في أثناء القيادة ليلًا تظهر مصابيح الإنارة في الشارع محاطةً بهالات حولها، وهو ما يُعرف بـ الرؤية الهالية.

هل سبق لك وأن فكرت في سبب ظهورها؟ ولم تبدو هذه المصابيح أقرب إليك من المعتاد؟ ولا بد أن لهذه الظاهرة تأثير على قيادتك الآمنة، إذ إن رؤية الهالات والحلقات عادةً ما تُسبب التوتر والقلق في أثناء القيادة.

قالت الطبيبة نيكول باجيك، المختصة في طب العيون: «إن رؤية هذه الهالات أمر طبيعي تمامًا، لكنها إذا أثرت على القدرة على الرؤية وخاصةً عند ازدياد خطورة القيادة في الطرقات السريعة مثلًا، تجب استشارة الطبيب».

ما الذي يُسبب رؤية هذه الهالات؟

لتوضيح أسباب رؤية الهالات علينا أولًا فهم آلية عمل العين. القرنية وهي الطبقة الأمامية للعين وتطلق عليها الدكتورة باجيك اسم الزجاج الأمامي للعين، وهي تتحدب من الأمام بلطف وحتى منتصف العين تقريبًا، يُمكن تشبيهها بالعدسة اللاصقة أو بنصف كرة مقسومة.

وكذلك قالت باجيك: «بالنسبة لبعض الأشخاص يُمكن للقرنية أن تكون أكثر تحدبًا من الطبيعي، أو أبعد من مستواها الطبيعي أو تكون مخروطيةً أو تشمل حالات أخرى».

قد تحدث اضطرابات الرؤية سبب شكل القرنية وانحنائها، أي عند عدم قدرة الأشعة الضوئية على الالتقاء في نفس النقطة، ما يعني أن شكل القرنية والبنى الأخرى للعين له أن يُغير من طريقة دخول الضوء للعين، ما ينتج عنه الرؤية المشوهة للضوء مثل الرؤية الهالية.

من الجدير بالذكر أن اضطراب الرؤية هذا لا يقتصر على الرؤية الليلية فقط لكنه أوضح ما يكون في أثناء الليل لأن الضوء الساطع في الظلام يجعل الهالات أكثر وضوحًا.

قدمت الدكتورة باجيك بعض الأسباب المُتعلقة بحدوث هذه الظاهرة وهي:

قصر النظر:

الأشخاص الذين يعانون قصر البصر يجدون صعوبةً في تمييز الأشياء ورؤيتها عن بعد. وفي تصريح للجمعية الأمريكية للبصريات قالت فيه: «إن 30% من سكان الولايات المتحدة يعانون قصر النظر، ويعتمد هؤلاء على النظارات الطبية لتوضيح الأشياء أو أن يسألوا الآخرين عنها».

إن كان نظر الشخص سليمًا، وفي لغة الطب يُقال 20/20، فإن حالة قصر النظر الليلي وتعرف باسم (العشى الليلي) ستسبب بعض التشويش في الرؤية عند توسع حدقة العين ردّ فعل طبيعي لإمرار أكبر كمية ممكنة من الضوء في الظلام.

وقدمت الدكتورة باجيك شرحًا لهذا إذ قالت: «مع اتساع حدقة العين تدخل أشعة الضوء المحيط بمقدار أكبر ما قد يسبب تغييرًا في كيفية ظهور الأشياء وتفسيرها».

اللابؤرية:

تشير إلى العين حين تكون غير مستديرة تمامًا، أي أن تكون القرنية أكثر تحدُبًا مما يجب. ويؤثر شكل العين هذا الذي يُشبه المستطيل في كيفية دخول الأشعة الضوئية إلى العين وتفسيرها كذلك، ما يسبب الرؤية الهالية وعدم وضوح الرؤية عمومًا. يرتدي بعض مصابي اللابؤرية نظارات لتصحيح الرؤية.

جفاف العين المزمن:

هذه الظاهرة مزعجة حقًا للمصابين بها ويُمكن أن تسبب الرؤية الهالية. وفي ذلك قالت الدكتورة باجيك: «أي شخص يعاني جفافًا شديدًا في العين ناتجًا عن عدم ترطيب العين، سيعاني الرؤية الهالية، وأي انحراف عن الحالة الطبيعية في العموم ستسبب ذلك أيضًا، ولكن إصابة المرء بجفاف العين المزمن لا يُحتم عليه الرؤية الهالية».

ارتداء عدسات عديدة البؤر:

يشيع عند التقدم في العمر ارتداء العدسات التي تساعد على إيضاح الرؤية للأشياء البعيدة، وكذلك للأشياء القريبة وأحيانًا للأشياء في المسافات المختلفة بينهما. وبدلًا عن استخدام عدة نظارات لكل حالة يلجأ بعض المرضى إلى النظارات عديدة البؤر أو العدسات اللاصقة.

تُصنع هذه العدسات عبر دمج وصفات الطبيب المختلفة في عدسة واحدة. وذلك بقسم العدسة الواحدة إلى مستويات ثلاث، أعلاها يسمح لك برؤية الأشياء البعيدة بوضوح، والجزء المتوسط للمدى المتوسط كذلك، أما المستوى السفلي فيُقربُ الأشياء.

توضح الدكتورة باجيك: «هذه المستويات المختلفة والتوصيات المتباينة في وصفات الطبيب تُسبب انقسام الضوء إذا ما مر بها عبر عدسة واحدة ويقود هذا مرةً أخرى إلى الرؤية الهالية».

تأثير جراحة العين:

تصحيح النظر باستخدام الليزر أو الليزك (اقتطاع القرنية بالضوء النشط) له أن يُعالج قصر البصر أو حالة اللابؤرية لتعكس قرنية العين الضوء بطريقة صحيحة على الشبكية، ولا يلجأ الناس لنظاراتهم أو للعدسات اللاصقة. وباعتبار تغيير هذه الجراحات لشكل القرنية يرافقها بعض الاضطرابات في الرؤية الليلية. وأظهرت بعض الدراسات أنه وعقب نجاح عمليات الليزك فإن 20% من الأشخاص سيعانون مشكلات بصرية جديدة تشمل الرؤية الهالية في أثناء القيادة الليلية.

الساد أو ما يُعرف بإعتام عدسة العين:

تقول الدكتورة باجيك: «إن الساد حالة شائعة طبيعية ترافق التقدم بالسن وتتمثل بظهور غشاوة من المياه البيضاء داخل العين».

تُسبب هذه الغشاوة تشويشًا في الرؤية لتصبح ضبابيةً. ويُمكن أن تُسبب حساسيةً ضوئيةً أو رؤية وهج ساطع بالإضافة إلى الرؤية الهالية.

القرنية المخروطية:

حالة تُشبه اللابؤرية إذ كلتاهما تصفان تشوهًا في القرنية. لكن تأثير القرنية المخروطية أوضح.

قالت الدكتورة باجيك في هذه الحالة: «إن من يعاني قرنيةً مخروطيةً سيتفاقم عنده ذلك لتصبح القرنية مخروطيةً أكثر مع مرور الوقت وقد يسبب لابؤريةً في العين ما يؤثر في طريقة دخول الأشعة للعين وما يرافقه ذلك من رؤية هالية بدرجة أكبر وأشد».

تدهور هذه الحالة قد يكون بطيئًا أو سريعًا ولا سيما عند المصابين الصغار في العمر. والقرنية المخروطية غير المُعالجة لها أن تؤدي في النهاية إلى فقدان دائم للبصر.

حثل فوكس:

تعمل الطبقة الداخلية للعين مضخةً تُزيل السوائل من القرنية. وعند توقفها عن ذلك ستنتفخ القرنية وتُملأ بالغازات ما يعطي إحساسًا بوجود بثور صغيرة في العين. وتُعرف هذه الحالة باسم حثل فوكس أو ضمور الخلايا البطانية للعين.

تشرح الدكتورة باجيك ارتباط هذه الحالة بالرؤية الهالية فقالت: «يُمكن أن يؤثر تورم القرنية في طريقة استقبال وتلقي الضوء من العين، ما يؤدي إلى الرؤية الهالية».

وحثل فوكس له أن يُسبب أيضًا رؤيةً ضبابيةً أو حكة مزعجة طوال اليوم.

الزرق ضيق الزاوية:

حالة تضرر العصب البصري في الجزء الخلفي من العين وقد تظهر فجأةً. وفي بعض الحالات النادرة منه تتغير الحدقة للتوسع أكثر من الطبيعي، ما يمنع قنوات تصريف العين من القيام بعملها، فتتراكم السوائل داخل العين وتسبب ارتفاعًا بالضغط داخل العين. أما الزرق مفتوح الزاوية وهي الحالة الأكثر شيوعًا، فإنها بطيئة بالظهور والتدهور حيث إن تراكم السوائل داخل العين يتطلب وقتًا أطول. وألجأت الدكتورة باجيك ارتباط الرؤية الهالية بحالات الزرق ضيق الزاوية إلى تصاعد الضغط داخل العين. ويُمكن للزرق أن يكون مرافقًا لأعراض عينية أخرى لا يُمكن تجاهلها وتستدعي استشارة طبيب مباشرةً، مثل الغثيان والإقياء أو أن يكون الزرق مصحوبًا بألم.

متى يجب الخضوع لفحص العين؟

تنصح الدكتورة باجيك بشدة على التالي: «أي تجاهل من قبلك لألم في العين أو مشكلات أخرى قد تصيبها أمر خطر جدًا لا يستهان به، وعليك فور ملاحظتك لأي تغيير في الرؤية أن تلجأ إلى الطبيب».

توصي أكاديمية طب العيون بفحص دوري سنوي للعين خاصةً بعد سن الأربعين. ونوهت إلى أهمية ذلك في الحفاظ على سلامة النظر، إنه مهم أيضًا في كشف أمراض العين الأكثر خطورة. ما يُحتم عليك مناقشة الطبيب بكل الأعراض بما فيها تشوش الرؤية الليلية والرؤية الهالية.

اقرأ أيضًا:

ما أسباب الرؤية الضبابية (زغللة العين)؟

معرفة السبب وراء علاج السرطان الذي يمنح المرضى قدرة الرؤية الليلية

ترجمة: المايا محمد علي

تدقيق: حسام التهامي

المصدر