عند البحث عن الظروف الطبيعية والضرورية للحياة على سطح كوكب آخر، أو البحث عن الحياة نفسها، يجب أن نقف عند ضرورة العثور على الكربون في الغلاف الجوي، وذلك بحسب ورقة بحثية جديدة. بدلًا من ذلك، قد يكون قلة الكربون أو غيابه في الغلاف الجوي علامة الحياة التي نبحث عنها.

تعتمد الحياة على الأرض على خمسة عناصر، وهم الكربون، والهيدروجين، والأكسجين، والنيتروجين والفسفور. يُعد الكربون عنصرًا خاصًا وحيويًا بين هذه العناصر.

يبدو منطقيًا أن نبحث عن وجود الكربون في الغلاف الجوي للكواكب التي قد تدعم نظرية الحياة خارج الأرض. يظن فريق متعدد التخصصات العلمية أن نكون قد فهمنا الأمور بوجه عكسي؛ فقد تكون الغازات الجوية قليلة الكربون الإشارات التي نبحث عنها لتوفير فرص جيدة للحياة على الكوكب.

يُعد الماء، الذي يتألف من الهيدروجين والأكسجين، المكون الآخر الحيوي المهم للبحث عنه، ولكن ذلك ينطبق فقط إذا كان على شكل سائل.

يصرح الأستاذ جوليان دي ويت من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، الذي شارك في البحث، بأن الماء السائل والكربون الجوي لا يتفقان تمامًا؛ إذ يقول: «جميع السمات التي نبحث عنها حتى الآن (كدلائل على الحياة) كانت خارج نطاق أحدث المراصد. الآن لدينا وسيلة لمعرفة هل هناك ماء سائل على كوكب آخر أم لا؟ وهو شيء يمكننا الوصول إليه في الأعوام القليلة القادمة».

يجادل الباحثون بأن الكواكب في نظام نجمي معين ستتشكل بكميات مماثلة من الكربون.

يقول الأستاذ أموري تريو، المشارك في البحث من جامعة برمنغهام: «إذا رأينا كوكبًا يحتوي على أقل كمية من الكربون، فقد يكون قد تبخر في مكان آخر، وقد تحاصَر العناصر الثقيلة في نواة الكوكب، ولكن الكربون خفيف جدًا لذلك».

يكمل تريو قائلًا: «العملية الوحيدة التي قد تزيل كمية كبيرة من الكربون من الغلاف الجوي هي دورة مياه قوية تشمل محيطات من الماء السائل».

الفكرة تتناقض مع تفكيرنا، فقد يشير وجود الكربون في الغلاف الجوي إلى وفرته على السطح، وهو ما تحتاجه الحياة. مع ذلك، تظهر لنا نظرة سريعة على الكواكب على الجانبين أنه قد يكون هناك شيء من هذا.

يحتوي كوكب الزهرة على غلاف جوي سميك من ثنائي أكسيد الكربون بنسبة 96.5٪، لكنه بالتأكيد ليس صالحًا للحياة؛ بسبب التأثير الحراري المفرط الذي يسببه الغاز، والحموضة التي ينتجها، إذ يُعد ثنائي أكسيد الكربون جزءًا كبيرًا من المشكلة.

من ناحية أخرى، قد يكون عائق كوكب المريخ الرئيسي للحياة هو نحافة غلافه الجوي، والغاز الذي يحتوي عليه في الغالب ثنائي أكسيد الكربون، ولكن بسبب نحافة الغلاف الجوي، فهو إشارة لعدم إمكانية وجود حياة هناك.

في الوقت نفسه، كانت تركيزات ثنائي أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي للأرض منخفضة جدًا، وبعض الكربون المفقود يتربص في جسم الكائنات الحية.

يشير الباحثون إلى أن البيولوجيا -كما نعرفها- لا تنتج مواد كيميائية فقط، بل تستهلكها أيضًا. هناك الكثير منها مذاب في المحيطات ومرسوم على قاع البحر، إذ يتحول في نهاية المطاف إلى صخور. يشير الباحثون إلى أن هذا يتناسب تقريبًا مع كمية الكربون في غلاف كوكب الزهرة.

يقول دي ويت: «نحن نعتقد إذا اكتشفنا نقصًا في الكربون، فستكون لدينا فرصة جيدة؛ لأنها علامة قوية على وجود ماء سائل أو وجود حياة».

من ناحية أخرى، ستكون الكمية الزائدة من ثنائي أكسيد الكربون، ما يُسمى بعلامة مضادة للحياة.

معرفة ذلك لن تكون مفيدة إذا لم نتمكن من كشف مستويات الكربون الجوي لدى الكواكب، ولكن هذا الموضوع يستطيع مرصد جيمس ويب الفضائي والتلسكوبات القادمة فحصه بصورة متزايدة، خاصةً الكواكب التي يعبر نجمها من موقعنا.

يقول دي ويت: «ثنائي أكسيد الكربون مراقب قوي للغاية في الأشعة تحت الحمراء، ويمكن اكتشافه بسهولة في غلاف الكواكب الخارجية».

يقترح الباحثون دمج بيانات من عشر عبارات، ويجب أن تكون كافية للكواكب حول النجوم الأقرب.

إذا كان لدينا كوكب واحد يحتوي على كمية قليلة من الكربون الجوي، فقد يكون ناتجًا عن خصوصية التكوين السحابي لهذا النظام الكوكبي، وعند مقارنة الغلاف الجوي لأكثر من كوكب، فإن الاختلافات قد تكون ملموسة للغاية، كما يأمل العلماء مع نظام TRAPPIST-1.

في حالة نقص ثاني أكسيد الكربون، قد يشير ذلك إلى إمكانية وجود حياة، ولكنه لن يكون دليلًا على تطورها؛ لذا تتطلب الحياة على كوكب آخر الدلائل الحيوية الأخرى، ويقترح الفريق أن تكون الأولوية للأوزون.

يشير الأوزون إلى إعادة تجديد مستمر للغلاف الجوي بالأكسجين الجزيئي، وهو أمر صعب تفسيره من دون وجود حياة تتفاعل ضوئيًا بصورة واسعة.

من ناحية أخرى، فإن جزيئات الأكسجين O2، مع أن وجودها أكثر انتشارًا في الغلاف الجوي للأرض، لكنها تطلق إشعاعًا في الجزء الأكثر ضوضاء في الطيف.

نُشِرت الدراسة في مجلة Nature Astronomy.

اقرأ أيضًا:

البحث عن حياة في البحيرة القديمة على المريخ

هل سيساعدنا الذكاء الاصطناعي في البحث عن آثار للحياة عل سطح المريخ؟

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر