يؤثر تلوث الهواء على صحة الرئة والقلب لدى البشر، هذا ما نعرفه منذ سنوات، لكنّ دراسةً جديدةً وجدت أن الجزيئات السامة بالغة الصغر تدمر خلايا الدماغ بمجرد استنشاقها، إذ تنتقل هذه الجزيئات من الرئة إلى الدماغ مباشرة عبر الدم.

وجدت الدراسة أيضًا أن هذه الجزيئات تؤدي إلى الإصابة بأمراض عقلية وعصبية منها ألزهايمر واضطرابات الفهم والإدراك لدى الصغار والكبار على حد سواء.
تحتل هذه الجزيئات السامة النسيج العصبي في الدماغ ويصعب على الجهاز المناعي اكتشافها والتخلص منها، لذلك فإنها تبقى في الدماغ مدة أطول من بقائها في باقي الأعضاء الرئيسية.

وجد الباحثون في السنوات القليلة الماضية علاقةً وثيقةً بين التعرض المستمر للهواء الملوث في المدن الكبيرة والإصابة بأمراض عقلية مثل الالتهابات العصبية والانحدار في الإدراك حتى لدى الشباب، وتقترح الدراسة أيضًا أن عدد الجزيئات الدقيقة التي تنتقل إلى الدماغ من الرئة عبر الدم أكثر ثماني مرات من عدد تلك التي تنتقل إلى الدماغ مباشرة عبر الأنف.

تعبر الجزيئات السامة الحاجز الدماغي الدموي الذي يمنع مرور الأجسام الغريبة إلى الدماغ عبر الدم إن كانت صغيرة بما يكفي لتعبر، ويرتبط الضرر الذي يصيب الحاجز الدماغي الدموي بشكل مباشر بالاضطراب الإدراكي وأمراض مثل ألزهايمر.

تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها في إيضاح أن الملوثات الموجودة في الهواء يمكن أن تنتقل إلى الدماغ عبر الحاجز الدماغي الدموي، على خلاف ما كان يعتقد العلماء من أن الملوثات تنتقل عبر الأنف أو الخلايا العصبية في المعدة المرتبطة بالجهاز العصبي مباشرة.

كشف العلماء أيضًا أنهم وجدوا الكثير من الجزيئات الصغيرة الضارة في السائل الشوكي في عينات لمرضى الأمراض العقلية.

تعد ملوثات الهواء خليطًا من عدة مواد سامة لكن الجزيئات السامة الدقيقة “PM” (خصوصًا جزيئات pm 2.5 وpm 0.1 ) هي الأكثر ضررًا على الصحة، إذ تستطيع الجزيئات بالغة الصغر تجاوز جميع الحواجز البيولوجية والدفاعات المناعية والوصول إلى الدماغ.

وجد الباحثون عند فحص السائل الشوكي لـ 25 شخصًا يتعرضون للتلوث الجوي باستمرار أن نحو ثلث هذه المجموعة لديهم جزيئات تلوث سامة مثل الحديد والكالسيوم والمالايايت وثاني أكسيد التيتانيوم (أناتيز).

أجرى الباحثون اختبارات على الفئران بعد حقنهم بجزيئات كربون أسود وثاني أكسيد التيتانيوم مباشرة إلى الرئة، بعد مدة قصيرة وجد الباحثون أن المواد السامة وصلت إلى الدماغ مباشرة عبر الدم.

وبعد تشريح أدمغة الفئران وجدت الجزيئات السامة داخل الأوعية الدموية وخارجها قرب الحاجز الدماغي الدموي؛ بسبب تلف الحاجز الذي قد يسبب تسربًا بنسبة 20٪؜ أو أكثر، إذ إن الجزيئات بالغة الصغر تنتقل بسهولة بين خلايا الحاجز الدماغي الدموي؛ أما الفئران التي لم تتعرض للتلوث الجوي لم تظهر لديها جزيئات سامة في النسيج الدماغي.

لاحظ الباحثون أن نسبة الجزيئات السامة لدى الفئران المحقونة بها تناقصت بالتدريج في كل أعضاء الفئران بعد نحو يوم واحد، لكنها بقيت في الدماغ مدة أطول حتى طُرحت خارج الجسم.

تقدم هذه الدراسة أدلة جديدة على خطر التلوث الجوي على الجهاز العصبي المركزي، ولكن يحتاج الباحثون إلى معلومات ودراسات أكثر على الميكانيكية التي تنتقل بها الجزيئات السامة بالغة الدقة إلى الدماغ.

اقرأ أيضًا:

تلوث الهواء أسوأ مما كنا نعتقد

أدلة جديدة تظهر أثر فيروس كورونا الجديد على تلوث الهواء العالمي

ترجمة: غند ضرغام محمد امين

تدقيق: بتول جنيد

المصادر: 1 2