الصيام المائي هو نوع من الصيام يمتنع فيه الإنسان تمامًا عن تناول الطعام ويكتفي بشرب الماء طوال فترة الصيام. رغم بساطة هذا المفهوم، فإن آثاره المعقدة على الجسم لا تزال محل البحث العلمي الواسع. يُستخدم الصيام المائي لأغراض متعددة تشمل فقدان الوزن، والتخلص من السموم، وتحسين بعض المؤشرات الصحية، وأحيانًا لأسباب دينية أو روحانية.

رغم الفوائد الواعدة التي يقدمها، لا يخلو الصيام المائي من المخاطر، فهو ليس مناسبًا للجميع. لذلك من الضروري استشارة مختص قبل البدء به، خاصةً حال وجود أمراض مزمنة أو تناول أدوية معينة.

ما الصيام المائي؟

الصيام المائي هو نوع صارم من الصيام، لا يُسمح فيه بتناول أي شيء سوى الماء. تتراوح مدته عادة بين 24 و72 ساعة، ولا ينبغي تجاوز هذه المدة دون إشراف طبي، لما قد يسببه ذلك من اضطرابات خطيرة في توازن الأملاح والسوائل في الجسم.

بعض الأشخاص يتبعونه لأسباب دينية أو روحانية، في حين يطبقه آخرون لأهداف تتعلق بالصحة العامة مثل إنقاص الوزن أو تحسين مؤشرات معينة مثل الضغط أو سكر الدم. تشير بعض الدراسات إلى دور محتمل للصيام المائي في تحفيز عمليات إصلاح الخلايا، مثل عملية الالتهام الذاتي، وهي عملية بيولوجية تساعد الجسم على التخلص من الأجزاء التالفة أو غير الفعالة من الخلايا.

كيف يعمل الصيام المائي؟

يبدأ الجسم باستهلاك احتياطاته من الجلوكوز عند التوقف عن تناول الطعام ، ثم يتحول تدريجيًا إلى حرق الدهون للحصول على الطاقة، ما يُعرف بالتحول الكيتوني. في هذه المرحلة، قد يرتفع مستوى بعض الجزيئات مثل الكيتونات، ويُعتقد أن لها دور في الحماية العصبية وتحسين حساسية الإنسولين. خلال فترة الصيام، يُنصح بشرب 2–3 لترات من الماء يوميًا، ويفضل أن يكون ماءً معدنيًا أو مفلترًا لضمان تعويض الأملاح والمعادن الأساسية. من المهم الإشارة إلى أن الجسم يتلقى نحو 20–30٪ من احتياجاته اليومية من الماء من الغذاء، لذلك فإن التوقف عن تناول الطعام قد يؤدي بسهولة إلى الجفاف إذا لم يُعوض ذلك النقص بزيادة شرب الماء.

تحضير الجسم للصيام المائي:

الانتقال إلى الصيام المائي فجأة قد يكون صادمًا للجسم، ولذلك يوصى بالتحضير له تدريجيًا. يمكن فعل ذلك بتقليل كميات الطعام خلال 3–4 أيام قبل الصيام، أو بممارسة الصيام المتقطع أولًا، ما يهيئ الجسم للتعامل مع فترات طويلة دون طعام.

يُفضل أيضًا تجنب الأنشطة المجهدة خلال فترة الصيام، والحصول على قسط كافٍ من الراحة والنوم.

فترة ما بعد الصيام:

انتهاء الصيام لا يعني العودة مباشرة إلى النظام الغذائي السابق، بل يجب إدخال الطعام تدريجيًا إلى الجسم. ينبغي البدء بمشروب خفيف مثل عصير فواكه طبيعي أو حساء خفيف، ثم التدرج إلى وجبات صغيرة سهلة الهضم.

قد يسبب تناول وجبة ثقيلة فور الانتهاء من الصيام اضطرابات هضمية، ما يعرف بمتلازمة إعادة التغذية، وهي حالة خطيرة قد تنتج عن التغير السريع في مستويات السوائل والمعادن في الجسم بعد تناول كمية كبيرة من الطعام مجددًا.

الفوائد المحتملة للصيام المائي

مع أن معظم الدراسات حول الصيام المائي أجريت على الحيوانات، فإنها تشير إلى فوائد محتملة قد تشمل:

  1.  تحفيز الالتهام الذاتي: الالتهام الذاتي هو عملية تنظيف ذاتية على مستوى الخلية، تتخلص فيها من الأجزاء التالفة وتعيد تدوير المكونات الحيوية. ما ينعكس إيجابًا على عدد من الحالات الصحية، مثل: الاضطرابات الأيضية، والأمراض التنكسية العصبية -مثل داء هنتنغتون، وأنواع معينة من السرطان، والأمراض المعدية.
  2.  خفض ضغط الدم: بعض الأبحاث أظهرت أن الصيام المائي تحت إشراف طبي قد يخفض ضغط الدم لدى مرضى فرط الضغط. أظهرت دراسة خضع فيها 48 شخصًا يعانون زيادة الوزن للصيام المائي مدة 17 يومًا، انخفاضًا في ضغط الدم والكوليسترول الضار وعلامات الالتهاب.
  3.  تحسين حساسية الأنسولين واللبتين: الأنسولين واللبتين هما هرمونان أساسيان لتنظيم السكر والشهية. يعزز الصيام المائي استجابة الجسم لهذين الهرمونين، ما يساهم في تنظيم مستويات السكر والإحساس بالشبع، وقد يساعد في الوقاية من السمنة والسكري من النوع الثاني.
  4.  خفض مستويات الدهون الثلاثية والجذور الحرة: أظهرت بعض الدراسات أن الصيام المائي قد يقلل من مستويات الدهون الثلاثية، وهي من عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب. قد يقلل الضرر الناتج من الجذور الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة لها دور في الشيخوخة وأمراض السرطان.
  5.  تعزيز القدرة على التكيف مع التوتر وتقليل مستويات الالتهاب في الجسم.
  6.  المساهمة في تنظيم مستويات بعض الهرمونات المرتبطة بالنوم والمزاج والشهية.

المخاطر والآثار الجانبية المحتملة:

رغم الفوائد المحتملة، يحمل الصيام المائي عددًا من المخاطر، أبرزها:

  1.  فقدان كتلة العضلات: يبدأ الجسم استهلاك العضلات مصدرًا للطاقة حال استمرار الصيام فترات طويلة، ما يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية.
  2.  الجفاف: توقف تناول الطعام يعني فقدان أحد مصادر الماء في الجسم، ما يزيد من خطر الإصابة بالجفاف، خاصةً إذا لم تكن كمية الماء المتناولة كافية.
  3.  انخفاض الضغط الانتصابي: قد يؤدي الصيام إلى انخفاض ضغط الدم عند الوقوف فجأة، ما يسبب دوخة وربما فقدان الوعي، خاصةً عند الوقوف بسرعة.
  4.  خطر تفاقم بعض الحالات الطبية: قد يسبب الصيام المائي تفاقم بعض الحالات مثل النقرس -بسبب تراكم حمض اليوريك- واضطرابات الأكل –مثل الشره العصبي- والسكري بنوعيه. وهو ممنوع على الحوامل والأطفال وكبار السن دون إشراف طبي.

الصيام المائي وفقدان الوزن:

نظرًا إلى كونه يفرض تقييدًا حادًا للسعرات الحرارية، فإن الصيام المائي يؤدي عادةً إلى فقدان وزن سريع. لكن هذا الفقدان يشمل في الغالب الماء والجليكوجين، وقد يتضمن بعضًا من الكتلة العضلية.

قد يشكل خطرًا على فئات معينة، منها:

  •  الأفراد الذين يعانون نقص الوزن.
  •  مرضى القلب.
  •  مرضى السكري من النوع الأول.
  •  المصابون بالشقيقة غير المسيطر عليها.
  •  المرضى الذين يتلقون نقل دم.

لذلك، فإن الصيام المائي لا يُعد وسيلة مثالية لفقدان الوزن على المدى الطويل، خاصةً مع غياب التغذية الكافية، ما قد يؤدي إلى عودة الوزن بسرعة بعد التوقف عن الصيام.

خيارات بديلة أكثر أمانًا:

تشمل البدائل الصحية للصيام المائي:

  •  الصيام المتقطع: مثل نظام 16:8 (الصيام 16 ساعة وتناول الطعام خلال 8 ساعات).
  •  الصيام بالتناوب: تناول الطعام في يوم، والصيام في اليوم التالي.
  •  نظام 5:2: تناول الطعام طبيعيًا مدة 5 أيام في الأسبوع، وتحديد السعرات في يومين.

تُعد هذه الأنظمة أكثر أمانًا، فهي تسمح بتناول الطعام، وتقلل من مخاطر نقص العناصر الغذائية أو فقدان العضلات.

الخلاصة:

الصيام المائي قد يحمل فوائد واعدة تشمل تحفيز الالتهام الذاتي، وخفض ضغط الدم، وتحسين حساسية الأنسولين، وتقليل عوامل خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة. إلا أنه يحمل أيضًا مخاطر جسيمة إذا لم يُمارس بحذر وتحت إشراف طبي. قد يكون الصيام المتقطع بديلاً أكثر أمانًا وفعالية على المدى الطويل. إذا كنت تفكر في تجربة الصيام المائي، فابدأ تدريجيًا، واستشر طبيبك، وكن يقظًا لإشارات جسدك.

اقرأ أيضًا:

هل يساعد شرب الكثير من الماء على إنقاص الوزن؟

الصيام الليلي أم الصيام الصباحي؟ ساعتك البيولوجية تخبرك!

ترجمة: أريج حسن إسماعيل

تدقيق: إيمان جابر

المصادر: 1 2