ربما لم نعثر بعد على أنظمة كوكبية عديدة تشبه مجموعتنا الشمسية، ولكن تظل السمة العامة بين المجموعات الكوكبية المعروفة هي أنها أُنشئت من المادة الباريونية التي تتكون منها مجموعتنا الشمسية. لكن ماذا لو عُثر على كواكب مكونة من مواد أخرى تختلف عن النموذج القياسي الذي نعرفه؟ وماذا لو وجدت كواكب مكونة من تلك المادة الغامضة التي تُسمى المادة المظلمة ؟

بطريقة أو بأخرى لا يستطيع أحد الإجابة الآن عن تلك التساؤلات، وذلك اعتمادًا على ما يتوفر لدينا من معلومات. ولكن هناك فريق من العلماء بقيادة عالم الفيزياء النظرية يانغ باي من جامعة ويسكونسن ماديسون طرح أسئلة بشأن الكيفية التي ستظهر بها تلك الكواكب الافتراضية، وتساءل الفريق أيضًا عن إمكانية رصدها إذا كانت حقيقية.

الإجابة المختصرة هي نعم، يمكن رصدها، وذلك في حال توفر ظروف معينة. وقد أوضح الباحثون السبب في ورقة بحثية.

تُعد المادة المظلمة اللغز الأكبر بين ألغاز الكون، فلا تتوفر لدينا أية معلومات عن ماهيتها، ولا نعرف أيضًا كيف تبدو أو من أية مادة نشأت؟ فالشيء الوحيد الذي نعرفه هو أن الجاذبية في الكون تفوق الجاذبية المتوقع وجودها في المادة الباريونية.

عند حساب جاذبية كل مجرة وكل نجم وأيضًا جاذبية كل سحابة غبار تسبح بصمت في الظلام بين النجوم، لوجدنا أن هناك جاذبية أعلى من المتوقع لا نعلم مصدرها، ولكن نسمي ذلك المصدر الغامض بالمادة المظلمة. والعلماء الآن بصدد دراسة العديد من النظريات المحتملة.

تنقسم تلك الاحتمالات عمومًا إلى مجموعتين: جسيمات فردية وأخرى مركبة، وتتضمن تلك الجسيمات النقاط العيانية من المادة المظلمة والمعروفة بالماكرو Macros؛ إذ قد تكون لتلك الجسيمات كتل تقع ضمن مقياس الكتل الكوكبية.

وفقًا لشرح باي وفريقه: «في حال تحقق شرط التطابق بين كتلة المادة المظلمة العيانية أو قطرها أو كليهما وكتلة أحد الكواكب أو قطره، وأيضًا في حال ارتباط المادة المظلمة بنظام نجمي، فسوف تتصرف المادة المظلمة كما لو كانت كوكبًا مظلمًا خارجيًا، حتى لو كانت الفيزياء التي يخضع لها الجسم تتطابق تمامًا مع شيء آخر».

تعتمد حاليًا عملية رصد الكواكب الخارجية كليًا على دراسة تأثير ذلك الكوكب في ضوء النجم الذي يتبعه، وتُستخدم تلك البيانات أيضًا لدراسة خصائص الكوكب.

عندما يمر كوكب خارجي بين الأرض والنجم الذي يتبعه الكوكب؛ أي المسار الذي يأخذه الكوكب والمعروف باسم الترانزيت، فسوف يتسبب الكوكب في خفوت ضئيل في الضوء القادم من ذلك النجم. وعندئذ يقيس علماء الفلك مقدار الخفوت في الضوء؛ لحساب قطر الكوكب الخارجي.

نتيجةً لذلك المسار أيضًا، يتحرك النجم الذي يتبعه الكوكب بمقدار ضئيل. ويرجع ذلك إلى حركة كل من الكوكب والنجم حول نقطة الجاذبية المركزية ذاتها. فبفضل القدرة على تحديد مقدار التغير في الطول الموجي للضوء القادم من النجم، وأيضًا تحديد مقدار الحركة التي تُعرف بالسرعة الشعاعية، فسوف يتمكن العلماء من حساب كتلة الكوكب الخارجي.

نستطيع حساب كثافة الكوكب استنادًا إلى تلك البيانات، ومن ثمّ نتمكن من معرفة تكوينه. فمثلًا الكثافة المنخفضة لكوكب مثل كثافة كوكب المشترى تدل على أنه عملاق غازي، في حين الكثافة العالية مثل كثافة الأرض تدل على التكوين الصخري للكوكب. فإن قطر المشتري عامةً أكبر من قطر الأرض.

لقد وجد باي وفريقه أن تلك التقنية يمكن استخدامها لرصد الكواكب المكونة من المادة المظلمة التي يُحتمل وجودها. فقد يكون لتلك الكواكب خصائص غير اعتيادية، وقد تغير معرفة تلك الخصائص مفهومنا الحالي عن نشأة الكواكب.

بناءً على البحث، ربما نتمكن من العثور على كوكب خارجي له كثافة أكبر من الحديد، ومن المحتمل أيضًا العثور على كوكب له كثافة صغيرة جدًا لدرجة يصعب تفسيرها.

لم يتمكن العلماء إلى الآن من إثبات تلك الافتراضات التي تكاد تكون مستحيلة، ولكنهم يأملون في إثباتها يومًا ما.

إضافةً إلى ذلك، فحص علماء الفلك الغلاف الجوي لتلك الكواكب الخارجية -اعتمادًا على البيانات المجموعة من مسار الترانزيت- بقياس الطيف الضوئي للنجم في أثناء حركة الكوكب، ثم مقارنته بالطيف الضوئي للنجم نفسه في الأحوال العادية؛ بحثًا عن الأطوال الموجية الأكثر خفوتًا والأكثر لمعانًا.

يُعد ذلك مؤشرًا على امتصاص الضوء أو انبعاثه مرة أخرى بفضل جزيئات في الغلاف الجوي للكوكب. لذا يُحلل العلماء تلك البيانات لتحديد ماهية الجزيئات. ففي حال أظهر التحليل الطيفي للعبور شذوذًا بالغًا، فقد يعني هذا الشذوذ وجود كوكب خارجي مكون من المادة المظلمة.

من المؤشرات التي تدل أيضًا على وجود كوكب مكون من المادة المظلمة هي السرعة الشعاعية، في حال أوضحت تلك السرعة أن هناك كوكبًا سوف يعبر، ولكن لم يُرصد أي عبور.

يمكن أيضًا أن نستدل على وجود كوكب مكون من المادة المظلمة من انحدار منحنى الضوء الناتج عن الترانزيت مُظهرًا شكلًا غير متوقعًا.

أوضح الباحثون: «قد لا تكون الكواكب المكونة من المادة المظلمة معتمة تمامًا؛ نتيجةً لوجود تأثير متبادل بين المادة المظلمة في الكوكب وجسيمات النموذج القياسي. ولهذا التأثير قوة ضئيلة، ولكنها غير منعدمة. ويؤدي ذلك التأثير إلى ظهور منحنى الضوء على نحو مميز ومختلف عن الكواكب الأخرى».

أجرى باي وفريقه حسابات لمعرفة كيف يبدو ذلك المنحنى؛ تمهيدًا لتحليلات نظرية أكثر تعمقًا.

لاحظ الفريق أن هناك عدة نقاط قد تساهم في تحسين عملهم؛ إذ إنهم درسوا فقط المدارات الدائرية خلال عملهم، في حين أن العديد من الكواكب الخارجية لها مدارات إهليلجية، وخاصةً تلك الكواكب الواقعة تحت جاذبية نجم ما؛ إذ يُتوقع وجود كواكب تتكون من المادة المظلمة. وقد دُرست أيضًا خصائص الكواكب دراسة بسيطة نسبيًا.

استنتج الباحثون أن إجراء المزيد من الدراسات بشأن التكوين المبكر للأنظمة النجمية الكوكبية للكواكب ذات المادة المظلمة، واكتشاف تلك المادة، سوف يساعد على رصدها، أو على الأقل سيمكننا من معرفة مدى انتشار تلك الكواكب في حال لم نتمكن من رصدها.

اقرأ أيضًا:

علماء الفلك يحلون لغز مجرة 99.99% منها مادة مظلمة

وصف دقيق للطاقة المظلمة والمادة المظلمة التي تحكم الكون

ترجمة: هند أمين

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر