إذا شوهد طفلٌ يحدّق ببصره بتعجب في الشمعة المضيئة الموجودة على كعكة عيد ميلاده الأول، فمن الواضح أن شيئًا ما يحدث خلف تلك العيون الكبيرة البريئة.

لم يكن الأمر دائمًا على هذا النحو، إذا قمنا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بدءًا من الرضيع النشط الفضولي إلى المولود الجديد إلى البويضة المخصّبة، قد يصبح من الصعب التعرف على هذا الوعي.

واجه العلماء أيضًا -بعيدًا عن التحديّ الفلسفيّ المتمثّل في تعريف الوعي- صعوبةً في التحديد الدقيق للوقت الذي تحتاجه شبكة الخلايا العصبية النامية لدى الطفل إلى أن تصبح بدرجة التعقيد الكافي ليس فقط من أجل الإحساس، لكن أيضًا لإدراك المحيط.

يقترح البعض أن الوعي يظهر بعد عدة أشهر من الولادة، لكن ليس قبل وقت طويل من عمر السنة. فيما يرى آخرون أن اللحظات الأولى من الوعي قد تكون موجودةً بعد الولادة مباشرةً.

يقول تيم باين، الفيلسوف في جامعة موناش في أستراليا: «تقريبًا كل من حمل طفلًا حديث الولادة يتساءل عما يعنيه أن يكون طفلًا».

لا يمكن بالطبع تذكر فترة الطفولة جيدًا، وقد اختلف الباحثون في مجال الوعي فيما إذا كان الوعي ينشأ مبكرًا عند الولادة أو بعد فترة قصيرة أو متأخرًا في عمر عام واحد، أو حتى بعد ذلك بكثير.

لخّص باين الوضع الحالي من أجل التقدم في هذا الموضوع، بالتعاون مع زملائه من علماء الأعصاب والفلاسفة من أستراليا وألمانيا والولايات المتحدة وأيرلندا بمراجعة الأبحاث حتى الآن، وكانت النتائج التي توصلوا إليها، تحتوي ما يكفي من الأدلة لدعم الحالة المبكرة من الوعي، التي قد تحدث قبل وقت طويل من الولادة.

يعد الوعي الثقب الأسود في علم الأعصاب. هو تفرّد يُخفيه أفق الحدث للتجربة الذاتية التي لا يمكن لأي شخص آخر الوصول إليها. لا يمكننا إلا أن نفترض أن أدمغة أخرى -مثل أدمغتنا- يمكنها تحويل الاهتزازات الصوتية إلى أغاني فرح وحزن، أو الموجات الكهرومغناطيسية إلى سماء زرقاء وغروب شمس دافئ، أو رائحة الجلد إلى طمأنينة أمومية.

في غياب وجود أي طريقة ذات معنى من أجل التمييز بين الفعل الواعي ورد الفعل اللاواعي، تستمر النظرية الفيزيائية للوعي البشري في تحدي الباحثين. بالكاد يُفهم ما يحدث داخل دماغ ناضج، ناهيك عن دماغ ما يزال قيد التطور.

لا تعد الآثار المترتبة على ذلك بسيطةً أيضًا، فهي تمتد إلى ما هو أبعد من علم الأعصاب وتصل إلى الحوسبة والأخلاقيات وحتى القانون. ففي غياب الوسيلة لمشاركة التصورات المحتملة عن العالم، يصنف الأطفال بافتقارهم إلى الوعي الحقيقي.

على امتداد حقبة زمنية كبيرة و وصولًا إلى القرن العشرين، أمكن القيام بالإجراءات الطبية على الرضع باستخدام الحد الأدنى من المسكنات وأدوية التخدير، على أساس الاعتقاد أنهم يفتقرون إلى الوعي اللازم للمنبهات المؤلمة ويسجلها الدماغ لديهم على أنها مؤلمة.

يقدم مؤلفو هذه المراجعة الأخيرة أربعة خطوط من الأدلة تدعم وجود الوعي في فترةٍ ما قبل الولادة أو بعدها، استنادًا إلى الاتصال المتقدم عبر الدماغ، ومؤشرات الانتباه والأبحاث التي تتضمن تكامل المعلومات عن الحواس المتنوعة، والعلامات الجسدية المترافقة مع الدهشة وإعادة توجيه الانتباه.

تقول لورينا ناسي، عالمة نفس في كلية ترينتي في لندن: «تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الأطفال حديثي الولادة يمكنهم دمج الاستجابات الحسية والمعرفية النامية لديهم في تجارب واعية ومتماسكة تساعدهم على فهم تصرفات الآخرين والتخطيط لاستجاباتهم الخاصة».

لا يعني ذلك بالضرورة وجود الوعي فجأةً منذ الولادة، لكن قد نتوقع صحوة تدريجية للقدرة التي تتطور في أثناء اندماج المشابك العصبية، وتمازج الحواس، وبناء الإدراك لنماذج يمكن تحديها مع ظهور محفزات جديدة.

ما تزال الأسئلة فيما إذا كان الوعي مجزأً أم كاملًا، وما إذا كان الأجنة يحلمون، أو كيف يمكن الوصول إلى وعي الطفل حديث الولادة.

بعيدًاعن الإجابة، قد يُتوصَّل إلى فهم الوعي باعتباره سلسلة متصلة مع تحسّن تقنيات مسح الدماغ، والقدرة على رسم خارطة أفضل للأنسجة المعقدة للشبكات العصبية في أثناء نموها وتطورها.

اقرأ أيضًا:

هل حرية الإرادة وهم؟ نظرية جديدة لتفسير الوعي

هل الوعي متواصل أم متقطع أم كلاهما؟

ترجمة: زينب عبد الكريم

تدقيق: لين الشيخ عبيد

المصدر