تُعد الفيروسات الغدية نواقل مثالية لإيصال مستضدات معينة إلى الكائنات المضيفة الثديية لقدرتها على تحريض الاستجابات المناعية الفطرية والمتكيّف. استُعمِلت اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي مؤخّرًا للوقاية من العديد من العوامل الممرضة مثل المتفطّرة السلية وفيروس نقص المناعة البشري والمتصورة المنجلية.

تعريف الفيروسات الغدية

تُعرَف الفيروسات الغدية بأنها فيروسات غير مغلفة تحتوي على حمض نووي ثنائي الطاق يتراوح حجمه من 34 إلى 43 كيلو أساس آزوتي ويتراوح حجم الفيروس من 70 إلى 90 نانومتر، اكتُشفت للمرة الأولى في النسيج الغدي البشري عام 1953 من قبل الباحث والاس روي وزملائه.

تسبّب الإصابة بالفيروس الغدي أعراض طفيفة في الجهاز التنفسي والسبيل المعوي المعدي ويمكن أن تكون مهددة للحياة لدى المرضى المضعفين مناعيًا أو المرضى الذين يعانون من اضطرابات قلبية أو تنفسية موجودة مسبقًا.

عُزلت هذه الفيروسات من طيف واسع من الكائنات الثديية بدءًا من القردة إلى الشمبانزي إلى البشر، وحُدِّد أكثر من 50 نمطًا من هذه الفيروسات وصُنّفُت إلى 7 تحت مجموعات بدءًا من A إلى G اعتمادًا على خصائص تراص كريّات الدم الحمر وتماثل تسلسلاتها الجينومية.

تعبّر الفيروسات الغدية عن نمطين من الجينات وهي الجينات المبكرة والجينات المتأخرة.

الجينات المبكرة (E1A و E1B و E2 و E3 و E4) ضرورية لتضاعف الفيروس الغدي في الخلايا المضيفة بينما تتمثل وظيفة الجينات المتأخرة في عمليات انحلال الخلية المضيفة وتجمّع الفيروس وتحرّره من الخلايا، تتّصف النواقل الفيروسية الغدية المركبة المُحضّرة في المخابر بأنها إمّا غير قادرة على التضاعف أو قادرة على التضاعف.

تُحذف الجينة E1 في المخابر البحثية الطبية بسبب دورها الهام في تضاعف الفيروس الغدي وذلك من أجل خلق فيروسات غدية قادرة على إعداء الخلايا المضيفة لكنها غير قادرة على زيادة أعدادها بسبب عدم قدرتها على التضاعف، لكنّ بعض الخلايا المتخصصة مثل HEK 293 قادرة على تسهيل تضاعف الفيروس الغدي الفاقد لجينة E1 بسبب قدرتها على تأمين وظائف الجينة E1.

فوائد اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي

توجد عدة فوائد من استخدام النواقل الفيروسية الغدية لنقل المستضدات الفيروسية إلى الخلاية المستهدفة لتحريض استجابات مناعية مرغوبة، إذ سمح لنا الجينوم الكبير نسبيًا والموصَّف جيّدًا بأن نتلاعب بجينات الفيروس الغدي بسهولة، إضافةً إلى أن اللقاحات المعتدة على الفيروسات الغدية آمنة جدًا وتسبب آثارًا جانبية قليلة لأنها تسبب عدوى طفيفة في البشر ويمكن بمساعدة تقانات الهندسة الجينية تثبيط تضاعفها.

تستطيع هذه الفيروسات نقل العدوى طيفٍ واسع من الخلايا المنقسمة وغير المنقسمة بسبب إلفتها الكبيرة للعديد من الأنسجة، وتوجد العديد من العوامل الأخرى التي تجعل اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي أكثر إفادة مثل مقاومتها الكبيرة للحرارة وقدرتها على النمو بتراكيز كبيرة وسهولة إيصالها إلى الكائنات المضيفة بطرق الإيتاء الجهازية أو المخاطية التنفسية.

بشكل معاكس للعديد من النواقل الفيروسية الأخرى مثل لينتيفيروس أو الفيروسات القهقرية فإن خطورة التطفير الإقحامي في الفيروسات الغدية أقل بكثير إذ لا يتم اندماج جينوم الفيروس في جينوم الكائن المضيف.

تمتلك اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي القدرة على تحريض استجابات مناعية فطرية ومتكيفة قويّة ومستدامة إذ يستطيع الفيروس الغدي تحريض الاستجابات المناعية المتواسطة بكل من الخلايا التائية المساعدة والخلايا التائية السامة للخلايا، ما يجعلها نواقل مناسبة لتطوير لقاحات ضد العوامل الممرضة التي يحاربها الجهاز المناعي المعتمد على الخلايا.

الأضداد المُحيّدة المنتجة بسبب العدوى بالفيروس الغدي أو اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي تستهدف بروتين الكابسيد الفيروسي السداسي بشكل أساسي كما تستهدف البروتين الليفي أو بروتين الأساس الخماسي في الكابسيد الفيروسي.

تُعبّر الفيروسات الغدية أيضًا عن الأنماط الجزيئية المترافقة مع العامل الممرض المسؤولة عن تحريض الجهاز المناعي الفطري إذ يؤدي ارتباط الأنماط الجزيئية المترافقة مع العامل الممرض مع مستقبلات التعرف على العامل الممرض في الخلايا المضيفة إلى إنتاج سيتوكينات محرّضة للالتهاب ونضج الخلايا المقدمة للمستضدات.

اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي

توجد العديد من اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي في مرحلة التجارب السريرية وقبل السريرية حتى هذه اللحظة، إذ توجد اللقاحات المُطوّرَة ضد فيروس نقص المناعة البشري وفيروس الإيبولا وفيروس الإنفلونزا والمتفطّرة السلية والمتصورة المنجلية في مرحلة التجارب السريرية البشرية.

بينما توجد اللقاحات المُطوّرَة ضد فيروس داء الكَلَب وفيروس حمى الضنك وفيروس كورونا المسبّب للمتلازمة التنفسية الشرق أوسطية في مرحلة التجارب قبل السريرية وتُستَخدَم الآن اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي للوقاية من فيروس كورونا 2 المسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة في حالات الطوارئ في جائحة كوفيد-19.

تُحَضّر اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي عن طريق إدخال كاسيت التحوير الجيني في جينوم الفيروس الغدي بآليات التنسيل المباشر أو التأشيب المتماثل إذ يعبّر كاسيت التحوير الجيني عن المستضد الهدف تحت سيطرة محفز قوي قادر على المحافظة على تعبير قوي ومستدام عن الجينات المحوّرة.

لقاح السل المعتمد على الفيروس الغدي

يوجد لقاح واحد فقط للوقاية من السل يُدعى بي سي جي، ولا يستطيع هذا اللقاح الوقاية من السل التنفسي، ويُعد AdHu5 النمط المصلي للفيروس الغدي الأكثر استخدامًا في تطوير لقاح للسل إذ إن أكثر لقاح للسل معتمد على الفيروس الغدي دراسةً هو الناقل AdHu5 الفاقد لجينة E1 أو جينة E2، ويعبّر عن مستضد المتفطرة السلية المناعي 85A تحت سيطرة محفز الفيروس المضخم للخلايا، يؤدي وجود مناعة سابقة ضد النمط المصلي من الفيروس الغدي AdHu5 إلى التقليل بشكل كبير من فعالية اللقاح ما يشكل عائقًا رئيسيًا لهذا النوع من اللقاح.

يمكن تجاوز هذا العائق باستخدام أنماط مصلية أقل انتشارًا مثل النمط المصلي 35 للفيروس الغدي البشري، أحد هذه اللقاحات هو rAd35-TBS الذي طُوّرَ باستخدام ناقل AdHu5 ويعبر عن ثلاثة مستضدات مختلفة من المتفطرة السلية تحت سيطرة محضض الفيروس المضخك للخلايا.

لقاح نقص المناعة البشري المعتمد على الفيروس الغدي

لقاح نقص المناعة البشري الأكثر دراسةً عالميًا هو المعتمد على الناقل AdHu5 ثلاثي التكافؤ الذي يعبّر عن ثلاثة مستضدات لفيروس نقص المناعة البشري وهي gag و pol و nef لكن هذا اللقاح فشل في إنقاص مستويات الفيروس سريريًا وزاد خطورة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري لدى الذكور المصابين بالنمط المصلي AdHu5.

أحد اللقاحات المُرَشحة الأخرى المعتمدة على النمط المصلي AdHu5 غير القادر على التضاعف، ويعبر عن البروتين gag لفيروس نقص المناعة القردي، إذ استطاع هذا اللقاح إنقاص مستويات الفيروس في التجارب قبل السريرية.

أظهرت اللقحات المعتمدة على الفيروس الغدي الشمبانزي التي تستخدم نواقل فيروسية ذات الأنماط المصلية 3 و 63 وتعبر عن مستضدات gag و pol و nef نتائج واعدة في النماذج الحيوانية الفأرية.

لقاح الإنفلونزا المعتمد على الفيروس الغدي

يُحرّض الناقل AdHu5 غير القادر على التضاعف الذي يعبر عن مستضد الهيماغلوتينين لفيروس إنفلونزا الطيور وربيطة مستقبل تول-لايك 3 الاستجابات المناعية النوعية للمستضد في البشر. وتُدرَسُ الآن إمكانية استخدام الناقل المعتمد على الفيروس الغدي الشمبانزي AdC65 للتعبير عن ميكرو RNA صنعي لاستهداف بروتينات المطرس أو البروتينات النووية لفيروس الإنفلونزا إذ يمكن لهذه اللقاحات تأمين حماية شاملة من عدوى الإنفلونزا عن طريق تثبيط تكاثر فيروسات الإنفلونزا.

لقاح سارس-كوف-2 المعتمد على الفيروس الغدي

طوّرت جامعة أكسفورد وشركة أسترازينيكا لقاح ChAdOx1 nCoV-19 أو ما يُدعى AZD 1222 للوقاية من عدوى سارس-كوف-2 المسببة لمرض كوفيد-19 إذ يحتوي هذا اللقاح على فيروس غدي شمبانزي يستطيع الدخول إلى الخلايا البشرية لكنه لا يستطيع التكاثر فيها، ويحتوي جينوم الفيروس الغدي على جينة من فيروس كورونا تعبّر عن البروتين الشوكي التي يستخدمها سارس-كوف-2 للدخول إلى الخلايا البشرية.

سمحت السلطات البريطانية باستخدام هذا اللقاح في الحالات الطارئة في شهر ديسمبر 2020 وسمحت الهند باستخدامه أيضًا في الشهر ذاته. وافقت منظمة الصحة العالمية على النسخ التي أُنتِجت منه في الهند وكوريا الجنوبية في شهر فبراير 2021.

توجد عدة لقاحات أخرى للوقاية من عدوى سارس-كوف-2 معتمدة على الفيروس الغدي قيد التطوير مثل لقاح سبوتنيك في، ولقاح جونسون آند جونسون، إذ وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدام لقاح جونسون آند جونسون في الحالات الطارئة في الولايات المتحدة في فبراير 2021 كمحاولة لمكافحة جائحة كوفيد-19.

اقرأ أيضًا:

لقاح فيروس كورونا الروسي الجديد يثير شكوك العلماء في سلامته

هل إيقاف تجارب لقاح أوكسفورد يعني أنه غير آمن؟

ترجمة: حسن دعبول

تدقيق: محمد الأسطى

المصدر