لا تملك السيارات التي تستخدم شبكات عصبية صناعية أي ذاكرة للماضي، ما يعني أنها ترى الطريق للمرة الأولى في كل مرة بغض النظر عن عدد مرات سيرها فيه من قبل. أصدر الباحثون ثلاثة أبحاث متزامنة بغية التغلب على هذه المشكلة.

قُدم بحثان منهما في أعمال مؤتمر معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) الذي يناقش الرؤية الحاسوبية والتعرف على الأنماط (CVPR 2022) الذي عُقد في نيو أورلينز بين 16-24 يونيو المنصرم.

يقول الكاتب الرئيسي وبروفيسور علم الحاسوب كيليان واينبرغر: «السؤال الجوهري هو: هل نستطيع التعلم من الرحلات المتكررة؟ مثلًا، قد تخطئ السيارة في التعرف على شجرة غريبة الشكل على أنها أحد المشاة عندما يدركها الماسح الليزري من بعيد للمرة الأولى، لكن ستتوضح ماهيتها حالما تصبح قريبة بما يكفي. لذا عندما تمر بجوار الشجرة نفسها مجددًا، حتى في الثلج أو الضباب، سنأمل أن السيارة قد تعلمت التعرف عليها على نحو صحيح».

جمع الفريق بقيادة طالب الدكتوراه كارلوس دياز-رويز حزمة بيانات عبر قيادة سيارة مزودة بمستشعرات تحديد المدى بواسطة الضوء (LiDAR) في مسار بطول 15 كيلومترًا ضمن مدينة إيثاكا وحولها، وكرروا ذلك 40 مرة على مدى 18 شهرًا. التقطت الرحلات بيئاتٍ متنوعة (طريق سريع، طرقات ضمن المدينة، حرم جامعي)، وحالات جوية متنوعة (بين المشمس والماطر والمثلج) وأوقات مختلفة من اليوم. ما نتج عنه حزمة بيانات بأكثر من 600000 مشهد.

يقول دياز-رويز: «إنها تكشف شيئًا فشيئًا أحد التحديات الأساسية في السيارات ذاتية القيادة: الظروف الجوية السيئة، فعندما يكون الطريق مغطى بالثلوج، يستطيع البشر الاعتماد على الذاكرة، لكن شبكةً عصبية دون ذاكرة عاجزةٌ جدًا».

الإدراك العميق (HINDSIGHT) مقاربة تستخدم الشبكات العصبية لحوسبة معرّفات الأشياء بينما تمر السيارة بجوارها. ثم تضغط هذه الأوصاف، التي أطلق عليها الفريق اسم السجل المتفرق المكمى مكانيًّا (SQuaSH) وتخزنها على خارطة افتراضية، مثل ذاكرة مخزنة في دماغ الإنسان.

عندما تمر السيارة ذاتية القيادة في المكان نفسه في المرة التالية، يمكنها أن تطلب معلومات من قاعدة بيانات ذلك السجل لكل نقطة حددها نظام تحديد المدى بواسطة الضوء على الطريق، وأن «تتذكر» ما تعلمته في المرة السابقة. تُحدَّث قاعدة البيانات باستمرار وتشارَك بين السيارات، لتغني بذلك المعلومات المتوفرة لتحقيق التعرف على معالم الطريق.

يقول طالب الدكتوراه يورونغ يو: «بالوسع إضافة هذه المعلومات بصفتها ميزات لأي كاشف كائنات ثلاثي الأبعاد معتمد على نظام تحديد المدى بواسطة الضوء.

بالوسع أيضًا تدريب الكاشف والسجل المتفرق المكمى مكانيًّا سوية دون أي إشراف إضافي أو إضافة بشرية تستهلك قدرًا كبيرًا من الوقت والجهد».

إن نظام الإدراك العميق بداية لأبحاث إضافية يجريها الفريق، مثل نظام تحديد الكائنات البعيدة مع العوابر والتدريب الذاتي (موديست-MODEST) الذي سيصل إلى مراحل أبعد ويسمح للسيارة بتعلم المخطط الإدراكي بأكمله من الصفر.

بينما ما يزال نظام الإدراك العميق يفترض أن الشبكة العصبية مدربة مسبقًا لتحديد الكائنات ويدعمها بالقدرة على إنشاء ذكريات، يفترض نظام موديست أن الشبكة العصبية الصناعية في السيارة لم يسبق لها التعرض لأي كائنات أو شوارع على الإطلاق.

قد يتعلم هذا النظام أي مكونات البيئة ساكن وأيها متحرك بالمرور بالطريق نفسه عدة مرات. يعلّم النظام نفسه ببطء التعرف على المكونات الأخرى المشاركة في حركة المرور والعناصر التي من الآمن تجاهلها.

تستطيع الخوارزمية عندها تحديد هذه العناصر بكفاءة، حتى على الطرق التي لم تكن جزءًا من الرحلات الأولية المتكررة.

يأمل الباحثون أن تستطيع هذه المقاربات تخفيض كلفة تطوير السيارات ذاتية القيادة (التي ما زالت تعتمد حاليًّا على بيانات مشروحة بشريًّا عالية التكلفة)، وأن تزيد من كفاءة هذه السيارات عبر تعلم الملاحة في المواقع التي تُستخدم فيها أكثر.

اقرأ أيضًا:

سيارات ذاتية القيادة تتعلم التحكم بتقليد غيرها

سيارات تسلا تستخدم حاسوبًا خارقًا لتطوير تقنيات قيادتها الذاتية

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر