قالت البروفيسور ماجدالينا سيرنيكا جويتز، أستاذة التنمية والخلايا الجذعية بجامعة كامبريدج: «إنه عام مميز بالنسبة لمجال إنماء الأجنة البشرية. إذ تُضاف هذه الدراسة إلى ستة نماذج أخرى شبيهة بالأجنة البشرية نُشرت في وقت سابق من عام 2023. ولا تشرح هذه النماذج التطور البشري الطبيعي بصورة كاملة، ولكن كلًا منها يضيف إلى الطرق التي نستطيع بها الآن دراسة العديد من جوانب التطور البشري تجريبيًا».

قال البروفيسور روجر ستورمي، أستاذ الطب التناسلي في كلية هال يورك الطبية: «يصف العمل الذي نشره فريق بحث هانا مؤخرًا سلسلة رائعة من التجارب التي تمكّن فيها العلماء من تنظيم الانقسام الذاتي في الخلايا الجذعية متعددة القدرات لتتمايز إلى هياكل قريبة جدًا من هياكل الأجنة البشرية في المراحل المبكرة. يعتمد البحث على عمل سابق لهذه المجموعة وأبحاث فرق أخرى، ويظهر أنه من الممكن تحفيز الخلايا الجذعية لتتمايز إلى أنواع الخلايا الرئيسية التي تشبه بصورة كبيرة الخلايا الموجودة في الجنين البشري. ومع ذلك، وفي خطوة إلى الأمام، تمكن فريق من معهد وايزمان من إظهار أنه عندما تُدمج هذه الخلايا الجذعية المبرمجة معًا بنسبة مناسبة، فإنها تكون قادرة على التنظيم الذاتي في بنية تشبه إلى حد كبير جنينًا في الرحم في مراحله المبكرة».

اتخذ الفريق المزيد من الخطوات الدقيقة وأكّد أن الخلايا الموجودة في نماذج الأجنة البشرية لها عدد من الخصائص الجزيئية المهمة التي تظهر في الأجنة الطبيعية وتبدأ هذه الخصائص بالظهور في المراحل نفسها مقارنةً مع الأجنة الطبيعية.

لقد نُفذ العمل على مستوى عالٍ وبعناية كبيرة، ولكن من المهم ملاحظة أن كفاءة هذه العملية منخفضة، وهناك نسبة صغيرة جدًا من الهياكل التي كانت قادرة على إكمال العملية والتمايز إلى الهيكل النهائي. والأهم من ذلك، أن هذه الهياكل هي نماذج جنينية، والمصطلح الوارد في البيان الصحفي «الأجنة الاصطناعية» أمر مؤسف، لأنها ليست اصطناعية ولا أجنة.

تصف الجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية هذا المصطلح بأنه غير دقيق. إضافةً إلى ذلك، ليس من المناسب اعتبار هذه النماذج بمثابة “أجنة” لأنه ليس لدينا طريقة لتقييم إمكاناتها ومعرفة ما إذا كان باستطاعتها التطور أكثر، لأنه ما يزال محظورًا نقل نموذج الجنين إلى رحم حيوان أو شخص. إضافةً إلى ذلك، فإنها تتمايز بعمليات مختلفة تمامًا عن التي تحدث في أثناء تطور الأجنة الطبيعية، ويتطلب الأمر مزيدًا من العمل لفهم مدى تشابه هذه النماذج والعديد من نماذج الأجنة الأخرى مع الأجنة البشرية الأصلية. ومع ذلك، فمن المهم أن تستمر الأبحاث في هذا المجال في متابعتها بعناية.

في المملكة المتحدة، جمع مشروع حوكمة نماذج الأجنة القائمة على الخلايا الجذعية (G-SCBEM)، بقيادة شركة Cambridge Reproduction، الباحثين الأكاديميين وعلماء القانون وعلماء الأخلاقيات الحيوية وممولي البحوث لإعداد مجموعة من المبادئ التوجيهية للعمل على زرع الأجنة البشرية بدءًا من الخلايا الجذعية.

قال البروفيسور ألفونسو مارتينيز أرياس، أستاذ قسم العلوم التجريبية في جامعة بومبيو فابرا: «هذا بحث مهم للغاية، لا سيما بعد ظهور مجموعة الادعاءات خلال الصيف والتي تفيد بأنه قد صُمّم جنين بشري كامل، وهو مكتمل الأنسجة الجنينية وخارج الجنينية، في المختبر. وفي إحدى الحالات، ارتبط هذا الادعاء بعناوين مثيرة للقلق أثارت مخاوف أخلاقية بشأن العلم والعلماء. لسوء الحظ، لم تُدعم هذه الادعاءات بعد نشر العمل الذي أظهر مجموعات مشوهة من الخلايا لا تشبه الهياكل الموجودة في الجسم الحي. البنية الكاملة معقدة وقد أثارت نتائج هذه التجارب التساؤل حول ما إذا كان من الممكن الاستفادة منها في التجارب الأخرى المُجراة. يُظهر العمل الذي أجراه مختبر هانا أن ذلك ممكن، ولكن قد يكون لهذا الأمر بعض من الآثار الأخرى».

يُعد اليوم الرابع عشر من نمو الجنين فترة مهمة وحاسمة. ومن السمات المهمة لهذه اللحظة قدرة الخلايا الجنينية على التطور إلى إنسان وهذا يعتمد إلى حد كبير على قدرتها على الارتباط بالأم التي ستوفر لها الرعاية والحماية. وهذا بدوره يتطلب ما يسمى بالأنسجة خارج الجنين؛ وهي شبكة معقدة من الأغشية ستُستخدم لبناء كل من الارتباطات بالرحم وتوفير مكان مناسب لنمو الإنسان.

إن تنظيم هذه الأغشية والجنين أمر شبه مستحيل لأنه يتم داخل الرحم ضمن هياكل صغيرة جدًا. مع إمكانية زراعة الأجنة خلال هذه الفترة المهمة للغاية (اليوم الرابع عشر)، فإن التقنيات الحالية لا تسمح بالتطور الطبيعي لها. لقد حقق العمل الذي نُشر مؤخرًا في مختبر هانا، وللمرة الأولى، بناءً دقيقًا للبنية الكاملة من الخلايا الجذعية في المختبر، ما فتح الباب لدراسة الأحداث التي أدت إلى تكوين جسم الإنسان.

شهدت السنوات القليلة الماضية تقدمًا كبيرًا في استخدام الخلايا الجذعية الجنينية لإعادة بناء المراحل الأولى من التطور البشري، وهذا بسبب قدرة الخلايا الجذعية على التنظيم الذاتي. وقد استغلت بعض المختبرات ذلك لتصميم وزرع الجزء الجنيني في اليوم الرابع عشر تقريبًا. ومن المثير للدهشة أن هذا ينجح، ولكن تفتقر الهياكل الناتجة إلى الأنسجة خارج الجنينية وتُتلف بعد وقت قصير بسبب عدم وجودها. وهذا يُثير التساؤل حول ما إذا كانت إضافة الأنسجة خارج الجنينية إلى الخلايا الجذعية ستحافظ على الهيكل للخلايا وتسمح لها بالتقدم أم لا؟.

يُظهر عمل مخبر هانا تجمّع هذه الخلايا، بدءًا من الخلايا الجذعية الجنينية، للبنية التي تتطور بمرور الوقت لتصل إلى تكوين مشابه بصورة غريبة لمجموعة الخلايا الجنينية وخارج الجنينية التي تُكوّن الجنين في اليوم الرابع عشر. صحيح أن أعداد الهياكل السليمة الناتجة في كل تجربة منخفض، لكن تكوينها يشبه إلى حد كبير الهياكل الطبيعية الناتجة من الحيوانات المنوية والبويضة، ما يشير إلى أن العلماء قد بنوا نظامًا تجريبيًا يمكن تطويره وجعله أكثر كفاءة.

يأمل الباحثون أن يُنفذ هذا العمل ويتطور هذا المجال ليتمكنوا من وضع حد للادعاءات المبالغ بها التي تروج للخوف بدلًا من الأمل. ومن المهم أيضًا ملاحظة أن الهياكل الموصوفة هنا تتجمع دون الحاجة إلى أي تعديل وراثي للخلايا المكونة.

يفتح هذا العمل المجال لدراسة التفاعل بين الأنسجة الجنينية وخارج الجنينية حتى اليوم الرابع عشر وبدء فهم كيفية تكوّن جسم الإنسان. وسيسمح بدراسة المراحل الأولى من عملية تطور المعيدة، وهو الحدث الأكثر أهمية الذي يشرح مخطط جسم الإنسان، والذي ينشأ فيه أصل العديد من الأمراض.

قال البروفيسور أرياس: «أتوقع أن يثير العمل قضايا أخلاقية، ولكن، على عكس الادعاءات السابقة، هذه المرة مع أساس حقيقي للتفكير في الأسئلة التي تظهر. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم من مفاجأة ظهور الهياكل المُشابهة للهياكل الطبيعية؛ فإن هذا العمل وتطوره ليس مفاجئًا، إذ كان المجتمع العلمي يتوقع هذه التطورات خلال السنوات القليلة الماضية ولديه مناقشات مستمرة حول هذا الموضوع وموجهة نحو تنظيم هذا النوع من الأبحاث».

«من وجهة نظري، فإن القضية التي يجب التأكيد عليها هي أن التجارب تعيد إنتاج الوضع الطبيعي بصورة جيدة، وعلى عكس جميع التقارير الأخرى التي ظهرت خلال الصيف، فإن هذه دراسة تفتح آفاقًا جديدة للبحث في مجال التنمية البشرية. ودراسة عدة جوانب للخصوبة والمرض».

قال البروفيسور داريوس فيديرا، أستاذ بيولوجيا الخلايا الجذعية والطب التجديدي بجامعة ريدينغ: «تقدم هذه الدراسة المثيرة للاهتمام، التي أجراها أولداك وآخرون في مختبر جاكوب هانا في معهد وايزمان، نموذجًا جديدًا متطورًا للجنين البشري الذي تشكّل بواسطة التنظيم الذاتي للخلايا الجذعية الجنينية البشرية دون تعديلات وراثية. يمكن لهذه الهياكل، التي تشبه الأجنة البشرية المبكرة، أن توفر رؤىً جديدة حول بعض العوامل التي تساهم في حالات الإجهاض عند البشر».

«على عكس الدراسات المماثلة التي نُشرت في وقت سابق من هذا العام؛ فإن هذه الهياكل الشبيهة بالأجنة تحتوي على معظم أنواع الخلايا الموجودة في الأجنة المتطورة وأظهرت درجة عالية من التنظيم، وهذا يوضح ما يحدث عادةً في الأجنة البشرية المبكرة في أثناء تطورها الطبيعي».

«مع أنها نقطة انطلاق مهمة، فإن هذه الدراسة تركز على التطور المبكر للأجنة. والأهم من ذلك، مع أن الهياكل الشبيهة بالأجنة تشبه الأجنة البشرية المبكرة، فإنها ليست متطابقة».

«يُظهر هذا البحث وغيره من التقارير الحديثة حول نماذج الأجنة البشرية المبكرة أن هذه النماذج أصبحت أكثر تطورًا وأقرب إلى الأحداث التي تحصل في أثناء التطور الطبيعي، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى إطار تنظيمي قوي أكثر من أي وقت مضى».

اقرأ أيضًا:

علماء بريطانيون يطلبون الإذن لتعديل الأجنة البشرية جينيا

الجراحة الكيميائية: علماء يزيلون الطفرات الضارة من الأجنة البشرية

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: يوسف صلاح صابوني

المصدر