سلّطت التقارير التي تتحدث عن تأخيرات طويلة في شحن السفن التي تمر عبر قناة بنما هذا العام الضوء على الدور المهم الذي يؤديه الماء العذب عبر سلاسل التوريد العالمية الذي يُتجاهل في كثير من الأحيان.

وقد أدت ظروف الجفاف غير المعتاد في بنما الناجمة عن ظاهرة النينيو إلى إصابة المنطقة بالجفاف وانخفاض مستويات الماء العذب في الأقفال التي تغذي القناة. وقد أدى ذلك إلى انخفاض عدد السفن القادرة على المرور عبر القناة يوميًا بمعدل 31 سفينة فقط حاليًا، مقارنة بـ 36 إلى 38 في الظروف العادية. وهذا يعني فترات انتظار أطول لنقل المنتجات عبر القناة إلى أرفف المتاجر.

يُظهر التباطؤ في قناة بنما كيف أن الوصول إلى الماء العذب هو المفتاح للطريقة التي تُصنع بها البضائع وشحنها، ما يؤثر في كل شيء بدءًا من أسعار البقالة إلى توقعات البيع بالتجزئة لموسم التسوق القادم في العطلات.

يرى خبراء إدارة سلاسل التوريد أنه سيكون من الحكمة أن تولي الشركات اهتمامًا أكبر لهذه القضية. وقد تتساءل أولاً: ما علاقة الماء العذب بالشحن البحري؟ اتضح أنه الكثير…

الماء العذب في كل مكان، ولا يكفينا

إن قناة بنما عبارة عن وصلة من الماء العذب بين محيطين (وليست وصلة مياه مالحة، كما قد يفترض البعض). تعمل سلسلة من الأقفال على كل جانب من القناة على رفع سفن الشحن لمسافة 100 قدم تقريبًا إلى البحيرات الاصطناعية التي تمتد عبر شق بنما وتخفضها إلى مستوى سطح البحر على الجانب الآخر.

ويتطلب كل عبور بواسطة سفينة 52 مليون جالون من الماء العذب من البحيرات والأنهار والجداول عبر هذا البلد الصغير. وهذا يخلق مقايضة بين الحفاظ على الماء العذب لتلبية الاحتياجات المحلية واستخدامها للسماح للسفن بعبور القناة. انخفاض كمية الماء العذب المخصصة للقناة يعني مرور عدد أقل من السفن عبرها، وهذه ليست ظاهرة فريدة.

أدى انخفاض مستويات الماء العذب دوريًا في نهر المسيسيبي ونهر الراين في ألمانيا إلى إعاقة حركة مرور البارجات لسنوات، ما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد، وقد أثير الجدل حينها حول كيفية تقسيم كميات محدودة من الماء العذب. تسلط الخطط الأخيرة التي وضعتها المجتمعات المحلية في شمال كولورادو لبناء خزاناتها الخاصة على روافد نهر كولورادو الضوء على أسئلة حول من يملك الوصول إلى الممرات المائية المحلية وكيفية إدارة هذا المورد.

تحدٍ قديم

إن الحاجة إلى إدارة الموارد المائية ليست جديدة، إذ يعود تاريخ أنظمة إدارة المياه المعقدة إلى الإمبراطورية الرومانية وحتى قبل ذلك. لقد أحرزت البشرية تقدمًا كبيرًا في إدارة المياه على مر القرون، ولكن في السنوات الأخيرة غالبًا ما تراجعت هذه القضية وراء الاهتمامات البيئية الملحة الأخرى مثل ظاهرة الاحتباس الحراري.

إن إدارة المياه معقدة بسبب حقيقة أن الشركات والمجتمعات تجد نفسها في بعض الأحيان في صراع، حيث ترغب الشركات في استخدام المياه لعملياتها، في حين ترغب المجتمعات في الحفاظ على إمدادات المياه لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. وفي الوقت نفسه، تحتاج المجتمعات أيضًا إلى الوظائف والخدمات التي تقدمها الشركات. وتسلط أمثلة مثل قناة بنما الضوء على هذا التوتر.

إن تحقيق التوازن بين هذه الاحتياجات التي تبدو متناقضة يتطلب إلقاء نظرة أعمق على كمية المياه المستخدمة في صنع المنتجات التي يشتريها الناس ويستخدمونها كل يوم.

وأوضحت مقالة صحفية حديثة، إن الماء عنصر مهم في كل شيء يشتريه الناس تقريبًا. فيُستخدم مثلًا ما يقرب من 2600 جالون من الماء في صناعة القماش المناسب لقطعة جينز واحدة، فمن زراعة القطن للألياف اللازمة إلى تصنيع الجينز ووضع هذا الجينز على الرفوف، تُدمج المزيد والمزيد من المياه في كل حركة عبر سلسلة التوريد.

نظريًا، تستخدم الشركات المياه لنقل (المياه) الموجودة في جميع المنتجات التي تبيعها تقريبًا. ولهذا السبب فإن الشركات لديها أكثر من أسباب الإيثار البحت لمعالجة المشكلات المتعلقة بالماء العذب، فهي ليست مفيدة للمجتمع فحسب، بل أيضًا لعملياتها الخاصة. وقد يؤدي نقص المياه إلى إعاقة الإنتاج وتعطيل سلاسل التوريد التي تعتمد عليها الشركات.

حلول للشركات

توجد عدد من الطرق التي تستطيع الشركات من خلالها تحسين إدارتها للمياه لتقليل استهلاكها والتكاليف، مع الحد من تعرضها لمخاطر المياه.

أولاً، يجب على الشركات أن تدرك أنه ليس كل شيء يتطلب مياهًا نظيفة. فبالإمكان استخدام المياه العادمة الناتجة عن إحدى العمليات في عملية أخرى لا تتطلب الماء العذب. وبالمثل، لا تؤدي كل العمليات إلى تلويث المياه، لذا فإن إعادة استخدام المياه العادمة الناتجة عن تلك العمليات أمر سهل، مثل المياه المستخدمة للتبريد.

ثانياً، بوسع الشركات تقاسم مياه الصرف الصحي بين المرافق لإعادة استخدامها، وهو مفهوم يسمى البيئة الصناعية. فبالوسع مثلًا استخدام المياه الغنية بالمغذيات الناتجة عن إنتاج الغذاء لري المزارع بدلًا من تصريفها.

وثالثًا، نظرًا لأن الماء وسيلة ممتازة لنقل الحرارة، فبدلًا من محاولة تبريد منطقة ما وتدفئة منطقة أخرى، تستطيع الشركات توصيل الأنظمة. إذ تعمل مثلًا شركة Novelis العالمية العملاقة للألمنيوم على توزيع الماء الساخن المستخدم في عملية الصب في أحد مصانعها في أوروبا لتدفئة مبنى مجاور.

إن الفرص كثيرة لتحسين إدارة الماء العذب الذي يعد واحدًا من أغلى مواردنا. وفي حين أن اللوائح الحكومية القوية ومتطلبات الإبلاغ الموسعة ستساعد، فإن القرارات التي تتخذها الشركات نفسها قد تحرك هذه الأمور أكثر. وبالنسبة لأولئك الذين يفعلون ذلك، فإن مكانتهم في المجتمعات التي يعملون فيها سوف ترتفع بالتأكيد وكذلك أرباحهم النهائية.

اقرأ أيضًا:

ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية بسبب ارتفاع أسعار النفط

‎ماذا يعني توسيع مجموعة بريكس وانضمام دول جديدة؟

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر