يوجد أملٌ جديدٌ للأشخاص الذين فقدوا القدرة على النطق، إذ نجح العلماء باستخدام غرسات الدماغ والتعلم الآلي بإعادة النطق لحالتين منفصلتين، أحدهما فقد صوته نتيجة سكتة دماغية، والآخر نتيجة إصابته بالتصلب الجانبي الضموري. وقد مثلت النتائج أملًا واعدًا في إيجاد طريقة جديدة للذين يعانون عجزًا في التواصل مع العالم المحيط بهم.

وفقًا لـ آن التي عانت من متلازمة المنحبس locked-in syndrome، جرّاء إصابتها بسكتة دماغية في عام 2005، قالت: «أريد للمرضى أن يشهدوا حالتي ويدركوا أن حياتهم لم تنته بعد، أريد أن أظهر لهم أن حالات العجز لا يجب أن تمنعنا من عرقلة أو ممارسة حياتنا».

على الرغم من أن الأبحاث حققت تقدمًا كبيرًا في مجال تقنية واجهة الدماغ الحاسوبية وهي تقنية تسمح بالتواصل بين الدماغ البشري أو الحيواني والتكنولوجيا الخارجية، فإنها ليست حلًا مناسبًا للجميع.

تستخدم الأقطاب الكهربائية لتسجيل النشاط العصبي للشخص في أثناء تفكيره بأداء مهمة معينة، ثم تستخدم هذه التسجيلات لتدريب أجهزة أو برامج لأداء هذه المهمة، على سبيل المثال: انحناء ذراع اصطناعية استجابةً لتفكير الشخص في ثني ذراعه.

يختلف نشاط الدماغ لدى كل شخص، لذا تجب إعادة تدريب الآلات على فك تشفير الإشارات العصبية من جديد لكل مريض، في حين أن اللغة تعد أمرًا معقدًا للغاية، لكن ليس من السهل إنجاز واجهة دماغية أو جهاز عصبي اصطناعي يمكنه ترجمة أفكار الشخص إلى كلمات منطوقة.

يُعزى الفضل في استعادة آن لقدرتها على النطق إلى جراح الأعصاب إدوارد تشانغ من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وزملائه، في حين تمكن عالم الأعصاب فرانك ويليت من جامعة ستانفورد وزملاؤه من إعادة القدرة على النطق للمريضة بات بينيت التي فقدت قدرتها على النطق جراء إصابتها بالتصلب الجانبي الضموري، وهو نفس المرض الذي أصاب عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينج.

كتبت بينيت في محاولة للتعبير عما تشعر به: «يمكنكم تخيل مدى الاختلاف في ممارسة الأنشطة اليومية مثل التسوق وحضور المواعيد وطلب الطعام والذهاب إلى البنك والتحدث على الهاتف والتعبير عن الحب أو التقدير وحتى الجدال، عندما يتمكن الأشخاص الذين ليس لديهم القدرة على النطق من مشاركة أفكارهم عندما تخطر في أذهانهم».

استخدم كلا الفريقين منهجية متماثلة، إذ زُرعت مجموعات الأقطاب الكهربائية في دماغ كل مريض؛ 128 قطبًا كهربائيًا في دماغ بينيت، و253 قطبًا كهربائيًا في دماغ آن، ثم خضعت كل منهما لعملية تفكير مضنية فيما يتعلق بالتحدث بكلمات وجمل مختلفة.

تتألف الذخيرة اللغوية لدى آن من 1024 كلمة، إضافة إلى تعبيرات وجهها التي استطاعت التعبير بواسطتها.

دُرّب الذكاء الاصطناعي على التعرف على الصوتيات، فضلًا عن التعرف على الكلمات؛ إذ تعد الصوتيات وحدات الصوت الأساسية التي تشكل الكلمات، وهذا قلل بصورة كبيرة عدد الوحدات التي يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى فهمها.

استخدم الفريق هذه البيانات، إضافة إلى تسجيلات آن قبل تعرضها للسكتة الدماغية لخلق صورة رمزية افتراضية أو ما يعرف باسم (أفاتار) يتحدث بصوتها.

وما آلت إليه حال آن أنها قد تمكنت من التواصل بالسرعة نفسها مقارنة بالأشخاص من حولها.

وأضافت آن إلى ما كتبته: «عندما كنت في مستشفى إعادة التأهيل، لم يعرف معالج النطق ما سيفعله معي، ولقد أحسست بأن لحياتي هدفًا لكوني جزءًا من هذه الدراسة، كأنني أسهم في المجتمع، يبدو الأمر وكأنني حصلت على وظيفة مجددًا. من الممتع أنني عشت كل هذا الوقت، فقد سمحت لي هذه الدراسة بأن أعيش حقًا في حين أنني ما أزال على قيد الحياة».

يأمل إدوارد تشانغ -رئيس قسم الجراحة العصبية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو الذي عمل على هذه التقانة لأكثر من عقد- أن تقود هذه النقلة النوعية للبحث الأخير الذي ظهر في مجلة نيتشر في 23 آب 2023 في المستقبل القريب إلى نظام مصدق عليه من إدارة الغذاء والدواء يُمكّن من النطق من خلال تحويل إشارات الدماغ إلى كلمات مكتوبة.

قال تشانغ: «هدفنا إعادة طريقة كاملة مجسدة للتواصل تعد الطريقة المثلى بالنسبة لنا للتحدث مع الآخرين؛ إذ جعلتنا هذه التطورات أقرب لتقديم حل حقيقي للمرضى غير القادرين على النطق».

من ناحية أخرى، خضعت بينيت لنحو 100 ساعة من التدريب الذي اعتمد أيضًا على الصوتيات وتكرار الجمل المختارة عشوائيًا من قاعدة بيانات كبيرة؛ إذ بلغ معدل الخطأ للنظام بعد التدريب على 50 كلمة 9.1% فقط، في حين فُكّك تشفير خطاب بينيت بمعدل يصل إلى نحو 62 كلمة في الدقيقة، وبلغ معدل الخطأ في مفردات مكونة من 125 ألف كلمة 23.8%.

على الرغم من ذلك، فقد لاحظ الباحثون أنها المرة الأولى التي تُختبر فيها هذه الجمل الطويلة باستخدام هذا النوع من التكنولوجيا، واتفق الجميع أن النتائج واعدة على نحو كبير.

كتبت بينيت: «أثبتت هذه النتائج الأولية صحة هذا المفهوم، وفي النهاية سوف تتطور هذه التقانة لتصبح في متناول جميع الأشخاص الذين لا يستطيعون التحدث بسهولة من أجل أولئك غير القادرين على النطق، ما يمكّنهم من البقاء على تواصل مع العالم الأكبر، وربما الاستمرار في العمل، والحفاظ على الأصدقاء والعلاقات العائلية».

نُشر البحث في مجلة نيتشر.

اقرأ أيضًا:

ربما وجدنا الجزء من الدماغ حيث تعيش التجربة الواعية

تشوه الوقت: كيف تملي الساعة الداخلية للدماغ سلوكياتنا؟

ترجمة: زينب منذر رزوق

تدقيق: ريمي سليمان

المصادر: 1 2