رصد الباحثون موجة حر يعادل حجمها عشرة أضعاف حجم كوكب الأرض داخل الغلاف الجوي لكوكب المشتري. بلغ عرضها نحو 130,000 كيلومتر، ودرجة حرارتها تناهز 700 درجة مئوية، وتتحرك بسرعة تبلغ 2400 متر في الثانية، من القطب الشمالي لكوكب المشتري.

يقول العلماء إن هذا من شأنه أن يحل أحد أكثر الألغاز المحيّرة حول أكبر كواكب المجموعة الشمسية: لماذا هو أحرّ مما تتوقع النماذج؟

من المحتمل أن الشفق القطبي الدائم الذي يلمع في قطبي المشتري يوفر طاقةً إضافية تسخن العملاق الغازي إلى درجات حرارة أعلى بكثير مما نتوقع، إضافةً الى الرياح الشمسية الكثيفة المسؤولة عن موجة الحر المتصاعدة.

يقول عالم الفلك جيمس أودونغو من وكالة استكشاف الفضاء اليابانية: «أصدرنا العام الماضي الخرائط الأولى للغلاف الجوي العلوي لكوكب المشتري، القادرة على تحديد مصادر التسخين الرئيسية. أثبتت الخرائط أن الشفق القطبي للمشتري آلية محتملة قد تفسر درجات الحرارة المرتفعة».

رأينا الإشارة الأولى لوجود شيء غريب في الغلاف الجوي للمشتري منذ نحو 50 سنة، عام 1970.

تبلغ المسافة بين كوكب المشتري والشمس خمسة أضعاف المسافة بين الأرض والشمس. بهذا البُعد، فإن المشتري يتلقى 4% فقط من الإشعاع الشمسي الذي تتلقاه الأرض.

على هذا يُتوقع أن متوسط درجة حرارة الغلاف الجوي العلوي للمشتري نحو -73 درجة مئوية، لكنها في الواقع نحو 420 درجة مئوية، أي تقارب درجة حرارة الغلاف الجوي العلوي لكوكب الأرض، وذلك أعلى بكثير من أن يسببه التسخين الشمسي وحده.

هذا يعني وجود عامل آخر. أشارت الخرائط الحرارية الأولى التي حصل عليها أودونغو وزملاؤه ونُشرت العام الفائت إلى حل محتمل.

يتميز كوكب المشتري بظاهرة الشفق القطبي الأشد من بين جميع كواكب المجموعة الشمسية، إذ يتوهج بأطوال موجية لا تراها العين البشرية. ومن المعروف أن الشفق القطبي للأرض يسبب تسخينًا ملحوظًا لغلافنا الجوي.

تتشكل ظواهر الشفق القطبي في المشتري كما تتشكل على الأرض، فهي تفاعل يحدث بين الجسيمات المشحونة والحقول المغناطيسية والجزيئات في الغلاف الجوي للكوكب. تتشكل ظواهر الشفق القطبي على الأرض نتيجة الجزيئات غير المنتظمة والمتقطعة التي تهب مع العواصف الشمسية القوية.

ظاهرة الشفق القطبي للمشتري ثابتة، تتشكل بفعل جزيئات قادمة من قمره آيو، أكثر الأجسام بركانيةً في النظام الشمسي، الذي ينفث ثاني أكسيد الكبريت باستمرار. يشكل هذا حيدًا من البلازما حول كوكب المشتري، يُوجه إلى أقطابه عبر خطوط الحقل المغناطيسي، حيث تنهمر في الغلاف الجوي.

لكن الشفق القطبي للمشتري ليس بفعل القمر آيو وحده، بل تشارك فيه الشمس أيضًا، هذا ما لاحظه أودونغو وزملاؤه.

نظرًا إلى تمدد الغاز الساخن، ربما هذا ما أدى إلى تدفق موجة الحرارة من الشكل البيضاوي الشفقي وانحدارها نحو خط الاستواء بسرعة آلاف الكيلومترات في الساعة.

على هذا، قد تصدر خلال انتشارها كمية كبيرة من الحرارة الإضافية إلى الغلاف الجوي للمشتري.

يوضح أودونغو: «في حين يصدر الشفق القطبي الحرارة الى سائر الكوكب باستمرار، فإن موجات الحر هذه تمثل مصدرًا إضافيًا مهمًا للطاقة».

«تضيف هذه النتائج المزيد إلى معرفتنا فيما يتعلق بالمناخ والطقس في الغلاف الجوي العلوي للمشتري، وتقدم مساهمة مهمة في محاولة إيجاد حل لمشكلة أزمة الطاقة، التي تظهر في الأبحاث المتعلقة بالكواكب العملاقة».

ليس المشتري الكوكب الوحيد في النظام الشمسي الذي يسخن أكثر من المتوقع. فكواكب زحل ونبتون وأورانوس كلها أسخن بمئات الدرجات مما قد يسببه التسخين الشمسي وحده.

لكن في حين أن الكواكب الأخرى لا تشهد ظاهرة الشفق القطبي بالدرجة ذاتها التي يتمتع بها المشتري، قد يمثل هذا الاكتشاف وسيلةً للاستكشاف تقطع شوطًا نحو حل اللغز.

اقرأ أيضًا:

ما الذي يجعل المشتري أحد أغرب الكواكب في المجموعة الشمسية؟

حل لغز الشفق القطبي المستمر في كوكب المشتري بعد 40 عامًا

ترجمة: ساره الحمصي

تدقيق: حسام التهامي

المصدر