يعتقد الباحثون أنهم قد عثروا على أول دليل لثقب أسود تكوّن من بذرة ثقب أسود ضخم (البذرة الثقيلة).

تبدو بعض الثقوب السوداء كبيرة جدًا لتكون في مراكز المجرات الصغيرة نسبيًا، لذا يرى العلماء أنها على الأرجح قد حصلت على دفعة نمو من ثقوب سوداء أصغر تُعرف باسم (بذور الثقب الأسود). وما زال هذا البحث مبدئيًا في مرحلة مبكرة للغاية، إلا أن العلماء متحمسون لمتابعة التطورات فيه.

ليس أمرًا مفاجئًا أن تكون الثقوب السوداء كبيرة للغاية؛ فهي لطالما عُرفت بأنها أضخم الأجسام في الكون. ولكن ما زال من الصعب تمامًا فهم إلى أي مدى هي كبيرة بالضبط؛ فحتى أصغرها كبير بما فيه الكفاية لكي يقيسه الباحثون بوحدات الكتلة الشمسية. إذ إن ثقبًا أسود يعادل 15 كتلة شمسية هو أضخم بمقدار 15 مرة من شمسنا.

إن الثقوب السوداء فائقة الكتلة -تلك التي توجد في مراكز المجرات- تفوق تلك الثقوب السوداء بمرات كثيرة. إذ إن أصغرها بحجم 100 ألف كتلة شمسية، وأكبرها قد يصل إلى مليارات الكتل الشمسية. ويتماشى كل ذلك تمامًا مع الحدود المثالية المتوقعة لوحوش الجاذبية الغامضة المثيرة تلك.

لكن هناك نوع واحد من الثقوب السوداء ليس بالحجم الذي يراه الفلكيون أو ما يجب أن يكون عليه. إذ يظهر عادةً وكأنه ثقب أسود فائق الكتلة، إلا أنه يعيش في مجرات تبدو صغيرة جدًا (ناشئة) لاستضافة حقول جاذبية ضخمة بهذا الحجم.

تتكون الثقوب السوداء فائقة الكتلة عادةً عبر مليارات السنوات، لكن هذا النمط الفريد من الثقوب يستغرق فترة قصيرة جدًا قدرها الملايين. وتُحدَّد هذه الثقوب بالمجرات التي تستضيفها أو مثلما تُعرف باسم (مجرات الثقوب السوداء الضخمة) (OBGs).

صرّح جون ريغن المتخصص في الفيزياء النظرية للثقوب السوداء على منصة Space.com قائلًا: «الأمر أشبه برؤية عائلة تمشي في الشارع مع مراهقَين اثنين بطول 6 أقدام، ولكن لديها أيضًا طفل صغير يتمتع بالطول نفسه! إنها مشكلة إلى حد ما! فكيف أصبح الطفل الصغير طويلًا هكذا؟».

أضاف ريغن قائلًا: «هذه هي الحال أيضًا بالنسبة للثقوب السوداء فائقة الكتلة، كيف أصبحت ضخمة بهذا الشكل بسرعة كبيرة جدًا؟».

تقترح النظرية الغالبة أن هذه الثقوب السوداء ناتجة عن بذور، بمعنى أنها تأتي من ثقوب سوداء أصغر سابقة لها، وقد منحتها دفعة في النمو. ويعتقد الباحثون أنهم قد رصدوا -ولأول مرة على الإطلاق- دليلًا على وجود إحدى هذه البذور.

لقد مكّن مقراب جيمس ويب الفضائي بقدرته وقوته الخيالية مع مرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية، العلماء من إلقاء نظرة عن قرب على المجرة (UHZ1). وقد كانت هذه المجرة مركزًا للاهتمام أساسًا بسبب تلك النواة المجريّة النشطة جدًا بثقب أسود، إضافةً إلى أنها الحاضن للكوازارات – quasars أو النجوم الزائفة.

إلا أن العلماء قد لاحظوا عند النظر بعناية كبيرة وواضحة على المجرة (UHZ1)، أن البيانات المجموعة من هذه المجرة قد تطابقت على نحو وثيق مع ما هو مُتوقع رؤيته في (OBG). إِذ طابقت تحديدًا نماذج من مجرات الثقوب السوداء الضخمة (OBGs) التي تشكلت مما يُعرف باسم (بذرة ثقب أسود ضخم).

هناك فرضيتان رئيسيتان بخصوص الثقوب السوداء الناشئة من البذور؛ أنها تنتج من بذور ثقيلة (فائقة الكتلة) ومن بذور خفيفة.

تتشكل البذرة الخفيفة نظريًا من نجم واحد قد مات وتحول إلى ثقب أسود. وليست الفكرة غريبة تمامًا إن كان الشخص على دراية بالثقوب السوداء، لكن يُعتقد أن البذور الثقيلة تتشكل بطريقة مختلفة.

تنتج البذور الثقيلة أساسًا من انهيار جاذبية سحابة ضخمة من الغاز والغبار الكوني الأوليين. وتتشكل هذه الأنواع من السحب تحت الظروف المثالية للجاذبية غالبًا إلى كواكب أو نجوم، وتستطيع نظريًا تجاوز مرحلة الأجرام السماوية تمامًا لتصبح فقط ثقبًا أسود.

فإذا كان لدينا سحابة كبيرة بما فيه الكفاية، فقد ينشأ عنها ثقب أسود يصل حجمه إلى 100 ألف كتلة شمسية. وسيبدأ حياته بصفته ثقبًا فائق الكتلة من دون الحاجة إلى أن ينمو أبدًا.

إذا كان الباحثون على حق، وكانت مجرة (UHZ1) في الواقع من مجرات الثقوب السوداء الضخمة (OBG) التي تَشكّل ثقبها الأسود من بذرة ثقيلة (بذرة ثقب أسود ضخم)، فسيكون ذلك حدثًا كبيرًا في المجتمع العلمي.

في الوقت الحالي، إن فكرة الثقوب السوداء التي تنشأ من أي نوع من البذور تبقى مجرد نظرية. لذا فإن التعرف عليها وتحديد أحدها سيكون انتصارًا عظيمًا للباحثين في مجال الثقوب السوداء. لكن حاليًا ما زالت النتائج التي تمكّن العلماء من الحصول عليها أوليّة.

يشير الباحثون الذين أعدّوا هذه الدراسة المُقدّمة -لكن غير المقبولة بعد- إلى مجلة Astrophysical Journal Letters للأبحاث الفيزيائية الفلكية، إلى وجود قيود جدية على عملهم وضرورة إجراء المزيد من المسح والتحليل قبل أن يستطيعوا التأكد قطعًا من أن مجرة (UHZ1) تحتوي على ذاك الثقب الأسود الناشئ من بذرة الذي يبحثون عنه.

مع ذلك، ما زالت هذه نقطة مثيرة في فكرة الاكتشاف والتعلم أكثر بشأن الثقوب السوداء. ونأمل أن نتمكن من إضافة المزيد إلى هذا الأمر في القريب العاجل.

اقرأ أيضًا:

محاكاة ثقب أسود في المختبر، فما الذي حدث؟

هل يمكن لثقب أسود أن يبتلع الكون بأكمله؟

ترجمة: صبا الحسين الحجي

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر