تطور علم الكونيات تطورًا ملحوظًا في القرن الأخير، وهو العلم الذي يُعنى بدراسة الكون بوصفه كيانًا فيزيائيًا واحدًا، ومعرفة أصله وطبيعته ومكوناته وكيفية تطوره عبر الزمن. ولكن مع كل إنجازات البشرية المذهلة في قياس جميع الخصائص التي تتعلق بالكون وظواهره بدقّة عالية، فلم نستطع بعد فكّ شيفرة بعض هذه الظواهر ومعرفة ماهيتها، وعلى رأسها المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

تعود نشأة علم الكونيات الحديث إلى مئة عام من الآن، وبالتحديد عندما اكتشف إدوين هابل -أحد رواد هذا العلم- أن الكون كبير جدًا وأنه يتسع باستمرار، وذلك باكتشافه أمرين بالغي الأهمية:

  1.  يوجد مجرات أخرى في كوننا بعيدة عنا بمسافات هائلة.
  2.  هذه المجرات تبتعد عنا بفعل قوة ما معاكسة للجاذبية.

إنّ العماد الأساسي لعلم الكونيات الحديث هو نظرية الانفجار العظيم التي تنص على أن الكون كان أصغر وأكثر كثافة وسخونة من الآن في الفترات التي تلت الانفجار مباشرة، لدينا الكثير من الأدلة التي تثبت هذه الحقائق، ولكن لا يعني ذلك أن البشرية وصلت إلى مرحلة الفهم الكلي للكون وما يحدث فيه.

توجد في الحقيقة ظاهرتان كونيتان لم يستطع العلماء فهمها بعد، الأولى هي المادة المظلمة التي اكتُشفت في سبعينات القرن الماضي. تتكون المادة المظلمة من نوع جديد من الذرات لا نعلم خواصه ولا ماهيته. وما يميز هذه المادة أنها لا تتفاعل مع الضوء أو المواد العادية.لكن الباحثين يعلمون شيئًا عن هذه المادة، غهي تشغل معظم الكتلة الإجمالية في الكون. وقد تمكّن العلماء من معرفة هذه الحقيقة بالقياس الدقيق لكتلة المواد القابلة للرصد بالتقنيات المتوفرة حاليًا، وقد توصلوا إلى أنه لا بد من وجود نوع آخر من المواد لكي تتوافق أبحاثهم مع النموذج القياسي المعروف للكون.

تُسمى الظاهرة المبهمة الثانية بالطاقة المظلمة، ويعود اكتشافها إلى أواخر القرن العشرين، إذ وجد فريقان من علماء الفلك في التسعينات أن توسع الكون متسارع في طبيعته، أي أن المعدل الذي يزداد حجم الكون وفقه يزداد باستمرار، وهذا ما أثار فضول المشاركين في البحث. وأطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم الطاقة المظلمة.

حسب النموذج القياسي للكون، ومع أخذ التوسع المتسارع بالحسبان، تشكّل الطاقة المظلمة ما يقارب 70% من طاقة كتلة الكون كاملًا، إذ تطغى هذه الطاقة على كل الأشياء في الوجود حتى المادة المظلمة.

قطعت الإنسانية شوطًا كبيرًا في رحلة اكتشاف الكون الواسع، إذ أصبح بإمكاننا القول بمنتهى الثقة أن عمر الكون 13.77 مليار سنة، أو أن جميع ذرات الهيدروجين في الكون تكونّت في الدقائق القليلة التي تلت الانفجار العظيم. يمكننا إسناد هذه التصريحات بدلائل قاطعة لا تدع مجالًا للشك. ولكن مع ذلك ما زال ينقصنا الكثير والكثير.

كل ما نستطيع فعله هو القياس والقياس مجددًا، إلى أن نصل إلى معرفة تمثل شيئًا ما من الصورة الكلية لما يحدث في الكون. كشفت مؤخرًا الأوراق البحثية الخاصة بالدراسة (PANTHEON+) عن مواقع 1500 مستعر أعظم بدقة عالية في الفضاء الخارجي، وتوصّل هذا البحث إلى نتيجة مفادها أن 66.2% من الكون طاقة مظلمة و 33.8% منه مواد عادية ومظلمة (أغلبها مظلمة). لكن للأسف لم تستطع هذه الدراسة الكشف عن الجوهر الحقيقي لتلك الظواهر الكونية، ما يعني أنه يجب علينا الاستمرار بالغوص في أعماق الفضاء لنحل هذا اللغز.

اقرأ أيضًا:

وصف دقيق للطاقة المظلمة والمادة المظلمة التي تحكم الكون

يتوجه مصادم الهادرونات الكبير لاستعمال طاقة أعلى لدراسة المادة المظلمة

ترجمة: نوار الشيخ

تدقيق: أنس ديب

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر