ميكروبيوم الأمعاء هو نظام بيئي حيوي يتكون من أنواع مختلفة من الميكروبات التي تعيش في داخل الجسم، ويتراوح عددها ما بين عدة مئات إلى عدة آلاف نوع. تؤثر هذه الميكروبات في صحتنا وخصوبتنا بل حتى في طول عمرنا، ولكن من أين تأتي في الأصل؟

كشفت دراسة قادها ويليام لودينغتون من معهد كارنغي تفاصيل مهمة عن كيفية اكتسابنا المجتمعات البكتيرية التي يتألف منها ميكروبيوم أمعائنا. نُشرَت نتائج الدراسة في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم، وقد تترتب عنها تأثيرات في بعض وسائل العلاج مثل زرع البراز وإعطاء البروبيوتيك.

يقول لودينغتون: «يوجد تنوع كبير جدًا في تركيب الميكروبيوم من شخص إلى آخر. مثلًا، إذا نظرنا إلى إجمالي أنواع البكتيريا التي تكيفت مع العيش في الجهاز الهضمي البشري، فإننا سنجد أن معظمها ليس موجودًا لدى غالبية الناس؛ ما يبين أن تركيبة ميكروبيوم الأمعاء متنوعة للغاية حقًا».

تساهم العديد من العوامل في التنوع الذي نراه في تركيب الميكروبيوم المعوي، من ضمنها الوراثة والنظام الغذائي والبيئة؛ مع ذلك، لا توجد علاقة مباشرة بين هذه العوامل وأنواع الميكروبات التي تتمكن من استعمار أمعائنا؛ إذ إنه عند تعرضنا إلى ميكروب جديد، فإن عامل الصدفة كذلك يؤدي دورًا في تحديد إذا كنا سنكتسبه ويصبح جزءًا من النظام الحيوي في أمعائنا أم لا. قرر لودينغتون وزملاؤه محاولة فهم العوامل التي تحدد الاحتمالات المؤثرة في عملية الاستعمار البكتيري هذه.

رغم أن العديد من الباحثين درسوا تركيبات طبيعية من الميكروبيوم، فإن هناك عدة محاولات لاستخدام تركيبات مضبوطة من الميكروبيوم لكشف كيفية نجاح أنواع جديدة من الميكروبات في الانضمام إلى النظام البيئي الميكروبي في الأمعاء.

طوّر لودينغتون وزميلاه -إريك جونز من جامعة سايمون فريزر وجان كارلسون من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا- نموذجًا بيئيًا جديدًا لفهم كيفية اكتساب تركيبة الميكروبات المميزة التي يتفرد بها الميكروبيوم المعوي لدى كل شخص.

وبعد دراسة ميكروبيوم ذباب الفاكهة الذي يُعد أقل تعقيدًا بكثير من ميكربيوم البشر، أظهر الفريق أن التعرض إلى نوع معين من الميكروبات لا يضمن دمجه في نظام الميكروبيوم الحيوي، ووجدوا أن حالة الميكروبيوم والتفاعلات بين الميكروبات التي تكوّنه، تحكم في احتمالية انضمام بكتيريا جديدة إلى التركيبة.

يقول سيفاك: «لقد وجدنا اختلافات في تركيب الميكروبيوم حتى بين الذباب المتطابق جينيًا والذي عاش في بيئة واحدة وتناول الغذاء ذاته».

استغل الباحثون بعد ذلك النتائج التي توصلوا إليها لإنشاء نماذج رياضية يمكنها استقصاء سيناريوهات أكثر تعقيدًا تُكتسب فيها أنواع جديدة من الميكروبيوم؛ ما أدى إلى نجاحهم الكبير في فهم العوامل المجتمعية التي تتحكم في تعايش الميكروبات في نظام الميكروبيوم البيئي.

يقول لودينغتون: «يمكننا تصوّر تركيب الميكروبيوم على أنه حفلة كبيرة، تحدد فيها الديناميكيات الاجتماعية من يغادر مبكرًا ومن يظل في الحفلة حتى الفجر».

يضيف جونز، كاتب الدراسة الأول: «يعتمد الاستعمار البكتيري على عدد من العوامل المعقدة التي بدأنا بفهمها الآن فقط، مثلًا، أوضحنا أن بعض الأنواع المختلفة تساعد بعضها على الاستعمار وأنها أكثر ميلًا إلى البقاء مع بعضها».

للتفاعلات التي تحدث بين الأنواع المختلفة في الميكربيوم تطبيقات مشوقة في طرائق نقل الميكروبيوم بين الأشخاص، من ضمنها كيفية ضبط الميكروبيوم لدى الفرد إلى التركيب المرغوب من قبل الاختصاصيين الطبيين.

يقول كارلسون: «يكمن حسن النهج الرياضي الذي اتبعناه في كونه يقر بأن الاستعمار البكتيري عملية عشوائية ولا يمكن التنبؤ بها، ولكن يمكننا الآن إسنادها غالبًا إلى تفاعلات بيولوجية ذات أساس جزيئي صقله التطور».

تتيح النتائج التي توصل إليها الفريق هيكلية فحص كمومي للآليات التي تعتمد عليها بعض وسائل العلاج مثل زرع البراز والبروبيوتك، وهي تُعد خطوةٌ أخرى في التقدم نحو طب الميكروبيوم المخصص أو الشخصي.

اقرأ أيضًا:

ما هو الميكروبيوم المعوي؟ وما تأثيره على صحتنا؟

زرع البراز قد يكون سر الشباب الأبدي

ما هي البروبيوتيك ؟ كيف تعمل ؟ و كيف تستخدمها لتحقيق افضل النتائج على صحتك ؟

ما هي البكتيريا (الجراثيم)؟ هل جميعها ضارة؟ ومتى تم اكتشافها

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: آلاء رضا

مراجعة: نغم رابي

المصدر