تقترح إحدى النظريات المتعلقة بالتطور أن الاصطفاء الطبيعي لا يشكل عاملًا مؤثرًا على الشيخوخة بالنسبة للأشخاص الذين تجاوزوا السن الطبيعي للإنجاب إذ إن التنوعات الجينية لا تُورّث للذرية في تلك المرحلة من الحياة.

دعّمت دراسة جديدة هذه الفكرة، إذ وجدت أن أنواعًا محددةً من الأنسجة لدى كبار السن تتأثر بالتقدم في السن والعوامل البيئية أكثر من الحمض النووي. قد تؤدي هذه الأنسجة -رغم أهميتها البالغة- إلى الإصابة بالسرطان.

طرح الدكتور الحائز على جائزة نوبل بيتر ميداوار عام 1952 فرضيةً مفادها أن عمليات التقدم في السن قد تكون نتيجة لكون الاصطفاء الطبيعي في التطور لا يخبرنا الكثير عن الأشخاص الذين تجاوزوا سن الإنجاب.

توصلت دراسة حديثة إلى دعم جديد لفرضية ميداوار بتحليل كيفية التعبير عن ما يقارب 20,000 جين بشري بينما نتقدم في السن، وتقترح الدراسة أن تأثير الجينات ينخفض مع التقدم في السن والشيخوخة.

يقول الأستاذ المساعد لمادة علم الأحياء التكاملي في جامعة كاليفورنيا بيتر سودمانت في دراسةٍ أجراها إن جميع الأمراض البشرية المعروفة هي أمراض متعلقة بالشيخوخة مثل ألزهايمر والسرطانات وأمراض القلب ومرض السكري، وأن موارد هائلة خُصصت لتحديد التنوعات الجينية المؤهبة لحدوث هذه الأمراض، ما تُظهره هذه الدراسة حقيقةً أنه مع التقدم في السن تقل أهمية الجينات في التعبير الجيني!

منطق تطوري

لخص بيتر سودمانت فرضية ميداوار بأن الجينات التي تكون مفعلة عندما نكون صغارًا تكون مُقيَّدة بالتطور لأنها أساسية للتأكد من بقائنا على قيد الحياة ومن ثم تكاثرنا، بينما تكون الجينات المُعبَّر عنها بعد بلوغ سن اليأس تحت تقييد تطوري أقل.

عمل الدكتور باسارينو -بروفيسور علم الوراثة في جامعة كالابريا بإيطاليا- على شرح هذه الدراسة رغم أنه لم يكن مشاركًا بها، إذ وضح أنه من الجلي لكي تكون قادرًا على إنجاب الأطفال عليك أن تحيا حياةً صحية وتمتلك لياقةً كافية لتتكاثر، ولكي تصل إلى هذا الهدف يجب أن تكون سليمًا من الأمراض في مرحلة الشباب لتتمكن من العثور على غذاءٍ جيد وشريك مناسب.

يعتمد التطور على حقيقة أن الأفراد ذوي اللياقة والكفاءة الأفضل سيكون لديهم أطفال أكثر، وبالتالي ستنتشر جيناتهم على نطاق أكبر من الأشخاص الذين لديهم أطفال أقل.

خمسة أنسجة تثير مشكلات

جمع الباحثون بيانات التعبير الجيني لـ 27 نوعًا مختلفًا من الأنسجة الجسدية عند 950 شخصًا. صُنِّف الأشخاص على أنهم “صغار” إن كانوا يبلغون أقل من 55 سنة، و”كبار” إن كانوا أكثر من ذلك.

وجد الباحثون أثناء تحليلهم أن الجينات تمارس قدرًا متساويًا من التأثير على التعبير الجيني في كل الأنسجة تقريبًا حتى نصل إلى فئة “الكبار”، إذ تلعب الشيخوخة في تلك المرحلة دورًا أكبر من الجينات في التأثير على خمسة أنواع رئيسية من الأنسجة هي الدم والقولون والشرايين والمريء والأنسجة الدهنية.

تشير الشيخوخة هنا إلى عمليات الشيخوخة التدريجية الشاملة التي تمر بها الخلايا مع التقدم بالسن.

تأثير البيئة في الشيخوخة

قد يكون من المفيد نظريًا أن يكون التطور مساعدًا في انتقاء الجينات التي ستبقينا أصحاء بينما نتقدم في السن بعد مرحلة الخصوبة، لكن حدود التطور تكمن هنا، في ذلك الوقت من الحياة لا ينبغي أن نكون بحاجة لتفعيل هكذا أنواع من الجينات، إذ إن تفعيلها يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالسرطانات.

الشيخوخة والعوامل البيئية هما عاملان مؤثران مهمان على التعبير الجيني في تلك الأنسجة.

تتضمن العوامل البيئية مؤثرات لا ترتبط مباشرةً مع عمليات الشيخوخة مثل جودة الهواء والماء والنظام الغذائي ومستوى اللياقة البدنية.

هذا لا يعني أن لا أهمية للجينات في الشيخوخة. توجد العديد من الدراسات تشير إلى أن التشابهات بين الأقارب فيما يتعلق بجودة الشيخوخة (ظهور الأمراض أو العجز) كثيرة جدًا. في الواقع، على الرغم من عدم انتقاء الجينات التي سيُعبَّر عنها لاحقًا في الحياة، فإنها تبقى مهمةً لحياتنا.

بعبارة أخرى، نحن مجهزون بصبغيات مُختارة بعناية فائقة للجزء الأول من حياتنا، وبصبغيات مُختارة بعناية أقل لما تبقى من الحياة. وبكل الأحوال يعتمد نمطنا الظاهري على موروثاتنا.

ما تعنيه هذه الدراسة

يحتاج الباحثون إلى دراسة الجينات المعبر عنها في المرحلة المتقدمة من العمر وتحسينها، وذلك نحو فهم أفضل لتعقيد عملية الشيخوخة وكيفية تقدم البشر في السن وتعلم إبطاء هذه العملية.

قد يكون أحد الخيارات هو مراقبة عمل الآليات الجينية في الكائنات المعمرة التي تعيش أمدًا طويلًا ومحاولة تعديل آليات البشر الجينية وفقًا لذلك.

على سبيل المثال، وُجد أن الكائنات المعمرة لديها قدرة محدودة في استخدام البروتينات والسكاكر، بالتالي بإمكاننا استهلاك كميات محدودة من البروتين والسكر لتعديل آلياتنا العضوية كما لو أننا مجهزون بنفس آليات الكائنات المعمرة.

اقرأ أيضًا:

تطور البشر ليظلوا نشيطين حتى بعمر الشيخوخة على عكس المتعارف عليه

لقاح مضاد للشيخوخة واعد للفئران، هل سينجح على البشر؟

ترجمة: ميس مرقبي

تدقيق: آلاء رضا

المصدر