تشير أدلة متزايدة إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة التي تصل إلى الدم، تستطيع عبور الحاجز الدماغي الدموي عند الإنسان. تكشف التجارب الأولية التأثير المحتمل الذي قد تحدثه هذه المواد حتى عند التعرض لها مرةً واحدة، إذ وجدت التجارب أن المواد البلاستيكية المُعرضة للتجوية أكثر سُمية لخلايا الدماغ من المواد الحديثة.

يقول (سونج كين شوي) عالم الأحياء في معهد (DGIST) للعلوم والتكنولوجيا: «الآثار الناجمة عن ضرر المواد البلاستيكية تثير القلق، إذ تسبب المواد البلاستيكية الدقيقة الثانوية المُعرضة في البيئات الطبيعية استجابة التهابية أشد في الدماغ».

أحاط البشر أنفسهم بالمواد البلاستيكية واستخدموها في صناعة الثياب وأدوات الطعام وفي صناعة وسائل النقل، بلغ إجمالي إنتاج المواد البلاستيكية في العام (سنة 2021) 390 مليون طن.

ينتج عن كل هذه المصادر –حتى في أثناء استعمالها وليس فقط عند التخلص منها- شظايا تُعرف باسم المواد البلاستيكية الدقيقة.

تتعرض المواد البلاستيكية الدقيقة لتغير في الشكل والبنية، متأثرةً بالتعرض للمطر والرياح والشمس، قبل أن تتسلل إلى الجسم، إذ يستنشق الإنسان غبار المواد البلاستيكية المعرضة للتجوية.

في حين اختبرت دراسة سابقة تأثير المواد البلاستيكية المُصنعة حديثًا على خلايا الدماغ، درس (هي يون كيم) عالم البيولوجيا في معهد (DGIST) وزملاؤه المواد البلاستيكية المعرضة للتجوية، إذ راقبوا استجابة الخلايا المناعية في الدماغ، المعروفة بالخلايا الدبقية الصغيرة «الدبيقات»، للمواد البلاستيكية الدقيقة المشتقة من البوليسترين والمعرضة للتجوية، مقارنةً بالمواد النقية «الصافية» المماثلة لها بالحجم.

زاد إطعام الفئران مواد بلاستيكية دقيقة معرضة للتجوية مدة سبعة أيام من مستويات الجزيئات الالتهابية في الدم، إضافةً إلى ازدياد الخلايا الميتة في أدمغة الفئران، من ثم قارن العلماء تأثير المواد البلاستيكية الدقيقة في الخلايا الدبقية الصغيرة البشرية في المختبر.

تجول الخلايا الدبقية الصغيرة -التي تبلغ نسبتها 10 – 15% من خلايا الدماغ- في الجهاز العصبي المركزي بحثًا عن مواد غريبة لا يُفترض وجودها هنا. وجد بحث سابق أجراه الفريق تراكم الجزيئات الدقيقة في الخلايا الدبقية الصغيرة في أدمغة الفئران.

اكتشف (كيم) وزملاؤه تأثير المواد البلاستيكية الدقيقة المُعرضة للتجوية، على بروتينات مشاركة في تفكيك السكريات للحصول على الطاقة، إذ زاد التعبير عنها في الخلايا الدبقية الصغيرة، نحو 10-15 ضعفًا، مقارنةً بالمجموعة المرجعية، سببت هذه المواد ازدياد كمية البروتينات المشاركة في موت خلايا الدماغ إلى خمسة أضعاف.

يعتقد العلماء أن سبب ذلك هو التغيرات الناتجة عن تعرض المواد البلاستيكية لأشعة الشمس، إذ تمتص مادة البوليستيرين الأشعة فوق البنفسجية، ما جعل البلاستيك أكثر هشاشةً وعرضة للتجزئة.

وجد كيم وزملاؤه أن مادة البوليسترين المعرضة للتجوية، زادت مساحة السطح واستبدلت الروابط الكيميائية، إذ تؤثر هاتان الخاصيتان في التفاعل.

يؤدي ذلك إلى زيادة الاستجابة الالتهابية في خلايا الدماغ بشدة أكبر من تلك الناتجة عن المواد البلاستيكية الدقيقة غير المعرضة للتجوية، التي استُخدِمت بالكميات ذاتها.

قال (شوي): «استطعنا تأكيد للمرة الأولى أن المواد البلاستيكية المتسربة إلى البيئة، تخضع لعملية تجوية متسارعة، متحولةً إلى مواد بلاستيكية دقيقة ثانوية تعمل بوصفها مواد ذات سُمية عصبية، ما يؤدي إلى زيادة الالتهاب والموت الخلوي في الدماغ».

لوحظت هذه النتائج في الفئران الحية فقط، وعينات من النسج البشرية في ظروف مخبرية، لكنّ قدرة هذه المواد على إحداث تغيرات عميقة فور وصولها إلى أنسجة الدماغ مرةً واحدة، تقترح احتمال أنها تُحدث ضررًا في الدماغ البشري.

في حين اعتمدت التجارب على عينات بأحجام صغيرة وتراكيز عالية من المواد البلاستيكية الدقيقة، مدةً طويلة لتتراكم هذه المواد، يخطط الباحثون لإجراء دراسات طويلة الأمد باستخدام عينات أكثر وجرعات تعكس التغيرات البيئية بمرور الوقت بشكل أفضل، للتحقق من النتائج.

اقرأ أيضًا:

لماذا يستهلك الدماغ الكثير من الطاقة حتى في فترات الراحة؟

خمس حقائق مذهلة عن الدماغ

ترجمة: ميلاد أبو الجدايل

تدقيق: نور حمود

المصدر