في النصف الأول مِن القرن العشرين طُورِت نظرية جديدة في الفيزياء، حلّت هذه النظرية محل كل ما نعرفه عن الفيزياء الكلاسيكية بما فيها النسبية التي تُعَدّ نموذجًا كلاسيكيًا أيضًا.

حاليًا تُعتبَر نظرية الكم أو ميكانيكا الكم النموذج الأكثر دِقّةً عن الكون وتحديدًا ما دون الذرّي لأنّ النسبية وفيزياء نيوتن تشرح الأجسام الكبيرة بشكل كافٍ.

وإذا اُعتبرِت مفاهيم وتنبؤات النسبية صعبة وغير بديهية؛ فإنّ العديد مِن مبادئ ونتائج ميكانيكا الكم قد تبدو غريبة كليًا ولا يمكن تصديقها.

ولكن هذه المبادئ تُثبت صحتها مِرارًا وتِكرارًا.

وهي الآن مِن أكثر النماذج الفيزيائية التي تم اختبارها بشكل صارم في كل الأزمنة.

كوانتا

واحدة مِن نتائج ميكانيكا الكم أنّ جوانب وخصائص معينة للكون مُكّممَة (Quantized)، فهي تتألف مِن حِزم متفردة وغير قابلة للتجزئة أو كوانتا (Quanta).

ماذا يعني ذلك؟ على سبيل المثال، الإلكترونات تدور في مدار ثابت مُحدَد لا تقترب مِن النواة ولا تبتعد عنها بينما تتغير شُحناتها، ولكنها تنتقل مِن حالة تفرد كمومية إلى أخرى.

حتى الضوء، والذي نعرف أنّه إشعاع كهرومغناطيسي يتحرك على شكل موجات، يتكون مِن كوانتا أو جسيمات مِن الضوء تُسمَّى فوتونات (Photons).

إذًا الضوء مُكوّن مِن موجات وجسيمات، أحيانًا يسلك سلوك الموجات وأحيانًا سلوك الجسيمات.

هُنا سنجِد سؤالًا واضحًا: هل الزمن مُقسَم إلى كوانتا متفردة؟ الجواب «لا»، وفقًا لميكانيكا الكم، يبدو أنّ الزمن في الحقيقة مُنظَم ومُستمِر (خلافًا للاعتقاد الشائع، فليس كل شيء في نظرية الكم مكمّم).

نُفذِت الاختبارات باستخدام مُعدّات توقيت متطورة وحِزم إشعاع ليزر نابض أو متذبذب لرصد التغيرات الكيميائية خلال أجزاء صغيرة جدًا مِن الثانية (فيمتو ثانية أو 10−15 ثانية)، وفي هذا المستوى الزمني تحديدًا يبدو الوقت مُنظَمًا ومُستمِرًا.

وإذا كان الزمن مُكمَم فيجب أن يكون ذلك في مستوى زمن بلانك (Planck time) أي ما يعادل (10-43 ثانية) وهي أقصر مدة زمنية مُمكنة طبقًا للفيزياء النظرية والتي غالبًا ستبقى إلى الأبد بعيدة عن قدرات القياس العملي.

مِن الواجب التنويه إلى أنّ معرفتنا الحالية بالفيزياء تبقى غير مكتملة.

ووفقًا لبعض النظريات التي تدمج ميكانيكا الكم والجاذبية في (نظرية كل شيء) أو ما يشار له بـ (الجاذبية الكمومية)، هُناك احتمال أن يكون الوقت حقًا مُكمم.

اُقترحَت وحدة الكرونون (Chronon) الافتراضية لمدة مُتفردة مُقترَحة مِن الزمن، بالرغم مِن أنّ مدة الكرونون غير محددة بدِقّة بعد.

تفسير كوبنهاغن

أحد المبادئ الأساسية في ميكانيكا الكم هو أنّ موقع جسيم ما يُوصَف بالدالّة الموجيّة، ما يوفر احتمالات وجود الجسيم في عدد غير مُحدَد مِن المواقع المختلفة أو المتراكبات (superpositions).

فقط عندما يتم رصد الجسيم، وتنهار الدالة الموجيّة (Wave function)، يكون الجسيم بشكل نهائي في موقع مُحدَد أو آخر.

ولذلك يوجد اختلاف في ميكانيكا الكم –على عكس الفيزياء الكلاسيكية- بين ما نراه وما هو موجود فعلًا.

في الواقع عملية الرصد نفسها تؤثر على الجسيم الذي يتم رصده.

جانب آخر مِن نظرية الكم هو مبدأ عدم اليقين والذي يقول أنّه لا يمكن معرفة قِيَم زوج مُحدَد مِن المتغيرات (مثل موقع الجسيم وسرعته أو قوته الدافعة) بشكل دقيق، فكلما ازدادت دِقّة معرفتنا بواحدٍ، قلّت دِقّة معرفتنا بالآخر.

وينعكس ذلك في النهج الاحتمالي لميكانيكا الكم.

وهو شيء دخيل وغريب على الطبيعة الحتميّة للفيزياء الكلاسيكية.

وجهة النظر هذه حول ميكانيكا الكم، والتي طُورِت مِن قِبَل اثنين مِن مؤسسي نظرية الكم: نيلز بور Neils Bohr)) و فيرنر هيزنبرغ Werner Heisenber))، يُشار إليها أحيانًا بتفسير كوبنهاغن لميكانيكا الكم.

لأن انهيار الدالة الموجية لا يمكن أن يكون غير تام، ولأن كل المعلومات المرتبطة بالمواقع المبدئية المُمكنة للجسيم التي تحتويها الدالة الموجية ستكون قد فُقدِت فور الرصد والانهيار، تُعتبَر هذه العملية الزمن الذي لا رجعة فيه (Time-irreversible) والذي يؤثر على ما يُسمَى بِسهم الزمن (Arrow of time) وهو الاتجاه الواحد للزمن الذي نلاحظه في الحياة اليومية.

طوّر بعض علماء فيزياء الكم أمثال دون بيج (Don Page) وويليام ووترز (William Wootters) نظرية تقول بأنّ الوقت في الحقيقة هو ظاهرة ناشئة تنتج عن مفهوم كمومي يدعى التشابك (Entanglement)، ويعني ذلك أنّ جسيمات كمومية مختلفة تتشارك الوجود بفعالية، على الرغم من كونهم منفصلين فيزيائيًا، ولذلك فإنّ الحالة الكمومية لكل جسيم تُوصَف بشكل مرتبط مع الجسيمات المتشابكة الأخرى.

وحتى أنّ هذه النظرية تدّعى مؤخرًا أنّها تمتلك إثبات تجريبي، مِن خلال تجارب إيكاترينا موريفا (Ekatrina Moreva) والتي أظهرت أنّ المراقبين لم يلحظوا أي تغير في الجسيمات الكمومية (أي لا يُبرَز الزمن إلى الوجود) إلّا إذا تشابكت مع جسيم آخر.

تفسير العوالم المتعددة

إنّ تفسير كوبنهاغن لميكانيكا الكم -والمذكور أعلاه- ليس على أي حال الطريقة الوحيدة لفهم النظرية.

وبسبب الإحباط بعد الفشل الواضح لتفسير كوبنهاغن في التعامل مع أسئلة مثل ما الذي يعتبر بمثابة الملاحظة، وما هو الخط الفاصل بين العالَم الميكروسكوبي الكمومي والعالَم الميكروسكوبي الكلاسيكي، اُقترحَت وجهات نظر بديلة.

واحدة مِن أهمها تفسير العوالم المتعددة، وأول مَن وضعه هو هيو إيفرت الثالث (Hugh Everett III) في أواخر خمسينيات القرن الماضي.

وفقًا لتفسير العوالم المتعددة، لا يوجد اختلاف بين جسيم أو نظام قبل أو بعد رصده، ولا طريقة منفصلة لتطوره.

في الحقيقة المُراقِب نفسه هو نظام كمومي يتفاعل مع أنظمة كمومية أخرى، مع نُسخ محتملة أخرى لرؤية الجسيم موضوع المراقبة في مواقع مختلفة، على سبيل المثال.

يمكن لهذه النسخ المختلفة التواجد في أكوان متوازية في وقت واحد.

وهكذا في كل مرة تتفاعل فيها الأنظمة الكمومية مع بعضها لا تنهار الدالة الموجيّة بل هي في الحقيقة تنقسم إلى نُسخ بديلة مِن الواقع، كلها حقيقية بشكل متساوي.

تمتلك وجهة النظر هذه أفضلية حِفظ كل معلومات الدالة الموجية، فيكون كل واحد من هذه الأكوان حتمي بشكل كامل، والدالة الموجية بإمكانها أن تتطور باتجاهين مختلفين (نحو الأمام ونحو الخلف).

ووفقًا لهذا التفسير فإنّ ميكانيكا الكم ليست المسبب الرئيسي لسهم الزمن.

الجاذبيّة الكموميّة

الجاذبية الكمومية تشير إلى المحاولات المختلفة لدمج اثنين مِن أفضل النماذج الفيزيائية للكون لدينا: ميكانيكا الكم والنسبيّة العامة في نموذج عملي متكامل لشرح قوة الجاذبية وفقًا لمبادئ ميكانيكا الكم والتقدم بخطوة أساسية نحو الكأس المقدسة للفيزياء أو ما يُسمَى (نظرية كل شيء).

فبينما تتعايش ميكانيكا الكم مع النسبية بشكل جيد في معظم التفاصيل يبقى عدم التوافق أساسًا في الأحداث التي لا يمكن رصدها مثل التفرد في الثقوب السوداء والانفجار العظيم, ويؤمن البعض أنّ الجمع بين هاتين النظريتين شيء أساسي لمعالجة الطبيعة الأساسية للزمن.

عبر سنوات من البحث، اُقترِح عدد مِن التفسيرات لهذا اللغز (الجاذبية الكمومية)، بداية بنظرية الأوتار ونظرية الأوتار الفائقة وحتى نظرية M ونظرية برين والجاذبية الفائقة و الجاذبية الكمومية الحلقية… .

هذا أحدث ما توصلت له الفيزياء الحديثة، وإذا ظهر أي تقدُّم مُفاجئ في المعرفة سيكون ثوريًا كما كانت النسبية عام1905، وسيغير فهمنا للزمن بالكامل.

أية نظرية حول الجاذبية الكمومية يجب أن تتعامل مع مشاكل عدم التوافق الكامنة بين ميكانيكا الكم والنسبية والتي ليس أقلها ما يُسمّى (مشكلة الوقت) أو أن الوقت يتخذ معنيين مختلفين في ميكانيكا الكم والنسبية العامة.

ورُبما يكون أفضل مثال على ذلك هو معادلة ويلر دويت (Wheeler-DeWitt) والتي وضعها جون ويلر (Jhon Wheeler) وبروس دويت (Bruce DeWitt) في سبعينيات القرن الماضي.

أسفرت محاولتهما لتوحيد النظريتين عن اختفاء الزمن تمامًا مِن معادلاتهما.

ما يقترح عدم وجود الزمن على الإطلاق وأنّ الكون خالد.

واستجابةً لمعادلة جون ويلر خلُص البعض إلى أنّ الزمن هو متغير زائف أو خيالي في الفيزياء وأننا ربما نُشوّش عملية قياس المتغيرات الفيزيائية المختلفة بافتراض وجود ما نسميه الزمن.

الزمن الخيالي

أثناء سعيه لربط نظرية الحقل الكمومي مع الميكانيكا الإحصائية، طرح عالِم الفيزياء النظرية ستيفن هاوكينغ (Stephen Hawking) مفهومًا أسماه الزمن الخيالي (Imaginary Time).

وعلى الرغم مِن صعوبة تصوره فإنّ الزمن الخيالي ليس خياليًا بالمعنى الحرفي، بل إنّ هذا المفهوم يحمل علاقة مع الزمن الفيزيائي العادي مُشابِهة للعلاقة بين الأعداد التخيلية و الأعداد الحقيقية في المستوي المركب(complex plan، وهى مساحة لا متناهية ثنائية الأبعاد تمثل مجموعة من الأعداد المركبة).

وربما يمكن تصوره بشكل أفضل كمحور يتحرك بشكل عمودي على الزمن العادي.

فالزمن الخيالي يوفر طريقة للنظر إلى أبعاد الزمن كما لو كان بُعدًا في الفضاء، فيمكن التحرك مِن خلاله نحو الأمام والخلف، تمامًا كما يتحرك الشخص إلى اليمين واليسار أو إلى أعلى وأسفل في الفضاء.

على الرغم من طبيعته المُجردة إلى حد ما والبديهية، فإنّ فائدة الزمن الخيالي تظهر في قدرته على المساعدة، على مستوى الرياضيات، في تذليل التفرد الجذبوي(Gravitational Singularity، وهو المكان الذي تصبح فيه تقريبًا الجاذبية لانهائية) في نماذج الكون.

التفرد (كما في الثقوب السوداء أو الانفجار العظيم) يخلق مشكلة لعلماء الفيزياء لأنها أماكن لا تنطبق عليها قوانين الفيزياء المعروفة، وعند تصوره في الزمن الخيالي سيُلغَى التفرد وسيعمل الانفجار العظيم كأي نقطة أخرى في الزمكان.

ومع ذلك فإنّ تحديدًا ما سيقدمه مفهوم مثل هذا للعالم الحقيقي غير معروف، وحاليًا يُعتبَر أكثر بقليل مِن بناء نظري يُحتمل أن يكون مفيدًا.


  • ترجمة: أسامة ونوس
  • تدقيق: مينا أبانوب
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر