دام الاعتقاد عدة عقود بأن الموجات الناجمة عن أشعة الميكروويف قد تسبب الإصابة بأمراض خطيرة وخاصة السرطان، إلا أن العلم قد توصل إلى حقائق تخالف هذه الفرضيات، فقد أشار العلماء إلى أمان استخدام الميكرويف، رغم وجود بعض الآثار الجانبية التي قد تنجم عن التعرض لترددات الميكروويف عالية الطاقة، إذ تسبب ارتفاع الضغط داخل القحف، وفقًا لدراسات بحثية أُجريت في جامعة تكساس A&M.

أجرى فريق مؤلف من جاستن ويلكرسون، أستاذ مساعد في قسم جايك مايك ووكر للهندسة الميكانيكية، وباحثين في مختبر أبحاث الجيش الأمريكي ومختبر أبحاث القوات الجوية، العديد من الأبحاث حول الآثار الجانبية لترددات الميكروويف عالية الطاقة.

تعرف الموجات الميكروية أو الصغرية بأنها موجات كهرومغناطيسية ذات طول موجة قصير، يتراوح طول الموجة فيها في المجال الواقع بين الأشعة الراديوية -ذات طول الموجة الأكبر- وبين موجات الأشعة تحت الحمراء -ذات طول الموجة الأصغر، ويتناسب طول هذه الموجات عكسيًا مع ترددها، ما يجعلها قادرة على توليد الحرارة التي تسمح باختراق النسيج الخلوي، لذا تُستخدم هذه الأشعة في صناعة الأفران سريعة التسخين، ما يُعرف بأفران الميكروويف.

اتبع العلماء في دراساتهم طريقة النمذجة المحوسبة -مجموعة من برامج الكمبيوتر يمكن من خلالها إيجاد حلول لأنظمة معقدة باتباع خوارزميات أو نهج ميكانيكية معينة، إذ تُستخدم هذه الطريقة في العديد من المجالات مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، وحتى الاقتصاد وعلم النفس وغيرها.

درس الباحثون بهذه الطريقة معدل الامتصاص النوعي، وهو قياس معدل الأشعة الكهرومغناطيسية الممتصة من الجسم المعرض لها، ويحتسب من خلال مقدار تغير المجال الكهربائي في المادة وفقًا لمعادلات خاصة، وقد استخدم العلماء هذه الطريقة لإيجاد معلومات عن آثار التعرض لترددات الميكرويف.

يفيد هذا المقياس في حساب تغيرات درجة الحرارة في الرأس والدماغ عند التعرض لترددات الميكروويف عالية الطاقة، ومدى تأثيرها في أنسجة الدماغ.

اتبع الباحثون طريقة (FDTD) لحساب معدل الامتصاص النوعي، وتمثيله بنموذج ثلاثي الأبعاد مناسب لجسم الإنسان، وهي تقنية تساعد على إيجاد حلول تقريبية لنظام المعادلات التفاضلية المرتبطة صعبة الحل.

أشار ويلكرسون إلى أن تسخين الأطعمة في الميكروويف يؤدي إلى تمدد حراري سريع، مع تغير ميكانيكي ينجم عنه تشكل موجات تصل إلى الدماغ وتنتشر فيه مثل تموجات البركة، تسبب بدورها تغيرًا في الضغط يختلف مجاله حسب كثافة طاقة النبضة الصادرة عن ترددات الميكرويف ومدتها، إذ تزداد درجة الحرارة بازدياد فترة النبضة، وعندما تبلغ مناطق القشرة المخية العميقة تسبب ارتفاع الضغط داخل القحف.

أشارت دراسة سابقة إلى أنه عند تطبيق زيادة صغيرة في درجات الحرارة خلال وقت قصير -أجزاء من الثانية- تنشأ موجات ضارة محتملة.

مع أن كثافة الطاقة التي تضمنتها الدراسة أكبر من معظم ظروف التعرض في الواقع، فإن احتمال التعرض لطاقات مشابهة يبقى واردًا، خاصةً عند استخدام أجهزة معينة موجودة في التطبيقات العسكرية والبحثية.

استخدم ويلكرسون وفريقه محاكاة العناصر المحدودة جزءًا من النمذجة المحوسبة، وهي ذاتها المستخدمة في توقع إصابات الدماغ الرضية في حوادث السير وأذيات كرة القدم، وإصابات المعارك.

وجد الباحثون أن آلية حدوث الأذية عند التعرض لترددات الميكرويف، ناجمة عن تشكل تجويف نتيجة ارتفاع الضغط في منطقة معينة داخل الدماغ، ما يسبب تغيرات في السائل الدماغي الشوكي، مثل التمدد السريع الذي يشوه أنسجة المخ.

درس الباحثون العلاقة بين الآثار الجانبية لترددات الميكرويف ومتغيرات متعددة، مثل اتجاه الموجة وتغير درجة الحرارة الحاصل في الدماغ، إضافةً إلى المنطقة المتعرضة من القشرة المخية.

مثلًا، يسبب تطبيق نبضة موجة معينة ضغوطًا سلبية في الأعضاء المحيطة بالبطينات والدماغ البيني والمتوسط، إذ يسبب تغير الضغط تشوهًا أكبر من تغير درجة الحرارة.

قد تؤدي الضغوط العالية إلى حدوث تجويف، إضافةً إلى التأثير السمعي المعروف سابقًا، قد تكون شدة الطاقة المطلوبة لإحداث التشوه –التجويف- أقل من الحد المطلوب لانهيار العازل الكهربائي لأفران الميكروويف، لكنها قد تكون كافية لإحداث اضطرابات للأجهزة الإلكترونية المعرضة للشدة ذاتها، وقد تسبب أذيات الدماغ المذكورة سابقًا.

قد يؤدي التعرض النبضي المتكرر لأي من هذه الموجات الضارة فترة زمنية متواصلة -عدة دقائق مثلًا- إلى تأثير حراري ملحوظ على الجلد، حتى عند الترددات المنخفضة.

يمهد ذلك الطريق لإجراء أبحاث حول التفاعل بين المجالات الكهرومغناطيسية واستجابة الجسم لها.

نوه ويلكرسون بأنه لا داع للقلق حول التعرض لترددات الميكروويف، نظرًا إلى وجود مصادر أخرى تعرضنا لكميات أعلى من الطاقة الضارة في حياتنا اليومية.

اقرأ أيضًا:

ما هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ؟

تلسكوب بلانك يكشف عن خريطة المجال المغناطيسي لمجرتنا

ترجمة: بثينة خدام

تدقيق: لبنى حمزة

المصدر