هربرت سبنسر عالم اجتماع وفيلسوف إنكليزي، وُلد في مدينة دربي في مقاطعة ديربيشاير في إنكلترا بتاريخ 27 أبريل 1820 وتوفي في برايتون في مقاطعة ساسكس في إنكلترا بتاريخ 8 ديسمبر 1903. سبنسر أحد أوائل مؤيدي نظرية التطور، وكان خبيرًا في مجالات معرفية مختلفة وناصر مبدأي أولوية الفرد على المجتمع وتقديم العلم على الدين.

يعد كتاب «الفلسفة التركيبية» أهم أعمال سبنسر، ألفه عام 1896 وشكل عملًا ضخمًا يتضمن مجلدات كثيرة تناولت مبادئ علوم الأحياء والنفس والأخلاق والاجتماع. يشتهر سبنسر بمذهب الداروينية الاجتماعية، إذ اعتقد أنه يطبق مبادئ نظرية التطور مثل الانتخاب الطبيعي على المجتمعات البشرية والطبقات الاجتماعية والأفراد، إضافةً إلى الأنواع البيولوجية المتغيرة عبر الزمن الجيولوجي.

في زمن سبنسر اعتُمد مذهب الداروينية الاجتماعية لتبرير الاقتصاد الحر والحد من صلاحيات الدولة، وعُدَّ أفضل وسيلة لتعزيز المنافسة الحرة بين الأفراد وتحسين حال المجتمع تدريجيًا بواسطة مبدأ «البقاء للأقوى» الذي أطلقه سبنسر نفسه.

الفيلسوف الإنكليزي هربرت سبنسر: سيرة شخصية - عالم اجتماع وفيلسوف إنكليزي - مذهب الداروينية الاجتماعية - تعزيز المنافسة الحرة بين الأفراد

حياته وأعماله

كان والد هربرت سبنسر -وليام جورج سبنسر- مدرسًا اشترك مع زوجته في معتقدهما الديني المخالف، ما أثر في هربرت وألهمه التفكير المعارض والمخالف الذي ظل ملازمًا له حتى بعد تخليه عن العقيدة المسيحية. عرض القس توماس سبنسر -عم هربرت- أن يرسله إلى كامبريدج للدراسة لكن هربرت رفض ذلك، ومن ثم اعتمد في تعليمه العالي على قراءاته الخاصة التي ركزت على العلوم الطبيعية. عمل سبنسر معلمًا شهورًا قليلة قبل أن يصبح مهندسًا مدنيًا في السكك الحديدية في الفترة 1837-1841.

سنة 1842 شارك في كتابة بعض الرسائل لصالح جريدة «المستقل» ناقش فيها أن من واجب الحكومات حفظ الحقوق الطبيعية لكنها إذا تجاوزت ذلك ألحقت الضرر بالصالح العام، وقد أُعيد نشر هذه الرسائل لاحقًا في كتاب بعنوان «المجال المناسب للعمل الحكومي» سنة 1843.

عمل سبنسر مع الصحافة التقدمية بعض الوقت عبر جريدة «الأحيائي» المختصة في التنويم المغناطيسي وفراسة الدماغ، و«المرشد» -عضو في اتحاد الاقتراع الكامل- وغيرهما، ثم أصبح محررًا في صحيفة الإيكونومست سنة 1848. سنة 1851 نشر سبنسر مؤلفه «الثبات الاجتماعي»، الذي احتوى بذور معظم آرائه اللاحقة، ومنها تفضيله الحرية القصوى للاقتصاد والمجتمع.

سنة 1850، التقى سبنسر بالروائية جورج إليوت، واعتقد بعض أصدقائهما أنه سيتزوجها إذ لاحظوا نقشاتهما الفلسفية المستمرة وحديثهما المطول، لكن سبنسر في سيرته الذاتية المنشورة سنة 1904 أنكر أنه حمل أي عواطف تجاه إليوت سوى إعجابه بملكاتها العقلية. لم تكن إليوت صديقة سبنسر الوحيدة، إذ كان صديقًا لجورج هنري لويس وتوماس هكسلي وجون ستيوارت ميل. ورث سبنسر ثروة عمه سنة 1853 واستقال من منصبه في الإيكونومست.

سنة 1855 نشر أول جزء من عمله «أسس علم النفس»، وفي الفترة 1854-1859 نشر سلسلة من المقالات حول التعليم جُمعت عام 1861 في كتاب «التعليم العقلي والأخلاقي والبدني». رفض سبنسر في هذه المقالات بعض العناصر التقليدية في المنهج التعليمي وأكد أهمية التطوير الذاتي وانتباه المعلم وتعاطفه مع طلابه، إضافةً إلى أهمية الملاحظة وحل المشكلات والتمارين البدنية واللعب الحر، وأكد أيضًا أن التهذيب يجب أن ينتج عن تجربة العواقب الطبيعية لأفعال المرء بدلًا من العقوبات المفروضة من المعلمين والآباء، وقد أصبح كتاب سبنسر «التعليم» مرجعًا يُدرس في معظم معاهد تدريب المعلمين في إنكلترا.

أصدر سبنسر سنة 1860 نشرة تمهيدية وبدأ بقبول الاشتراكات لعمله الضخم «الفلسفة التركيبية» الذي ضم -إلى جانب مبادئ علم النفس- عدة مجلدات حول المبادئ الأولى وعلم الأحياء وعلم الاجتماع والأخلاقيات.

نُشر «المبادىء الأولى» سنة 1862، ثم في سنة 1896 نُشر الجزء الثالث من «أسس علم الاجتماع»، وبذلك أكمل سبنسر عمله، إذ كان قد بدأ سنة 1873 كتابة سلسلة أعمال أطلق عليها اسم «علم الاجتماع الوصفي» تهيئةً لعمله «أسس علم الاجتماع». وفرت سلسلة علم الاجتماع الوصفي معلومات حول المؤسسات الاجتماعية في مختلف المجتمعات المتحضرة والبدائية قبل أن تتوقف سنة 1881 لغياب الدعم العام.

كان هربرت سبنسر صديقًا ومستشارًا لبياتريس ويب، وهي مصلحة اجتماعية داومت على زيارة سبنسر في مرضه الأخير وكتبت تقريرًا حزينًا عن سنواته الأخيرة في مؤلفها «تلمذتي» (1926). توفي سبنسر سنة 1903 في برايتون تاركًا وصية تُلزم القائمين عليها بإكمال نشر «علم الاجتماع الوصفي» الذي ضم 19 جزءًا نُشرت بين عامي 1873 و1934.

كان سبنسر من أكثر مفكري العصر الفكتوري الإنكليز إثارةً للجدل، إذ نوقِشت أفكاره كثيرًا واختلفت الآراء حوله، وقاده اتجاهه العلمي القوي إلى تأكيد أهمية فحص الظواهر الاجتماعية بأسلوب علمي، ورأى أن أفكاره بجوانبها المختلفة شكلت نظامًا متماسكًا متناسقًا، وأن العلم والفلسفة دعما مذهب الفردية والتقدم وعززاهما.

يُعد سبنسر داعية للتفاؤل الفيكتوري، ويلاحظ أنه لم يتأثر بموجات الانتقاد التشاؤمية للفيكتورية، إذ علم أن التطور يليه الهدم وأن الفردية لن تتحقق إلا بعد حقبة من الاشتراكية والحرب.

اقرأ أيضًا:

جون ستيوارت ميل: سيرة شخصية

ألكسندر دوما: سيرة شخصية

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر