تشير التقارير الرسمية إلى أن الفيضانات المدمرة التي أصابت في ليبيا في 11 سبتمبر 2023 أدت إلى وفاة أكثر من 5000 شخص، بينما ما يزال 10 آلاف آخرين في عداد المفقودين، والمخاوف أن تؤدي إلى وفاة نحو 20 ألف شخص. فما علاقة التغير المناخي بهذه الكارثة؟

انهار سدان، ما أدى إلى إطلاق ما يُقدر بنحو 30 مليون متر مكعب من المياه في مدينة درنة، إضافة إلى تأثّر بلدات ومدن أخرى، وكان السبب المباشر هو الهطولات المطرية الغزيرة التي حدثت خلال 24 ساعة وعادلت هطول الأمطار مدة عام.

وبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) الموجودة في جنيف سويسرا تتلقى كثير من المناطق في ليبيا ما بين 150 إلى 240 ملم من الأمطار. بينما سجلت مدينة البيضاء 414.1 ملم خلال 24 ساعة وهو رقم قياسي. وتتلقى درنة 274 ملم من الأمطار سنويًا في المتوسط وفقًا لهيئة الأرصاد الجوية الألمانية.

أكد باحثون في مجلة نايتشر أن التغير المناخي وتداخله مع تأثيرات الحرب الأهلية التي استمرت ست سنوات في ليبيا، إضافة إلى الأزمة السياسية والاقتصادية التي تبعتها، قد أدى إلى تفاقم الكارثة البيئية والاجتماعية في المنطقة، وصرح مارك زيتون المدير العام لمركز أبحاث جنيف ووتر هاب أن هذه الأحداث تمثل مزيجًا من لعنة الحرب والطقس التي أثرت سلبًا في الوضع في ليبيا.

تكثيف العاصفة دانيال

يقول المتخصصون في الفيضانات إن هذه الهطولات المطرية كانت شديدة جدًا، وربما أدى التغير المناخي إلى تكثيف العاصفة دانيال، وهي نظام طقس منخفض الضغط تشكل فوق البحر الأبيض المتوسط في الرابع من سبتمبر تقريبًا، ووفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تسببت العاصفة في هطولات مطرية قياسية في اليونان في فترة 5-6 سبتمبر، وأفادت إحدى محطات الأرصاد الجوية في قرية زاكورة اليونانية، عن سقوط 750 ملم من الأمطار خلال 24 ساعة، وهو ما تقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إنه يعادل حوالي 18 شهرًا من الأمطار!

بعد ذلك اشتدت حدة العاصفة فوق البحر، لتصبح ما يسميه خبراء الأرصاد الجوية (ميديكاين)، وهي عاصفة متوسطية ذات خصائص شبيهة بالإعصار، وصلت إلى اليابسة في ليبيا في 10 سبتمبر.

أفادت التقارير أن المركز الوطني للأرصاد الجوية في طرابلس أصدر تحذيرات من عاصفة شديدة قبل 72 ساعة من ضرب العاصفة دانيال سواحل ليبيا، وأبلغ المركز جميع السلطات الحكومية حاثًّا إياها على اتخاذ تدابير وقائية، وأُعلنت حالة الطوارئ في شرق ليبيا، لكن ذلك لم يُترجم إلى استجابة طارئة ناجحة.

أحداث غير مسبوقة

يقول عالم الجيولوجيا جاسبر نايت من جامعة ويتواترسراند في جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا إن هطول الأمطار والفيضانات لم يسبق له مثيل في ليبيا، والبلاد محمية من العواصف الأطلسية بفضل جبال الأطلس في الغرب، لذلك فإن المصدر الرئيسي للطقس هو البحر الأبيض المتوسط. ويتابع قائلًا: «ساحل ليبيا على البحر الأبيض المتوسط أخضر نسبيًا، لكنه لم يشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة منذ عقود، عندما نتجه نحو الداخل، يصبح المناخ جافًا جدًا بسرعة كبيرة، لا أستطيع حتى أن أتذكر آخر مرة امتدت فيها هذه الأمطار إلى الداخل».

زيادة تكرار حدوث الظواهر الجوية المتطرفة هي واحدة من العواقب المتوقعة لتغير المناخ، وقد أكد ذلك تقرير صدر من التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ويشير التقرير إلى وجود ثقة كبيرة في زيادة عدد مرات حدوث هطولات مطرية شديدة، بالإضافة إلى زيادة غزارة هذه الهطولات منذ خمسينيات القرن الماضي في معظم مناطق الكرة الأرضية، فهذه البيانات المرصودة قابلة للتحليل، ويشير أيضًا إلى إنه من المرجح أن يكون التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري هو المسبب لهذه الزيادة.

مع إنه لا توجد وسيلة مباشرة لتأكيد دور التغير المناخي في حدوث ظاهرة معينة فورًا أو حتى مفاقمتها، فتوجد دراسات مناخية تقدم أدلة على تأثير التغير المناخي في الأحداث الجوية المتطرفة مثل العاصفة دانيال، ويقول جونتر بلوشل عالم الهيدرولوجيا في جامعة فيينا للتكنولوجيا: «في هذه المرحلة ودون وجود تحليل مفصل، بوسعنا القول: نعم، توجد علاقة سببية واضحة تمامًا».

وتوافق على ذلك هايلي فاولر التي تدرس تأثيرات التغير المناخي في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة، قائلة: «يأتي هذا التكثيف بسبب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر». إذ أدى ارتفاع درجات حرارة سطح البحر إلى ضخ الطاقة والرطوبة في العاصفة دانيال، ما أدى إلى تصاعد الرياح والأمطار.

ويقول ألفارو بيمباو سيلفا متخصص المناخ في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «لم تكن درجات حرارة سطح البحر مرتفعة ارتفاعًا استثنائيًا، لكنها تجاوزت 26 درجة مئوية، وهذا ما يعد أكثر من كافٍ لتعزيز مثل هذه العواصف وتأجيجها بعد أن تتطور».

وأضافةً إلى ذلك كانت درجات حرارة سطح البحر أعلى من 27.5 درجة مئوية في القرب من سواحل ليبيا. ويوجد عامل محتمل آخر أيضًا، وهو التغيرات في التيار المنطلق (التيار النفاث)، ويقصد به التيارات الهوائية على ارتفاعات عالية التي تؤثر بشدة في أنماط الطقس.

تقول فاولر إن العاصفة دانيال بقيت ثابتة في مكانها عدة أيام بسبب (كتلة أوميغا)، إذ يهب التيار المنطلق (النفاث) بشكل يشبه الحرف اليوناني أوميغا (Ω).

يقول بلوشل إن مثل هذه الأحداث المعرقلة تسببت في العديد من الظواهر الجوية المتطرفة في أوروبا أيضًا، ومنها الفيضانات الشديدة في ألمانيا في يوليو 2021.

وتوجد أدلة تشير الى أن التغير المناخي يزيد احتمالية ظهور مثل هذه الأحداث، إذ تقول فاولر: «حدث تحول في الأنماط المناخية على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية بكل تأكيد، يبدو أن التيار المنطلق (النفاث) على وجه الخصوص أصبح أكثر تموجًا».

يقول بلوشل إنه ليس من المؤكد تأثير التغير المناخي في هذه المعوقات، موضحًا أنه يدرس السؤال ولكنه غير مستعد بعد لنشر نتائجه، ويقول: «إنه أمر معقول، لكنه غير مُثبت بعد». ومع ذلك يبدو أن أوروبا تشهد الكثير من الفيضانات. ففي دراسة أجريت عام 2020، أظهر هو وزملاؤه أن السنوات الثلاثين الماضية شهدت فيضانات أكثر من أي فترة أخرى في آخر 500 عام مضى.

العقوبات والحكومات المتنافسة

يوجد إجماع بأن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ليبيا ساهم أيضًا في زيادة حدة الكارثة إذ يقول نايت: «إن البلاد في حالة من الفوضى». فلدى البلاد حاليًا حكومتان متنافستان، واحدة في الغرب والأخرى في الشرق، والاقتصاد يعاني.

يشير بلوشل إلى أن ضعف البنية التحتية في ليبيا له دور لا يقل أهمية عن الطقس المتطرف في خلق الدمار، ويقول إنه من المحتمل أن السدود في درنة لم تُبنى وفقًا لمعايير رفيعة، وغير خاضعة لصيانة دورية بانتظام، إن نقص الصيانة هو بالتأكيد أحد الأسباب التي ساهمت في وقوع الكارثة.

ويضيف بلوشل أن المشكلات تمتد إلى البنية التحتية الاجتماعية، ومن ضمنها إدارة الدفاع عن الفيضانات، ولا بد من وجود أنظمة إنذار تصل إلى كل من يكون معرضًا للخطر، ويجب تدريب هؤلاء الأشخاص على كيفية الاستجابة إذ يقول: «نادرًا ما تُجرى تدريبات على الفيضانات، إذا أردنا أن نكون مستعدين فعلينا أن نمارس ذلك بانتظام».

يقول زيتون: «لو كانت البلاد مستعدة بشكل أفضل من حيث الأهبة والاستجابة، لما لقي 5000 شخصًا حتفهم».

اقرأ أيضًا:

تغير المناخ قد يؤثر في استقرار المنازل والأبنية على سطح الأرض

تغير المناخ: مستقبل حار بانتظارنا، ما هي أكثر البلدان عُرضة للخطر؟

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: نور حمود

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر