عثر العلماء على مجرة هائلة الحجم، توجد في الفضاء على بعد نحو 3 مليارات سنة ضوئية من كوكب الأرض، سُميت «ألسينيوس» (Alcyoneus)، وهي مجرة راديوية عملاقة يبلغ طولها 5 ميغابارسيك، أي ما يقارب 16.3 مليون سنة ضوئية، وتشكّل أكبر بنية معروفة ذات أصل مجرّي.

يسلط هذا الاكتشاف الضوء على مدى فهمنا القليل لهذه البنى العملاقة، والسبب وراء نموها المذهل. قد يوفر أيضًا طريقة لفهم أفضل للمجرات الراديوية العملاقة والوسط بين المجرّي الذي يندفع بعيدًا في الفراغات الآخذة بالتوسع في الفضاء.

المجرات الراديوية العملاقة لغز من ألغاز عالمنا الملآن بالغموض، وتتكون من مجرة مضيفة -مجموعة النجوم التي تدور حول نواة مجرة تحتوي على ثقب أسود هائل- إضافةً إلى حزم موازية وضخمة من المادة المقذوفة، ومناطق انبعاثات إشعاعية قوية تنبثق من مركز المجرة.

تتفاعل المواد المقذوفة والانبعاثات المشعة مع الوسط بين المجري، وتعمل مسرّعًا دورانيًا تزامنيًا لتسريع الإلكترونات التي تنتج انبعاثات راديوية.

من المعروف أن ما ينتج هذه المواد المقذوفة هو ثقب أسود فائق الكتلة نشط، يوجد في مركز المجرة. يُعد الثقب الأسود نشطًا إذ يبتلع المادة من قرص عملاق من المواد المتراكمة حوله.

المواد الموجودة في قرص المواد المتراكمة التي تدور حول ثقب أسود نشط، لا ينتهي بها المطاف جميعًا في ما وراء أفق الحدث، بل يُوجه جزء منها بطريقة ما من المنطقة الداخلية لقرص المواد المتراكمة إلى القطبين، حيث يُدفع في الفضاء على شكل مواد مقذوفة من البلازما المتأيّنة، بسرعات نسبية كبيرة تقارب سرعة الضوء.

تستطيع هذه المواد المقذوفة السفر مسافات شاسعة، قبل أن تنتشر في مناطق انبعاثات إشعاعية عملاقة تنبعث منها موجات الراديو.

هذه العملية طبيعية جدًا، حتى مجرة درب التبانة فيها مناطق انبعاثات إشعاعية راديوية. ما لا نعرفه جيدًا هو لماذا في بعض المجرات تنمو هذه المناطق إلى أحجام ضخمة للغاية، على مقاييس ميغابارسيك، يُطلق على هذه المجرات اسم المجرات الراديوية العملاقة، وقد تكون الأمثلة على ظواهر متطرفة مفتاحًا لفهم أسباب نمو هذه المناطق.

أوضح الباحثون بقيادة عالم الفلك مارتن أوي من مرصد لايدن في هولندا في ورقتهم التي نُشرت في أبريل الماضي: «حال وجود خصائص معينة للمجرات المضيفة تمثل سببًا مهمًا لنمو مجرات راديوية عملاقة، فقد تمتلكها مضيفات أكبر المجرات الراديوية العملاقة، وبالمثل، إذا كانت هناك بيئات معينة ذات نطاق كبير مواتية لنمو المجرات الراديوية العملاقة، فمن المرجّح أن توجد أكبر المجرات الراديوية العملاقة فيها».

بدأ الفريق البحث عن القيم المتطرفة في البيانات التي جمعها مرصد (LOFAR) في أوروبا، وهو شبكة قياس متداخلة تتكون من نحو 20000 هوائي لاسلكي، موزعة في 52 موقعًا في جميع أنحاء أوروبا.

أعادوا معالجة البيانات في خط معالجة جديد، وأزالوا مصادر الراديو المدمجة التي قد تتداخل مع اكتشافات أشعة الراديو المنتشرة من مناطق الانبعاثات، وصححوا التشويش البصري.

قال الباحثون إن الصور الناتجة تمثل أكثر عمليات البحث حساسية التي أجريت على الإطلاق عن مناطق انبعاثات الإشعاعات في المجرات الراديوية. لاحقًا، استخدموا أفضل أداة متاحة للتعرف على الأنماط لتحديد هدفهم، وهي أعينهم.

بهذه الطريقة عثروا على «ألسينيوس»، التي تنبعث من مجرة على بعد بضعة مليارات من السنين الضوئية.

كتب العلماء: «اكتشفنا ما يُعد أكبر هيكل معروف أُنشئ بواسطة مجرة واحدة، مجرة راديوية عملاقة ذات طول مسقط متوقع 4.99 ± 0.04 ميغابارسيك، الطول المناسب الحقيقي هو على الأقل 5.04 ± 0.05 ميغابارسيك».

فور قياس مناطق الانبعاثات، استخدم الباحثون مسح سلون الرقمي للسماء لمحاولة فهم المجرة المضيفة، ووجدوا أنها مجرة إهليلجية عادية إلى حد ما، مُتضمنة في خيوط من الشبكة الكونية، وتبلغ كتلتها نحو 240 مليار ضعف كتلة الشمس، مع وجود ثقب أسود هائل في مركزها يبلغ حجمه نحو 400 مليون ضعف كتلة الشمس.

هذان المعاملان هما عند الحد الأدنى للمجرات الراديوية العملاقة، ما قد يوفر بعض الأدلة على ما يدفع نمو مناطق الانبعاثات الراديوية.

كتب الباحثون: «بعيدًا عن الهندسة، تعد «ألسينيوس» وجارتها المضيفة عاديتين بشكل مثير للريبة: إجمالي شدة لمعان التردد المنخفض، والكتلة النجمية، وكتلة الثقب الأسود فائق الكتلة أقل من تلك الموجودة في مجرات الراديو العملاقة ذات الحجم الوسطي، رغم تشابهها. لذا، فإن المجرات الضخمة جدًا أو الثقوب السوداء المركزية ليست ضرورية لنمو عمالقة كبيرة، وإذا كانت الحالة المرصودة تمثل المصدر طوال حياته، فالأمر ينطبق أيضًا على طاقة الراديو العالية».

قد تكون «ألسينيوس» موجودة في منطقة من الفضاء أقل كثافة من المتوسط، ما قد يمكّن من توسعها، أو أن التفاعل مع الشبكة الكونية يؤدي دورًا في نموها.

مهما يكن الأمر، يعتقد الباحثون أن «ألسينيوس» لا تزال تنمو، بعيدًا في الظلام الكوني.

اقرأ أيضًا:

رصد أقدم مجرة راديوية مختبئة داخل عنقود مجري!

اكتشاف مجرة جديدة تدور منذ نشأة الكون

ترجمة: نور حاتم

تدقيق: باسل حميدي

المصدر