يملك معظم الناس صبغيين جنسيين، زوج من الصبغي X لدى الإناث وصبغي X وصبغي Y لدى الذكور، وتُظهر الصبغيات سمات الفرد البيولوجية.

توحي الدراسات بامتلاك هذه الصبغيات تأثيرات أكبر، فهي تساهم بعمليات أوسع تتضمن وظيفة الجهاز المناعي وتطور الخلايا العصبية وقابلية الإصابة بالأمراض والتفاعل مع الأدوية. لكن التدقيق في دور الصبغيات الجنسية يمثل تحديًا؛ نظرًا إلى صعوبة عزل تأثير الهرمونات على سبيل المثال باستخدام الأدوات المتاحة حاليًا.

ابتكر العلماء حديثًا أداةً لتخطي هذه العقبة من خلال توليد خلايا XX وأخرى XY من الفرد ذاته للمرة الأولى. ستساعد هذه المجموعة الفريدة من الخلايا الباحثين على الإجابة عن أسئلة بقيت دون إجابة فترةً طويلة تدور حول تأثير الصبغيات الجنسية في الأمراض، ودورها في المراحل المبكرة من النمو.

تقول باربارا سترينجر، أستاذة قسم العقاقير في جامعة نورث وسترن: «هذه مجموعة رائعة من السلالات الخلوية. امتلكنا سابقًا سلالات خلوية تعود لذكور وإناث من قبل، لكن استخلاص خلايا مختلفة الصبغيات الجنسية من فرد واحد يمثل خطوةً كبيرة».

بدأ بنيامين روبينوف، أستاذ قسم طب التوليد والنسائية في مركز هداسا الطبي برفقة فريقه مشروع تجاوز العوائق التي تواجه الأبحاث المتعلقة بالاختلافات الجنسية بين البشر، وتتمثل هذه العوائق في مسألتين وفقًا لروبينوف هما: صعوبة الفصل بين التأثيرات الهرمونية والصبغية والعجز عن تحديد تأثيرات الصبغيات X وY عند تحييد تأثيرات باقي خريطة الفرد الجينية.

يقول روبينوف: «السبب الرئيسي لقيامنا بهذه الدراسة هو افتقادنا لنموذج جيد يخوّلنا دراسة الاختلافات بين الذكور والإناث لدى البشر. نملك نماذج حيوانية، لكن لم يتوفر النموذج البشري بعد».

للحصول على هذا النموذج عمد روبينوف برفقة تلميذه إيثاي والدورن وزملائه إلى استخلاص خلايا دم بيضاء جُمعت سابقًا من مصاب بمتلازمة كلاينفلتر، التي يملك المصابون الذكور بها منذ ولادتهم صبغي X إضافي.

وُفّرت الخلايا من مستودعات معهد كورييل للأبحاث الطبية، حيث يتبرع الناس بعينات لاستخدامها في مجموعة واسعة من مشاريع البحوث الطبية الحيوية.

امتلك المتبرع حالة “فسيفسائية” نادرة من المتلازمة، إذ امتلكت بعض خلاياه ثلاث صبغيات جنسية XXY وأخرى صبغيين XX وأخرى XY. أعاد الباحثون برمجة أنواع الخلايا الثلاث لتشكيل خلايا جذعية متعددة القدرات تتمتع بميزة التجديد الذاتي والتطور إلى خلايا عصبية وعضلية وأنواع خلوية أخرى.

أنتج الفريق في النهاية خلايا XX وXY متطابقة وراثيًا -بصرف النظر عن الصبغيات الجنسي- ثم أجروا سلسلة من التجارب تحاكي تجارب سابقة على نماذج مختلفة لتكرار النتائج. على سبيل المثال أكدوا وجود الاختلافات المكتشفة سابقًا في الجينات المفعلة في الخلايا XX وXY. تمكنوا أيضًا من تحريض الخلايا الجذعية على التطور إلى خلايا عصبية غير ناضجة، وأوجدوا دليلًا على وجود الاختلافات الجنسية -التي بُلّغ عنها سابقًا- في مراحل التطور العصبي المبكرة.

يقول روبينوف: «تُطمئِننا رؤية النموذج وهو يُظهر فعلًا الاختلافات بين الجنسين التي سبق وأبلغت عنها الأنظمة الأخرى». نُشرت النتائج في شهر نوفمبر عام 2022 في مجلة Stem Cell Reports.

تقول نورا إنجل، أستاذة قسم السرطان وبيولوجيا الخلية في جامعة تمبل: «أكدت هذه الدراسة المصممة جيدًا فكرة أن الفروق بين الجنسين تبدأ في وقت مبكر من النمو، وأنها تعتمد على الصبغيات الجنسية لأن هذا التفسير هو الوحيد المحتمل».

تحرى الباحثون سابقًا عن تأثير الصبغيات الجنسية لدى الحيوانات باستخدام نموذج فأري له أربعة أنماط وراثية أساسية يتضمن جينًا معدلًا يسمى (Y(Sry.

تحتوي هذه المنطقة من الصبغي Y على تعليمات تطور الخصيتين، وتؤدي التعديلات فيها إلى الحصول على حيوانات تمتلك صبغيات XX وخصيتين، أو صبغيات XY ومبيضين. بالاستفادة من هذه الحيوانات التي تمتلك الأعضاء الجنسية ذاتها لكنها تختلف بالصبغيات؛ تمكن الباحثون من عزل تأثير الصبغيات الجنسية عن تأثير الهرمونات الجنسية التي تفرزها الأعضاء التناسلية.

شكّل النموذج الفأري نقطة تحول في ميدان الدراسات المتعلقة بالاختلافات الجنسية وفقًا لسترينجر، وتضيف أن إمكانية تطبيق هذه الدراسة على البشر «أمر رائع حقًا».

تقول جيسيكا آبوت، أستاذة علم الوراثة التطورية لحقيقيات النوى من جامعة لوند في السويد: «أعتقد أن هذا البحث سيفتح الأبواب أمام أبحاث جديدة».

ترى آبوت أنه من المهم اشتقاق خلايا جذعية XX وXY من فرد آخر لملاحظة كمية التغير بين البشر، ما سيساعدنا في تحديد إمكانية تعميم هذه النتائج المستخلصة من الخلايا.

حتى الآن لا يمكن أن تُشكّل الخلايا نموذجًا لكامل جسم الإنسان والتفاعلات بين الأعضاء. لكن يرى روبينوف أن تطوير التقنيات كنظام السوائل الدقيقة المسمى “جسم على رقاقة” الذي يحاكي الروابط بين خلايا من أعضاء مختلفة؛ سيساعد العلماء على توجيه مجموعة أوسع من الأسئلة البحثية مستقبلًا، حاليًا روبينوف متحمس بخصوص التجارب المتاحة باستخدام الخلايا الجذعية وحدها. ويقول: «نمتلك أداةً يمكن استخدامها -نظريًا على الأقل- بصورة غير محددة لتوليد أي نوع خلوي، وتطوير نماذج لأنواع مختلفة من الأمراض. سيفتح هذا النموذج الذي طورناه آفاقًا واسعة».

اقرأ أيضًا:

نجح العلماء للمرة الأولى في استنساخ الحيوانات من خلايا الجلد المجففة بالتجميد

الخلايا الجذعية: مصادرها وأنواعها واستخداماتها

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: لين الشيخ عبيد

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر