يُلحِق استنشاق الهواء الملوث أضرارًا فادحة في بكتيريا الأمعاء ، ما يزيد من خطر الإصابة بالسمنة والسكري والاضطرابات الهضمية، وغيرها من الأمراض المزمنة، ذلك ما خلص إليه بحث جديد بجامعة كولورادو بولدر University of Colorado Boulder. تُعَد الدراسة الأولى من نوعها، التي تربط بين تلوث الهواء والتغير في بنية بكتيريا الأمعاء ووظيفتها في الإنسان، تلك الأحياء الدقيقة التي تعيش بالترليونات داخل أجسامنا.

وجدت الدراسة أن غاز الأوزون الملوث الذي سبب تشكل (السحابة البنية) سيئة السمعة على مدينة دينفر خطر جدًّا، إذ ظهر لدى الشباب الذين تعرضوا لمستويات عالية من هذا الغاز تنوع بكتيري أقل في أمعائهم، مع تكاثر البكتيريا المرتبطة بالإصابة بالسمنة وأمراض أخرى.

الهواء الملوث يسبب زيادة الوزن كيف يحدث ذلك - خطر الإصابة بالسمنة والسكري والاضطرابات الهضمية - الأمراض المزمنة - بكتيريا الأمعاء

أشارت دراسة سابقة إلى ارتباط الضباب الدخاني بالنمط الثاني من داء السكري، وزيادة الوزن وأمراض التهابات البطن. تشير تانيا ألدريت، أستاذ علم وظائف الأعضاء التكاملي integrative physiology إلى ذلك قائلة: «نعلم من بحث سابق أن لملوثات الهواء آثارًا سلبية بالغة على الصحة، ويوضح بحثنا أن بعض هذه الآثار سببها التغيرات الطارئة في الأمعاء».

تتزامن الدراسة مع تدني جودة الهواء في كثير من المدن الأمريكية بعد عقود من التحسن، ففي ديسمبر الماضي، عدلت هيئة الحماية البيئية تصنيف منطقة قطار أنفاق دينفر ومنطقة فرونت رينج الشمالية إلى مرتبة (تلوث خطيرة serious non attainment) لفشلها في اجتياز المعايير الوطنية لمستوى الأوزون.

وغُرمت مناطق في ثمان ولايات أخرى، هي كاليفورنيا وتكساس وإلينوي وكونيتيكت وإنديانا ونيوجيرسي ونيويورك وويسكونسين، بسبب ارتفاع مستوى الأوزون. وفق بحث نُشر حديثًا، يقتل تلوث الهواء حول العالم نحو 8.8 مليون نسمة سنويًّا، أي أكثر مما يقتل التدخين أو الحروب.

في حين تهتم أكثر الدراسات المرتبطة بالتلوث بصحة الجهاز التنفسي، تُظهر دراسة ألدريت إضعاف التلوث قدرة الجسم على تنظيم سكر الدم، وتأثيره في خطر الإصابة بالسمنة. وتُظهر دراسات أخرى ارتفاعًا حادًا في المشاكل الهضمية في أيام زيادة الهواء الملوث ، وزيادة خطر الإصابة بداء كرون Crohn’s disease عند من يتعرضون للكثير من عوادم السيارات.

لتقصي المزيد حول ما يحدث داخل الأمعاء، استخدم فريق ألدريت تقنيةً متطورة، هي سلسلة الجينوم الكامل whole genome sequencing، بتحليل عينات براز أُخذت من 101 شابًّا من جنوب كاليفورنيا.

استعان الباحثون ببيانات محطات مراقبة الجو في مناطق إقامة المشاركين في الدراسة، وتحديدًا نسب الأوزون (الذي ينتج من تعرض عوادم السيارات لأشعة الشمس)، والجسيمات الدقيقة، وأكسيد النيتروجين (من نواتج احتراق الوقود).

من بين كل الملوثات، يُعَد الأوزون الأشد تأثيرًا على صحة الجهاز الهضمي، فهو مسؤول عن نحو 11% من الحالات في البحث، أي أكثر تأثيرًا من عوامل الجنس والعرق والنظام الغذائي. أظهر من تعرضوا لمستويات أعلى من الأوزون أقل تنوع من البكتيريا النافعة في أمعائهم.

الهواء الملوث يسبب زيادة الوزن كيف يحدث ذلك - خطر الإصابة بالسمنة والسكري والاضطرابات الهضمية - الأمراض المزمنة - بكتيريا الأمعاء

تقول ألدريت: «يرتبط انخفاض التنوع البكتيري بأمراض السمنة والنمط الثاني من السكري».

أظهر من تعرضوا لمستويات أعلى من الأوزون تكاثرًا في العصويات Bacteroides caecimuris، التي ربطت دراسات سابقة بينها وبين السمنة.

عمومًا، حدد الباحثون 128 نوعًا من البكتيريا تتأثر بمستوى التعرض للأوزون، بعضها يؤثرفي إنتاج الإنسولين، الهرمون المسؤول عن استهلاك الخلايا للسكر من أجل إنتاج الطاقة، والبعض الآخر يؤثر في إنتاج مواد استقلابية مثل الأحماض الدهنية، التي تساعد على الحفاظ على استقامة الحاجز المعوي ودرء الالتهابات.

تقول ألدريت: «يغير الأوزون بيئة الأمعاء لتلائم بعض أنواع البكتيريا دون غيرها، ما يؤدي إلى عواقب صحية».

تُعَد الدراسة صغيرة نسبيًّا ومحدودة، إضافةً إلى أن عينات البراز أُخذت مرة واحدة.

يستعد الفريق الآن لدراسة أكبر حول مدينة دينفر، بفضل منحة مقدمة من معهد Health Effects Institute، وستتقصى أيضًا تأثير التعرض للهواء الملوث قبل الولادة، وفي مراحل الحياة الأولى على تركيبة بكتيريا الأمعاء لدى 240 رضيعًا.

تأمل ألدريت أن يؤثر عملها لاحقًا في صناع القرار، علهم يأخذون بعين الاعتبار نقل الحدائق والملاعب والمناطق السكنية بعيدًا عن الطرقات المزدحمة والمناطق شديدة التلوث، وأن يركزوا أكثر على جعلها تطابق معايير جودة الهواء: «نحتاج إلى المزيد من العمل بعد، لكن البحث يمثل إضافةً إلى مجموعة من الدراسات التي بينت تأثير التعرض للهواء الملوث في صحة الإنسان».

اقرأ أيضًا:

الاشتدادات الحادة في تلوث الهواء تعني معدلات أعلى من الإجهاض

دراسة جديدة تكشف عن ارتباط سوء تحصيل الأطفال الأكاديمي بتلوث الهواء

ترجمة: لبيد الأغبري

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر