ابتكر الباحثون طريقة جديدة تتخطى صعوبات إبقاء أجزاء الضوء متشابكة معًا، ما يمثل خطوة فعلية نحو اعتماد الحوسبة الكمومية المبنية على استخدام الفوتونات.

نجح باحثون من معهد ماكس بلانك لدراسة الضوء الكمومي في ألمانيا، في ربط بتات كمومية منفصلة، عددها 14 فوتونًا، ثم الوصول بها إلى حالة مستقرة. هذا الرقم يُعادل ضعف ما توصل إليه الباحثون في محاولات سابقة، إضافةً إلى تحسين فعالية هذه الفوتونات.

على عكس البتات التقليدية الموجودة في نظام العد الثنائي المستخدم في الحوسبة التقليدية، فإن هذه البتات الكمومية توجد في حالة تُحدد مصيرها الاحتمالات، وتُسمى التراكب. لظهور هذه البتات أو عدم ظهورها احتمال متساو. الأمر أشبه برمي عملة معدنية، وانتظار إحدى نتيجتين.

يستطيع الباحثون إجراء عمليات رياضية شديدة التعقيد بالاستفادة من خوارزميات مبنية على احتمال ظهور البتات الكمومية أو عدم ظهورها، لكن هذا ممكن فقط في حال عدم تأثر هذه البتات بالعوامل المحيطة، التي قد تغير من طبيعتها.

تُسمى الظاهرة التي تؤثر في حالة التراكب الخاصة بالبتات الكمومية: ظاهرة فك الترابط الكمومي، وهي تمثل عائقًا كبيًرا للمهندسين في تصميمهم لحواسيب كمومية عملية.

نظريًا، يُمكن أي شيء أن يدخل في حالة تراكب كمومية، وذلك يشمل الإلكترونات والذرات والجزيئات، لكن الأجسام بالغة الصغر هي الأقل تعرضًا لظاهرة فك الترابط الكمومي.

لذلك تُعد الفوتونات بتات كمومية مناسبة جدًا، لكن الحواسيب الكمومية العملية تتطلب الكثير منها، قد يصل الرقم إلى الآلاف أو الملايين. عمومًا، كلما ازدادت البتات الكمومية، ازدادت كفاءة الحاسوب الكمومي. الشرط الأساسي للاستفادة من البتات الكمومية محافظتها على حالة مستقرة -التراكب- دون معوقات أخرى.

لمشابكة أزواج الفوتونات طرق سهلة، منها إجبار الذرة على أن تشع موجة من الضوء، ثم شطر هذه الموجة إلى نصفين باستخدام شاشة خاصة. حينها سيوجد فوتونان لهما الطبيعة ذاتها.

رغم صعوبة دراسة خواص هذه الفوتونات، نظرًا إلى مصيرها الذي تفرضه حالة التراكب، فإن احتمال تصرف الفوتون بشكل أو بآخر يُشبه رمي قطعة نقود، أي يوجد احتمالان فقط.

أدى إجراء التجارب على أجسام تُسمى النقاط الكمومية إلى إمكانية مشابكة ثلاثة إلى أربعة فوتونات. لكن لا يُمكن اعتماد حالة التشابك باستخدام هذه الأجسام، نظرًا إلى محدودية النقاط الكمومية، وعدم وصول عددها إلى الآلاف أو الملايين المطلوبة لعمل حاسوب كمومي.

سلطت دراسات حديثة الضوء على استخدام ذرات لها مدارات إلكترونية كبيرة تُسمى ذرات رايدبرغ. استطاعت تلك الذرات مشابكة ستة فوتونات، وإبقائها في حالة مستقرة. مع أن هذه الطريقة قد تفيد لاحقًا في صنع مكونات حاسوب كمومي فائق السرعة، فإن اعتمادها على نطاق واسع ما زال عسيرًا.

قد يمكن نظريًا مشابكة أي عدد من الفوتونات باستخدام هذه الطريقة الجديدة، وضمان ظهورها بحالة مثالية.

يقول باحث الدكتوراه فيليب توماس، المؤلف الرئيس للبحث: «اعتمد نجاح التجربة باستخدام هذه الطريقة على جعل ذرة واحدة تُشع فوتونات، ثم مشابكة هذه الفوتونات بطريقة محددة».

جعل الباحثون ذرة روبيديوم تُشع أمواجًا ضوئية، ثم وجّهوا هذه الأمواج نحو تجويف قادر على عكسها ذهابًا وإيابًا بدقة عالية.

بواسطة الضبط الدقيق لإشعاع ذرة الروبيديوم، أصبحت مشابكة فوتون مع آخر موجود داخل الذرة ممكنًا. أي إن أي فوتون من الفوتونات المنعكسة ضمن التجويف في الذرة، يمكنه أن يتشابك مع عدد كبير من أقرانه.

يقول توماس: «لما كانت سلسلة الفوتونات نتجت من ذرة واحدة، فإن ذلك يُزيل الشك حول إمكانية مشابكتها، ويجعل منها أمرًا حتميًا».

في هذه التجربة، تمكن الباحثون من مشابكة 12 فوتونًا ضمن مجموعة خطية غير فعالة، وأيضًا مشابكة 14 فوتونًا، ودخولها حالة غرينبرغر-هورن-زيلينغر (GHZ) المرغوبة.

يقول توماس: «لم نستطع سابقًا مشابكة 14 فوتونًا في تجربة واحدة».

حسّنت هذه التجربة من العمليات المتبعة سابقًا، إضافةً إلى توليدها أكبر عدد من الفوتونات المتشابكة حتى الآن، وأدت إلى توليد واحد من بين كل فوتونين لبتات كمومية متشابكة.

ستسعى الأبحاث المستقبلية للاستفادة من ذرتين بدلًا من واحدة، لتوليد عدد البتات الكمومية المطلوب لتنفيذ العديد من عمليات الحوسبة الكمومية. قد تشكل وفرة الفوتونات المتشابكة حجر الأساس، ليس فقط في مجال الحوسبة، وإنما في مجال الاتصالات الكمومية المشفرة أيضًا.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف طور غريب للمادة في حاسوب كمومي

باحثون خزنوا بت كمومي لمدة تقارب العشرين ميلي ثانية

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر