الحوسبة الكمّية قادمةٌ إلينا بسرعة، هذا كل ما تحتاج أن تعرفه عنها.


أعلنت شركة غوغل في أوائل شهر تمّوز، أنها ستقوم بتوسيع خدمة الحوسبة السحابية التجارية لديها؛ لتتضمن الحوسبة الكمّية، والخدمة ذاتها متوفرة لدى IBM منذ شهر أيار، وسيكون لدى أغلب الناس الكثير من الأسباب لاستخدام هذا النوع من الخدمات.

وجَعْلُ الحواسيب الكمّية قابلةً للوصول أكثر، سيساعد الحكومة ومجموعات البحث المشتركة حول العالم أن تكمل دراستها حول إمكانياتها.

ويتطلب فهم كيفية عمل هذه الأنظمة استكشاف مجالاتٍ جديدةٍ في الفيزياء، أكثر ممَّا يعرفه معظم الناس.

ومن التجربة اليومية نجد أننا متآلفين مع ما يدعوه علماء الفيزياء، بـ (علم الميكانيك التقليدي)، الذي يدير معظم العالم الذي نراه بأعيننا، فعلى سبيل المثال، ما يحدث عندما تضرب سيارةً ببناءٍ ما؟، والطريق الذي تأخذه كرةٌ عندما يتم رميها؟، ولماذا يعد من الصعب جرُّ البراد على طريقٍ رملية؟.

ويختلف ميكانيك الكم عن ذلك، فهو يصف الحقل تحت الذري – سلوك البروتونات والإلكترونات والفوتونات -، ويمكن أن تقود قوانينه المختلفة جدًا عنها في الميكانيك التقليدي إلى نتائج حدسيةٍ وغير متوقعة، مثل: فكرة أنه يمكن أن يكون للأشياء كتلةٌ سلبية.

استمر علماء الفيزياء حول العالم، في الحكومة، ومجموعات البحث المشتركة، والجامعية حول العالم، في اكتشاف تطوراتٍ في العالم الحقيقي للتكنلوجيا، اعتمادًا على ميكانيك الكم، ويتطلع علماء الحاسوب، إلى فهم كيفية استخدام هذه التقنيات في تطوير الحوسبة.

مقدمةٌ موجزةٌ في فيزياء الكم.

نعتاد في حياتنا اليومية على وجود الأشياء في حالةٍ واضحةٍ، فعلى سبيل المثال: المصباح الضوئي إما أن يكون مضاءً، أو مطفأً، ولكن في العالم الكمّي، الأشياء يمكن أن توجد في حالةٍ تراكبيةٍ، فالمصباح الضوئي بحالةٍ ذريةٍ افتراضيةٍ، يمكن أن يكون مطفأً ومضاءً معًا، وهذه الخاصية الغريبة، لها عواقب مهمة في الحوسبة.

الوحدة الأصغر للمعلومات في الميكانيك التقليدي، والحواسيب العادية أيضًا، هي البت، وهي وحدةٌ يمكن أن تأخذ قيمتين، هما: 0 أو1، ولكن لا يمكن أن تأخذ القيمتين معًا، وفي الوقت نفسه، وبالنتيجة فإن كل بت يمكن أن يحتفظ بمعلومةٍ واحدةٍ فقط، وهذه البتات التي يمكن تمثيلها على شكل موجاتٍ إلكترونية أو تغيراتٍ في الحقول المغناطيسية، أو حتى تحولٌ فيزيائيٌ بين on و off، تشكل قاعدةً أساسيةً في الحسابات، والتخزين، والاتصالات، في حواسيب اليوم، وشبكات المعلومات.

-Qubits البتات الكمية هي المكافِئات الكمية للبتات التقليدية.

هناك فرقٌ واحدٌ أساسيٌ، هو: أنه وفقًا للتراكبية، فإن البتات الكمية يمكن أن تحتفظ بالقيمتين معًا 0 و1 في آن واحد، ويجب أن تكون التحولات الفيزيائية للبتات الكمّية ضمنيًا على مقياسٍ ذريٍ، فعلى سبيل المثال: على محور الإلكترون، أو مركز الفوتون.

الحوسبة في البتات الكمّية.

هناك فرقٌ آخر، هو أن البتات التقليدية يمكن التعامل معها بشكلٍ مستقلٍ عن بعضها البعض إذ أن قلب بت في موقعٍ معينٍ لا يؤثر على البتات في المواقع الأخرى، بينما البتات الكميّة يمكن تركيبها بواسطة خاصية الميكانيك الكمِّي التي تدعى بـ (التشابك entanglement -)، إذ تخضع لبعضها، حتى لو كانت منفصلةً، وذلك يعني أن العمليات التي يتم تنفيذها على البتات الكميّة عن طريق الحاسب الكمّي يمكن أن تؤثر على بتين كمومييِّن في آن واحد، وهذه الخاصيّة مشابهةٌ للمعالجة المتوازية، ولكن ليست نفسها التي يمكن أن تجعل الحوسبة الكمّية أسرع بكثيرٍ منها في الأنظمة التقليدية.

إن الحواسيب الكمّية بمقاييس كبيرة – التي هي حواسيبٌ كميّة بمئات البتات الكميّة- غير موجودةٍ حتى الآن، وهناك تحدٍ لبنائها؛ لأنها تتطلب عملياتٍ وقياسات، يجب أن تتم على مستوى ذرّي.

وعلى سبيل المثال حواسيب IBM الكمّية، لديها 16 بت كمّي، وغوغل تعد الآن حاسوبًا كمّيًا بـ (49 بت كمّي)، والذي سيكون تطورًا مذهلًا بحلول نهاية هذا العام.

ومن جهةٍ أخرى، إن الحواسيب الآن لديها ذاكرة RAM بعدة غيغابايت، باعتبار أن الغيغابايت هو 8 مليون بت تقليدي.

أداةٌ قوية.

على الرغم من صعوبة صنع حواسيب كمّية فاعلة، فإنّ الباحثين يستمرون في اكتشاف قدراتها، وقد وضَّح ( بيتر شور- Peter Shor) في عام 1994م، أن الحواسيب الكمّية، يمكنها أن تحل وبسرعة مسائل الرياضيات المعقدة، التي تقف خلف أنظمة التشفير الشائعة، التي تستخدم المفاتيح العامة، ومنها الأنظمة التي تؤمن الاتصال الآمن في متصفحات الإنترنت.

سيهدد حاسوب كمّي بمقياسٍ عالِ أمان الإنترنت كما نعرفه حاليًا، والمشفرون يكتشفون مقترحاتٍ لمفاتيح عامةٍ جديدةٍ بشكل مستمر، والتي ستكون معارضة للكمّية على حد معرفتهم حاليًا.

وعلى نحوٍ مثيرٍ للاهتمام، يمكن أن تستخدم قوانين ميكانيك الكم في تصميم أنظمة التشفير، التي هي على نحوٍ ما، أكثر أمانًا، من نظيرتها التقليدية.

وعلى سبيل المثال، توزيع المفتاح الكمّي يسمح لفريقين أن يتشاركا سرًا لا يمكن لأي حسّاس أو مستمعٍ أن يحصل عليه سواء أكان باستخدام الحواسيب التقليدية، أو الكمّية، وهذه الأنظمة بالإضافة إلى الأنظمة الأخرى المستندة إلى الحواسيب الكمّية يمكن أن تصبح أكثر فائدةً في المستقبل سواء أكانت في التطبيقات الواسعة، أو الأكثر توجيهًا، ولكن هجوم المفاتيح يجعلهم يعملون بشكلٍ أكبر، وعلى أبعادٍ أوسع في العالم الحقيقي.


  • ترجمة: بتول حبيب.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر