يُعد الملح الصيني، المعروف كيميائيًا بالغلوتامات أحادية الصوديوم، مادةً محسنة للنكهة، وشاع استُخدامه منذ ما يقارب 100 عام، إضافةً إلى وجوده طبيعيًا في بعض الأطعمة، فهو مكون غذائي شائع الاستخدام في الوصفات الصينية والخضراوات المعلبة والحساء والأطعمة المصنعة الأخرى. عُدّت الغلوتامات أحادية الصوديوم مكونًا غير صحي لعقود، ومع ذلك تشكك البحوث الحديثة في مزاعم وجود آثار ضارة لها على صحة الإنسان. تتناول هذه المقالة الملح الصيني، وما تقوله الأدلة الحالية عن آثاره الصحية.

ما الملح الصيني؟

الملح الصيني محسن للنكهة مشتق من حمض الغلوتاميك، الموجود طبيعيًا في العديد من الأطعمة، وهو حمض أميني غير أساسي، أي أن الجسم بإمكانه إنتاجه بنفسه ولا يحتاج إلى الطعام للحصول عليه.

الملح الصيني مسحوق بلوري أبيض عديم الرائحة، يُستخدم بوصفه من المضافات في صناعة المواد الغذائية ويعرف باسم (E621)، يذوب بسهولة في الماء، ويتفكك إلى الصوديوم والغلوتامات الحرة.

يُصنَع الملح الصيني بتخمير مصادر الكربوهيدرات مثل الشوندر السكري وقصب السكر ودبس السكر -العسل الأسود- وقد يوجد حمض الجلوتاميك في بعض الأطعمة طبيعيًا، ولا يوجد فرق كيميائي بينه وبين ذلك الموجود في الملح الصيني، وعليه لا يمكن للجسم التفريق بين النوعين.

تمتلك الغلوتامات أحادية الصوديوم طعمًا محددًا يعرف باسم الأومامي، وهو الطعم الأساسي الخامس إلى جانب المذاق الحلو والمالح والحامض والمرّ. وللأومامي نكهة لحمية تعود إلى وجود البروتينات في الطعام.

تتضمن مركبات الأومامي الأخرى -إضافةً إلى الغلوتامات أحادية الصوديوم- إينوزين 5- أحادي الفوسفات، وغوانوزين 5- أحادي الفوسفات.

يحظى الملح الصيني بشعبية كبيرة في المطبخ الآسيوي ويُستخدم في العديد من الأطعمة المصنعة في الغرب. يُقدر متوسط المدخول اليومي للأشخاص من هذه المادة ما مقداره 0.3-1 غرام.

التأثير المحسن للنكهة للملح الصيني:

تعود التأثيرات المعززة للنكهة للملح الصيني إلى طعم الأومامي الذي يحفز إفراز اللعاب، ما يؤدي إلى تحسين مذاق الطعام. أيضًا، تظهر الدراسات أن مذاق الأومامي قد يقلل الرغبة في تناول الأطعمة المالحة، ويُعد ملح الطعام أيضًا من أشكال محسنات النكهة.

تفترض بعض الأبحاث أن استبدال ملح الطعام بالملح الصيني قد يقلل من تناول الأشخاص للصوديوم بنسبة 3% تقريبًا دون التضحية بالنكهة، وبالمثل، يمكن استخدام الملح الصيني بديلًا للملح في المنتجات منخفضة الصوديوم، مثل الحساء والوجبات الجاهزة واللحوم الباردة ومنتجات الألبان.

لماذا يظن بعض الأشخاص أن تناول الملح الصيني ضار بالصحة؟

اكتسبت الغلوتامات أحادية الصوديوم سمعتها السيئة في الستينيات عندما كتب الأمريكي الصيني روبرت هو مان كووك أنه مرض بعد تناوله الطعام الصيني.

وأنه يعتقد أن أعراضه قد تكون ناجمةً عن تناول الكحول أو الصوديوم أو الملح الصيني. أثار هذا التصريح الجدل حول الملح الصيني، ربما كان هذا التصريح مرتبطًا بالتحيزات الحالية ضد المهاجرين الصينيين ومأكولاتهم. أدت الرسالة إلى تصنيف أعراض كووك بأنها «متلازمة المطعم الصيني»، التي سُميت فيما بعد «مضاعفات تناول الغلوتامات أحادية الصوديوم»، وجاءت بعدها العديد من الدراسات لتؤيد السمعة السيئة للملح الصيني، مشيرةً إلى أن المادة المضافة شديدة السُمية. ومع ذلك، فإن الأدلة الحالية تشكك في دقة البحث السابق لعدة أسباب:

  •  عدم وجود مجموعات مقارنة مناسبة.
  •  صغر عينة الدراسة.
  •  عيوب منهجية.
  •  عدم دقة الجرعة.
  •  استخدام جرعات تتجاوز بكثير تلك الموجودة في النظم الغذائية العادية.
  •  إعطاء الغلوتامات أحادية الصوديوم بغير الطريق الفموي، بطريقة الحقن مثلًا.

تعد السلطات الصحية حاليًا أن الملح الصيني معترف به عمومًا أنه آمن. وقد حددوا أيضًا الجرعة اليومية المقبولة بـ 30 ملغ لكل كيلوغرام من وزن الجسم للاستهلاك اليومي. هذه الكمية أكبر مما قد يتناوله الشخص عند اتباعه نظامًا غذائيًا عاديًا.

رُبط استهلاك الملح الصيني بالبدانة واضطرابات التمثيل الغذائي وتسمم الدماغ ومضاعفات تناول الغلوتامات أحادية الصوديوم. نستعرض فيما يلي ما يقوله البحث الحالي عن هذه الجوانب السلبية المزعومة:

التأثير في مدخول الطاقة

تشير الأدلة القديمة إلى أنه بجعل مذاق الطعام أفضل، فإن الملح الصيني يعطل تأثير إشارات هرمون اللبتين في الدماغ -هرمون الشبع- ما يزيد من تناول السعرات الحرارية.

لا تزال البيانات الحالية حول تأثيرات الغلوتامات أحادية الصوديوم في مدخول الطاقة متناقضة. إذ وجدت بعض الدراسات أنه قد يقلل من الشهية، في حين يدعم البعض الآخر فكرة أن خصائصه المعززة للنكهة ربما تؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام.

قد يكون للنتائج المتناقضة علاقة بالمضمون الغذائي للوجبة. مثلًا، رُبط تناول الوجبات الغذائية الغنية بالبروتين والمدعومة بالملح الصيني بزيادة الشعور بالتخمة، في حين لم يلاحظ هذا الارتباط مع الوجبات عالية الكربوهيدرات. قد يعود ذلك أيضًا إلى أن البروتين هو أكثر المغذيات الكبيرة إشباعًا، وقد لا يكون لذلك علاقة بمحتوى الوجبة من الملح الصيني.

تشير دراسات أخرى إلى أن تناول وجبات غنية بالملح الصيني قد يؤدي إلى تناول سعرات حرارية أقل في الوجبات اللاحقة. عمومًا، ما زلنا بحاجة إلى مزيد من البحث حول العلاقة بين الملح الصيني ومدخول الطاقة.

البدانة واضطرابات التمثيل الغذائي

ارتبط تناول الملح الصيني بزيادة مخاطر الإصابة باضطرابات التمثيل الغذائي، ويرجع ذلك أساسًا إلى الدراسات التي أجريت على الحيوانات، والتي ربطت الملح الصيني بمقاومة الإنسولين وارتفاع مستويات السكر في الدم ومرض السكري. مع ذلك، فقد استخدمت الأبحاث السابقة طرقًا غير دقيقة لتحديد استهلاك الملح الصيني، كالحقن بدلًا من الجرعات الفموية. وقد يؤدي ذلك إلى تأثيرات سلبية في الدماغ غير مرتبطة بالتناول الغذائي للمادة.

مع ذلك ما زالت البيانات الحالية متناقضة. وجدت دراسات حديثة أجريت على الحيوانات ارتباطًا بين مواد الأومامي والتأثيرات المضادة للبدانة. في المقابل، لا تظهر الدراسات الأخرى التي أجريت على الحيوانات والبشر أي تأثير في وزن الجسم، بل تستبعد أن يؤثر تناول الملح الصيني عادةً في وزن الجسم أو التمثيل الغذائي للدهون.

التأثير في صحة الدماغ

للغلوتامات العديد من الأدوار المهمة في وظائف الدماغ. يمكن القول إنها تعمل ناقلًا عصبيًا، وتزعم بعض الدراسات أن الملح الصيني قد يؤدي إلى تسمم الدماغ من خلال التسبب بزيادة مستويات الغلوتامات في الدماغ وزيادة تحفيز الخلايا العصبية، ما يؤدي إلى موتها. مع ذلك، من المحتمل أن يكون للغلوتامات الغذائية تأثيرًا ضئيلًا أو معدومًا في الدماغ، فلا تمر أي كمية منها تقريبًا من الأمعاء إلى الدم أو تعبر الحاجز الوعائي للدماغ.

تظهر بعض الأبحاث أنه عند تناول الملح الصيني، يستقلب كاملًا في الأمعاء. من ثم يعمل مصدرًا للطاقة، أو يحول إلى أحماض أمينية أخرى، أو يستخدم في إنتاج مركبات نشطة حيويًا.

عمومًا، لا يوجد دليل مثبت يشير إلى أن الملح الصيني يحدث تغيرًا كيميائيًا في الدماغ عند تناوله بكميات طبيعية.

رد الفعل التحسسي

قد يعاني بعض الأشخاص آثارًا سلبية عند تناول الملح الصيني، بسبب حالة تسمى «مضاعفات تناول الغلوتامات أحادية الصوديوم»، ويُقدر أنها تصيب أقل من 1% من السكان.

تتميز الحالة بأعراض مشابهة لتلك التي وصفها الدكتور كووك في رسالته، وتشمل الضعف والاحمرار والدوخة والصداع والتنميل وصعوبة التنفس وتكزز العضلات وفقدان الوعي. الجرعة التي تسبب أعراضًا قصيرة الأمد وخفيفة لدى الأشخاص الحساسين لهذه المادة تبلغ 3 غرامات أو أكثر، وهي جرعة عالية. تحتوي الحصة النموذجية من الطعام الغني بالملح الصيني على أقل من نصف غرام من المادة المضافة، لذا فإن تناول 3 غرامات منها دفعة واحدة أمر مستبعد.

توجد الغلوتامات أحادية الصوديوم في العديد من الأطعمة المختلفة، خاصة تلك التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين. تُضاف أيضًا هذه المادة إلى بعض الأطعمة في أثناء التحضير.

الأطعمة الشائعة التي تحتوي الملح الصيني:

  •  البروتين الحيواني: الدجاج واللحم البقري والسلمون وسمك الإسقمري والمحار المروحي والسلطعون والقريدس.
  •  الجبن: بارميزان وإيمنتال وشيدر وريكفورت.
  •  الخضر: الطماطم والبصل والملفوف والبازلاء والسبانخ والفطر والبروكلي.
  •  اللحوم المصنعة: الببريوني واللحم المقدد والبسطرمة والنقانق والسلامي.
  •  الصلصات والتتبيلات: صلصة الصويا والكاتشب والخردل والمايونيز وصلصة الباربكيو وتتبيلات السلطة.
  •  الأطعمة الجاهزة والمعلبة: الحساء المعلب والتونة المعلبة والوجبات المجمدة والبسكويت ورقائق البطاطس والوجبات الخفيفة المنكهة.
  •  التوابل: خلطات التوابل والبهارات المفروكة.
  •  تستخدم مطاعم الوجبات السريعة الغلوتامات لتتبيل بعض الأطباق مثل الدجاج المقلي وقطع الدجاج والبطاطا المقلية.

الخلاصة، مع أن الملح الصيني كان يُعد مكونًا سامًا خلال فترة الستينيات، تدحض الأدلة الحالية هذه الفكرة، مشيرةً إلى أن الملح الصيني آمن عند استهلاكه بكميات معتدلة.

اقرأ أيضًا:

ما العلاقة بين الملح والوزن؟

الطعام الأفضل لكل فئة عمرية

ترجمة: جنان وجيه نده

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر