تُعد تعبئة الوقود الكافي للوصول إلى المريخ عمليةً صعبةً ومكلفةً، وأصعب منها تعبئة الوقود لرحلة العودة، لكن الحل قد يأتي من الميكروبات التي قد تلغي الحاجة إلى الوقود.

سيكلف الوقود المطلوب للعودة إلى الوطن من مهمة بشرية إلى المريخ نحو 8 مليارات دولار، وهذا ما دفع فريقًا من العلماء من معهد جورجيا للتكنولوجيا إلى اقتراح خطة لنقل الميكروبات إلى الكوكب الأحمر لإنتاج وقود بيولوجي لرحلة عودة رواد الفضاء.

كان الباحثون يفتشون عن طرق كيميائية لصنع وقود على المريخ لبعض الوقت. على الرغم من أن الميكروبات ربما تحتاج إلى معدات دعم أثقل، فإنها نظريًا تستهلك طاقة أقل من الطرق الكيميائية، وفقًا لدراسة جديدة للفريق نُشرت في مجلة Nature Communications، فقد صرّح مينيزيس، الباحث في البيولوجيا التركيبية الفضائية بجامعة فلوريدا، ولم يشارك في البحث: «أظن أن هذا واعد جدًا، فإنها أول دراسة متعمقة بحق من نوعها». وقد أردف الباحث العلمي الرئيس لمركز ناسا لاستخدام الهندسة البيولوجية في الفضاء (CUBES)؛ قائلًا: «يُعد هذا أولَ دليل مقنع على أن الوقود الحيوي على كوكب المريخ قابل للتطبيق».

تتألف خطة الفريق من زراعة نوعين من الميكروبات باستخدام غاز ثاني أكسيد الكربون، والماء، وأشعة الشمس، حتى تنتج الوقود. إن الميكروب الأول نوع من البكتيريا الزرقاء، وهو النوع نفسه من الكائنات الحية التي شكلت منذ 2.4 مليار سنة؛ غلافنا الجوي الغني بالأكسجين الذي نراه اليوم.

يحول هذا الميكروب ثاني أكسيد الكربون (المكون الرئيسي للغلاف الجوي للمريخ) إلى سكريات وأكسجين. أما النوع الثاني من الميكروبات، وهو شكل هندسي من الإشريكية القولونية، فإنه يحول هذه السكريات إلى وقود يُسمى «3,2-بيوتانيديول»، وتهدف خطتهم إلى معالجة 105 كيلوغرامات من الكتلة الحيوية الميكروبية يوميًا طوال مهمة مريخية تبلغ 500 يوم، نظرًا إلى أن البحث تمهيدي وأولي جدًا، فمن الصعب تحديد مدى جدوى ذلك من الناحية العملية.

يُعد الأكسجين الزائد الناتج عن هذه العملية أمرًا حيويًا لأن اللهب يحتاج إلى وقود وأكسجين ليحترق. على الأرض، من السهل التفكير في الوقود فقط لأن الأكسجين يشكل خُمس غلافنا الجوي، ولكن لكي تعمل محركات الصواريخ في الفراغ، فإنها تحتاج إلى حمل الأكسجين معها، ستنتج الميكروبات في الواقع كمية زائدة من الأكسجين يمكن استخدامها في تنفس الهواء أيضًا!

يقول مينيزيس: «إنه مفهوم بعيد المنال جدًا، ويبدو أنه ما يزال خيالًا علميًا، ولكن بعد نحو خمس سنوات من دراسة السؤال (هل ينبغي لبعثات المريخ استخدام الوقود الحيوي، والنظر في التكلفة المحتملة، وتوفير الطاقة؟)؛ الإجابة هي بالتأكيد نعم».

من بين التحديات التي تواجه الخطة؛ حقيقة أن المريخ بعيد عن الشمس، ما يعني بالضرورة أنه يحصل على أقل من نصف الإشعاع الشمسي الذي تتلقاه الأرض، وهذا سيحد من سرعة نمو الميكروبات. لدينا أيضًا تحدي بناء ملاجئ الميكروبات (نوع من الخزّانات المغلقة الرقيقة لتغذية الميكروبات وإيوائها ومنعها من التجمد).

ثمة جليد مائي على سطح المريخ قد يتمكن المستكشفون المستقبليون من الوصول إليه. على الرغم من أن هذا الجليد قد يحتوي على أملاح تجب إزالتها لجعل الماء صالحًا للاستخدام.

تخلص الدراسة إلى أنه بالإضافة إلى الضوء والماء، ستحتاج الميكروبات إلى النيتروجين والفوسفور ومجموعة متنوعة من العناصر الشحيحة التي ستُشحن من الأرض.

وتُلاحَظ أيضًا الأشعة فوق البنفسجية الشديدة على سطح المريخ. بالرغم من أن البكتيريا الزرقاء والإشريكية القولونية كائنات شديدة التحمل، فإنها دون الغلاف الجوي السميك للأرض، ستحتاج إلى ما يحميها من أشعة الشمس القاسية.

إلى جانب العقبات التقنية، هناك مشكلة بروتوكولات حماية الكواكب التابعة لوكالة ناسا، ففي الوقت الحاضر، تحظر وكالة ناسا جلب الميكروبات إلى المريخ.

يقول مينيزيس: «إنه مع كل مزاياها من ناحية التكلفة والقوة، فإنه يمكن أن نرى الموافقة عليها في المستقبل. في مرحلة ما، سيتعين على مكتب حماية الكواكب التابع لناسا التفكير هل كان من الممكن إجراء البيولوجيا التركيبية على المريخ أم لا».

على الرغم من كل ما تعد به التكنولوجيا في المستقبل، فإنها ما تزال جديدةً جدًا، لذلك يقول مينيزيس إنه من المحتمل أن تساعد في مهمة ثانية أو ثالثة إلى الكوكب الأحمر: «لأكون صادقًا تمامًا، في أي مهمة حقيقية إلى المريخ، إذا كنت تريد أن تكون واثقًا تمامًا من أن رواد الفضاء سوف ينجون، فمن المحتمل أنك ستظل تحزم كل شيء قد تحتاجه تقريبًا في المهمة الأولى، تحسبًا لا أكثر».

اقرأ أيضًا:

مسبار ناسا على سطح المريخ يعثر على جزيئات عضوية غير معروفة سابقًا

علماء الفضاء يعرفون الآن أين يبحثون عن الحياة على سطح المريخ

ترجمة: مي مالك

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر