأهمية إستراتيجية بالغة منذ فترة طويلة.

مع بداية القرن التاسع عشرأصبحت أفغانستان بيدقًا جيوسياسيًّا فيما أصبح يُعرَف باللعبة الكُبرى بين إمبراطوريتي روسيا القيصرية وبريطانيا العُظمى. خوفًا من توسع روسيا القيصرية في آسيا الوسطى، ما سيجعلها على مقربةٍ من حدود الهند، التي تُعد جوهرة الإمبراطورية البريطانية ما سيمثل خطرًا عليها؛ خاضت بريطانيا ثلاث حروب في أفغانستان لتُبقيها منطقة عازلة ضد التعدي الروسي.

لم تغير الثورة الروسية في عام 1917 ولا انتهاء الحكم الاستعماري البريطاني للهند أهمية أفغانستان الجيوسياسية.

في عام 1919 حصلت أفغانستان على استقلالها وأصبحت تمتلك حق التصرف في سياستها الخارجية الخاصة.

كان الاتحاد السوفييتي أول بلد يقيم علاقات دبلوماسية مع أفغانستان، التي كانت بدورها من أولى الدول التي اعترفت بالحكومة البلشفية.

على مدى العقود اللاحقة، قدم الاتحاد السوفييتي المساعدات العسكرية والاقتصادية لأفغانستان المحايدة.

عندما تراجعت الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية وظهرت الولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة، بقيت أفغانستان على الجبهات الأمامية للحرب الباردة.

مكابدة موسكو في الإبقاء على الولاء الأفغاني

في عام 1973، أُطيح بآخر ملك أفغاني في انقلاب نظمه ابن عمه وصهره محمد داوود خان، الذي شرع في تأسيس جمهورية.

رحّب الاتحاد السوفييتي بهذا الانتقال إلى اليسار، لكن سروره بدأ يتلاشى عندما رفض داوود خان أن يتبع السوفييت.

في لقاء خاص عام 1977، أخبر داوود خان القائد السوفييتي ليونيد بريجنيف أنه سيستمر في توظيف خبراء أجانب من خارج الاتحاد السوفييتي، إذ قال: «ستبقى أفغانستان فقيرة إذا لزم الأمر، لكن مستقلة في أفعالها وقراراتها».

لم يكن مفاجئًا أن القادة السوفييت رفضوا ذلك الأمر.

في عام 1978، خلع حزب الشعب الشيوعي الديمقراطي الأفغاني داوود خان فيما يُعرف باسم «ثورة ثور». توفي داود خان مع 18 فردًا من عائلته.

على الرغم من أنّ القيادة في أفغانستان كانت شيوعية، فإن ذلك لم يُرح القادة السوفييت.

واجه نظام حزب الشعب الشيوعي الديمقراطي الأفغاني المُنقسِم وغير المستقر مقاومة شرسة من القادة الدينيين والمحافظين، ومعارضة في كثير من أنحاء الريف الأفغاني لإصلاحات الشيوعيين الزراعية الجذرية.

في نهاية عام 1979، قاد الثوري «حفيظ الله أمين» انقلابًا داخل حزب الشعب الشيوعي الديمقراطي الأفغاني، فقتل قائد الحزب الأول وأرسى حكمه الوحشي قصير المدى.

تصاعد الاضطراب على المستوى الوطني، واشتدّت حدة التوتر في موسكو.

خشية موسكو من التدخل الأمريكي المتزايد.

أثارت الفوضى في أفغانستان قلق القيادة السوفييتية؛ لأنها زادت من احتمال لجوء القادة الأفغان إلى الولايات المتحدة كي يطلبوا المساعدة.

حذر كبار أعضاء المكتب السياسي بريجنيف في أكتوبر عام 1979 من أن أمين يسعى إلى اتباع سياسة أكثر توازنًا، وأن الولايات المتحدة رصدت إمكانية تغيّر في الخط السياسي لأفغانستان.

بعد أسابيع فقط، انضم يوري أندروبوف رئيس المخابرات السوفيتية (كي جي بي) إلى وزير خارجية الاتحاد السوفيتي أندريه غروميكو ووزير دفاعه ديميتري أوستينوف في دق ناقوس الخطر. لقد أقنعوا بريجنيف أنه حتى لو لم يحاول الأمريكيون بإصرار أن يقوّضوا تأثير الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، فإن نظام أمين العنيف وغير المستقر سيخلق وهنًا قد تستغلّه للولايات المتحدة لاحقًا. وتجادلوا بأن على موسكو أن تتصرف.

يؤيّد السوفييت عقيدة بريجنيف

قد تكون هذه التحذيرات قد لقيت آذانًا مصغية.

قبل ذلك بعقد؛ في عام 1968 قدّم بريجنيف عقيدته الجديدة: إن كل الأنظمة الاشتراكية تتحمل مسؤولية دعم الآخرين، باستخدام القوة إذا لزم الأمر.

كانت عقيدة بريجنيف ردًا على (ربيع براغ)، هي فترة مقتضبة من السياسات الليبرالية تحت قيادة زعيم تشيكوسلوفاكيا الجديد ألكسندر دوبتشيك.

حتى خطوات دوبتشيك البسيطة التي ابتعدت عن الشيوعية المتشدّدة قدمت سببًا كافيًا للسوفييت لاجتياح تشيكوسلوفاكيا واختطافه.

في عام 1979، منحت أفغانستان -التي تعاني نظامًا متعثرًا لكن تُعدّ صديقة سابقة- فرصة أخرى للاتحاد السوفييتي كي يفرض عقيدة بريجنيف عسكريًّا.

أدرك القادة أن الفشل في التحرك قد يثير التساؤلات حول مدى استعداد السوفييت لدعم الأنظمة الأخرى إلى جانبها فيما يُعرف بالستار الحديدي؛ الحدود المادية والأيديولوجية التي فصلت الاتحاد السوفييتي عن بقية أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

قد تؤجج أفغانستان مشكلات القوميّات في الاتحاد السوفييتي

على مدار تاريخها، ضمّت الأراضي الروسية مجموعة واسعة من الجماعات القومية والعرقية التي سكنت في أوطانهم التاريخية.

خلال الفترة السوفييتية التي جمعت نظامًا قمعيًّا وقوة مركزيّة، قلق القادة الشيوعيون من وقوع تحديات داخلية في الدول التابعة لهم، خاصة دول آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة سريعة النمو.

مع أن الدعاية قد صورت الحياة السوفييتية على أنها بوتقة سعيدة تتعدد فيها الأعراق وتزدهر فيها تقاليد مختلفة في سياق الوحدة الوطنية، فقد كان نصيب بعض المجموعات في الحقيقة هو التطهير والتهجير والاضطهاد في معسكرات العمل.

بالنسبة للسوفييت، أي انشقاق أو تحوّل -حتى أولئك الذين يدعون أنهم شيوعيون- يهدد بإشعال فتيل تحركات مماثلة في دول محاذية، مثل: أوزباكستان وتركمانستان وطاجيكستان، التي تتشارك جميعها الهوية العرقية والدين والتاريخ نفسه مع أفغانستان.

من السهل الاستنتاج أن إطلاق عملية غزو أفغانستان لدعم نظام غير شعبي كانت مغامرة متهوّرة محكومة بالفشل. أما بالنسبة للقادة السوفييت في موسكو خلال أيام ديسمبر من عام 1979، بدا قرار الإقدام على ذلك منطقيًّا، بل أمرًا لا مفر منه.

اقرأ أيضًا:

كل ما تود معرفته عن البيريسترويكا

الدول المحايدة في الحرب العالمية الثانية، هل كانت محايدة حقًا؟

المترجم: زياد نصر

تدقيق: فاطمة جابر

مراجعة: عبد المنعم الحسين

المصدر