يُنثر الملح على الطرقات قبل العواصف الثلجية لخفض درجة الحرارة التي يتشكل عندها الجليد، وقد استفاد باحثون في مخبر لورنس بيركلي الوطني من هذه الفكرة البسيطة لتطوير طريقة جديدة للتسخين والتبريد. شُرحت تلك الطريقة الجديدة المسماة «التبريد الأيوني الحراري» في بحث نشرته مجلة ساينس في 23 ديسمبر 2022.

يستفيد التبريد الأيوني الحراري من كيفية تخزين الطاقة والحرارة أو تحررهما عند تغير حالة المادة، مثل تحول الجليد الصلب إلى ماء سائل مثلًا. تمتص المادة حرارة من محيطها عندما تذوب وتنشر حرارة عندما تتصلب. تسبب الدورة الأيونية الحرارية هذا التغير في حالة المادة وحرارتها عبر تدفق الأيونات -الذرات أو الجزيئات المشحونة- التي مصدرها الأملاح.

يأمل الباحثون أن تصبح هذه الطريقة قادرة على التسخين والتبريد بكفاءة، إذ تستأثر هاتان العمليتان بأكثر من نصف استهلاك الطاقة المنزلي. ما سيساعد على الاستغناء عن أنظمة ضغط البخار الحالية التي تستخدم غازات دفيئة قوية للتبريد. سيقضي التبريد الأيوني الحراري على خطر تسرب مثل تلك الغازات إلى الغلاف الجوي، باستبدالها بمكونات صلبة وسائلة.

يقول درو ليلي الباحث في مختبر بيركلي: «مجال المبردات مسألة لم تُحل بعد، فلم ينجح أحد في تطوير طريقة تبريد بديلة فعالة وآمنة ولا تسبب ضررًا للبيئة. نظن أن الدورة الأيونية الحرارية قادرة على الإيفاء بتلك المتطلبات إذا طُبقت على نحو مناسب».

يُلزم تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال 145 دولة منها الولايات المتحدة بتخفيض إنتاج غازات الكلوروفلوروكربون بنسبة لا تقل عن 80% على مدار السنوات الخمس والعشرين القادمة. يُعد إيجاد حل بديل للمبردات الحالية ضروريًّا للدول المذكورة لكي تفي بالتزاماتها في مكافحة التغير المناخي. يشيع استخدام غازات الكلوروفلوروكربون في الثلاجات وأجهزة تكييف الهواء، وهي غازات دفيئة قوية، تفوق قدرتها على الاحتباس الحراري ثاني أكسيد الكربون بآلاف الأضعاف.

تنضم الدورة الأيونية الحرارية إلى العديد من مثيلاتها من طرق التبريد قيد التطوير. تستخدم تلك التقنيات أساليب مختلفة، منها المغنطة والضغط والتمدد والحقول الكهربائية، لتعديل المواد الصلبة كي تمتص الحرارة أو تنشرها. يختلف التبريد الأيوني الحراري عن غيره باستخدامه الأيونات لدفع المادة للتحول من الحالة الصلبة إلى السائلة. لاستخدام السوائل ميزة جعل المادة قابلة للضخ، ما يسهل إدخال الحرارة إلى النظام أو إخراجها منه. الأمر الذي كان تحديًا بالنسبة إلى أساليب التبريد باستخدام المواد الصلبة.

أعد ليلي القواعد النظرية الأساسية للدورة الأيونية الحرارية، بمساعدة الباحث المشارك في مختبر بيركلي راڤي براشر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية. أظهرت حسابات الباحثين أن هذه التقنية قادرة على منافسة كفاءة المبردات الغازية الشائعة والتفوق عليها.

اختبر الباحثان التقنية تجريبيًّا. استعمل ليلي ملحًا يحتوي على اليود والصوديوم مع كربونات الإيثلين، وهي مذيب عضوي شائع يُستخدم في بطاريات أيون الليثيوم.

يقول ليلي: «يمكن الحصول على مبردات لا تسبب الاحتباس الحراري، بل تقلل احتمالية حدوثه، قد يكون استخدام مادة مثل كربونات الإيثلين سلبي الانبعاث الكربوني، لأننا نستخدم ثاني أكسيد الكربون مادةً أولية لإنتاجها».

مرور التيار الكهربائي عبر النظام يحرّك الأيونات، ما يغير درجة ذوبان المادة. عندما تذوب المادة، تمتص الحرارة من محيطها، وعندما تُزال الأيونات وتتصلب المادة من جديد فإنها تنشر الحرارة. أظهرت التجربة الأولى تغيرًا في درجة الحرارة بمقدار 25 درجة باستخدام أقل من فولت واحد، وهو تغير أكبر مما قدمته بقية التقنيات الحرارية.

يقول براشر: «نحاول موازنة ثلاثة أشياء: احتمالية الاحتباس الحراري التي يسببها المبرد وكفاءة استهلاك الطاقة وتكلفة المعدات ذاتها، تُظهر المحاولة الأولى أن بياناتنا واعدة من النواحي الثلاث».

في حين يُنظر إلى الطرق الحرارية من ناحية قوة التبريد غالبًا، يمكن استخدام الدورات في تطبيقات مثل تسخين المياه أو التسخين لأغراض صناعية. يتابع فريق الباحثين عملهم على النماذج الأولية لتحديد الطريقة المثلى لتشغيل التقنية على نطاق واسع وتحسين مقدار التغير الحراري التي يستطيع النظام تحمله، ورفع فعاليته.

يقول براشر: «لدينا هذه الدورة الديناميكية الحرارية الجديدة، مع إطار يجمع عناصر من مختلف المجالات، ولقد أظهرنا إمكانية تحقيق النجاح. حان الآن وقت التجريب لاختبار مختلف المواد والتقنيات للتغلب على التحديات الهندسية».

تلقى ليلي وبراشر براءة اختراع أولية لدورة التبريد الأيونية الحرارية وأصبحت التقنية الآن متاحة للترخيص.

اقرأ أيضًا:

قماش جديد يخفض درجة حرارة جسم الإنسان عبر التبريد السلبي

لماذا تتطلب التدفئة طاقة أعلى من التبريد؟

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر